وَقَالَ صَاحِبُ التَّعَرُّفِ: وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يُرَى فِي الدُّنْيَا بِالْإِبْصَارِ، وَلَا بِالْقَلْبِ إِلَّا مِنْ جِهَةِ الْإِيقَانِ؛ لِأَنَّهُ غَايَةُ الْإِكْرَامِ وَأَفْضَلُ النِّعَمِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ إِلَّا فِي أَفْضَلِ الْمَكَانِ، وَأَحْرَى أَنَّ الدُّنْيَا دَارُ فَنَاءٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرَى الْبَاقِيَ فِي الدَّارِ الْفَانِيَةِ، وَلَوْ رَأَوْهُ فِي الدُّنْيَا لَكَانَ الْإِيمَانُ بِهِ ضَرُورَةً، وَبِالْجُمْلَةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّهَا تَكُونُ فِي الْآخِرَةِ، وَلَمْ يُخْبِرْ أَنَّهَا تَكُونُ فِي الدُّنْيَا، فَوَجَبَ الِانْتِهَاءُ إِلَى مَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ رَأَى رَبَّهُ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ، فَقَالَ الْجُمْهُورُ مِنْهُمْ: إِنَّهُ لَمْ يَرَهُ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِبَصَرِهِ، وَاحْتَجُّوا بِخَبَرِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ كَذَبَ، مِنْهُمْ: الْجُنَيْدُ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخَرَّازُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: رَآهُ وَأَنَّهُ خُصَّ بَيْنَ الْخَلَائِقِ بِالرُّؤْيَةِ، وَاحْتَجُّوا بِخَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَسْمَاءَ وَأَنَسٍ، مِنْهُمْ: أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُرَشِيُّ وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: رَآهُ بِقَلْبِهِ وَلَمْ يَرَهُ بِبَصَرِهِ، وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم: ١١] هَذَا وَزَعَمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ قَوْمًا مِنَ الصُّوفِيَّةِ ادَّعَوُا الرُّؤْيَةَ لِأَنْفُسِهِمْ، فَقَدْ أَطْبَقَ الْمَشَايِخُ عَلَى تَضْلِيلِ مَنْ قَالَ ذَلِكَ، وَصَنَّفُوا فِي ذَلِكَ كُتُبًا مِنْهُمْ: أَبُو سَعِيدٍ الْخَرَّازُ لَهُ فِي إِنْكَارِ ذَلِكَ كِتَابٌ وَرَسَائِلُ، وَكَذَا لِلْجُنَيْدِ فِي تَكْذِيبِ مَنِ ادَّعَاهُ رَسَائِلُ وَكَلَامٌ كَثِيرٌ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنِ ادَّعَى ذَلِكَ لَمْ يَعْرِفِ اللَّهَ سُبْحَانَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute