للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(فَقَالَتْ) اسْتِعْظَامًا لِهَذَا السُّؤَالِ ( «لَقَدْ تَكَلَّمْتَ بِشَيْءٍ» ) وَفِي نُسْخَةٍ: كَلَّمْتَ، لَكِنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى الْقَوْلِ بِزِيَادَةِ الْبَاءِ فِي بِشَيْءٍ (قَفَّ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ أَيْ قَامَ مِنَ الْفَزَعِ (لَهُ) أَيْ لِذَلِكَ الشَّيْءِ مِنَ الْكَلَامِ (شَعَرِي) أَيْ شَعَرُ بَدَنِي جَمِيعًا، وَهَذَا لِمَا حَصَلَ عِنْدَهَا مِنْ عَظَمَةِ اللَّهِ وَهَيْبَتِهِ وَاعْتَقَدَتْهُ مِنْ تَنْزِيهِهِ وَاسْتِحَالَةِ وُقُوعِ ذَلِكَ (قُلْتُ: رُوَيْدًا) ، أَيِ ارْفُقِي وَأَمْهِلِي، وَالْمَقْصُودُ تَسْكِينُهَا وَالْمُلَاءَمَةُ فِي تَلْيِينِهَا حَتَّى يَقْدِرَ عَلَى السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ مَعَهَا. (ثُمَّ قَرَأْتُ: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم: ١٨] : ظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ لَا يُنَاسِبُ مُدَّعَى مَسْرُوقٍ، بَلْ قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّهَا الْمُعَيِّنَةُ لِمَا رَأَى فِيمَا سَبَقَ مِنْ قَوْلِهِ: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم: ١١] ، فَهُوَ نَقِيضُ مَطْلُوبِهِ؛ وَلِذَا قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَيْ قَرَأَتُ الْآيَاتِ الَّتِي خَاتِمَتُهَا هَذِهِ الْآيَةُ، كَمَا تَشْهَدُ لَهُ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى. أَعْنِي قَوْلَهُ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: فَأَيْنَ قَوْلُهُ: ثُمَّ دَنَا. أَقُولُ: مَعَ بُعْدِهِ لَيْسَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَفْظُ رَأَى، فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْكُبْرَى الْآيَةَ الْعُظْمَى عَلَى عَظَمَةِ شَأْنِهِ تَعَالَى، أَوْ عَلَى تَعْظِيمِ جَنَابِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَصَدَ بِهَا الرُّؤْيَةَ الْبَصَرِيَّةَ أَوِ الْفُؤَادِيَّةَ. (فَقَالَتْ: أَيْنَ تَذْهَبُ بِكَ) ؟ أَيِ الْآيَةُ يَعْنِي فَهْمُهَا.

قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَيْ أَخْطَأْتَ فِيمَا فَهِمْتَ مِنْ مَعْنَى الْآيَةِ، وَذَهَبْتَ إِلَيْهِ، فَإِسْنَادُ الْإِذْهَابِ إِلَى الْآيَةِ مَجَازٌ، انْتَهَى. أَوْ أَيْنَ تَذْهَبُ بِكَ الْآيَةُ الْكُبْرَى (إِنَّمَا هُوَ) أَيِ الْآيَةُ الْكُبْرَى (جِبْرِيلُ) . فَذُكِرَ الضَّمِيرُ بِاعْتِبَارِ الْخَبَرِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الْآيَةُ الْكُبْرَى وَمَا سَيَأْتِي عَنْهَا أَنَّ لَهُ سِتَّمِائَةِ جَنَاحٍ قَدْ سَدَّ الْأُفُقَ، وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا قَوْلُهَا: ( «مَنْ أَخْبَرَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ» ) وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا تَنْفِي رُؤْيَتَهُ تَعَالَى مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِالْفُؤَادِ أَوْ بِالْبَصَرِ، ( «أَوْ كَتَمَ شَيْئًا مِمَّا أُمِرَ بِهِ» ) أَيْ بِإِظْهَارِهِ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة: ٦٧] وَهُوَ يَعُمُّ الْكِتْمَانَ عَنِ الْجَمِيعِ أَوْ عَنِ الْبَعْضِ، فَيَرُدُّ الِاعْتِقَادَ الْفَاسِدَ لِلشِّيعَةِ فِي اخْتِصَاصِ أَهْلِ الْبَيْتِ بِبَعْضِ الْأَحْكَامِ الشَّنِيعَةِ، وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ لَهُ رُؤْيَةُ اللَّهِ تَعَالَى بِنَوْعٍ مِنَ الْأَنْوَاعِ لَبَيَّنَهُ وَأَظْهَرُهُ لِلْحَاجَةِ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ إِلَيْهِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: ٤٤] أَوْ يَعْلَمُ الْخَمْسَ الَّتِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ} [لقمان: ٣٤] أَيْ إِلَى آخِرِ (مَفَاتِيحِ الْغَيْبِ) وَلَعَلَّهَا أَرَادَتْ بِإِيرَادِ هَذِهِ الْآيَةِ الْمُبَالَغَةَ فِي نَفْيِ الرُّؤْيَةِ، وَأَنَّهَا بِمَنْزِلَتِهَا فِي الْفِرْيَةِ؛ وَلِهَذَا قَالَتْ فِي جَزَاءِ الْكُلِّ مِنَ الشَّرْطِيَّاتِ ( «فَقَدْ أَعْظَمَ الْفِرْيَةَ» ) ، بِكَسْرِ الْفَاءِ أَيِ الْكَذِبَ الَّذِي هُوَ بِلَا مِرْيَةٍ (وَلَكِنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ) ، أَيْ فِي صُورَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ ( «لَمْ يَرَهُ فِي صُورَتِهِ إِلَّا مَرَّتَيْنِ: مَرَّةً عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَمَرَّةً فِي أَجْيَادٍ» ) بِفَتْحِ هَمْزَةٍ وَسُكُونِ جِيمٍ، مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ بِأَسْفَلِ مَكَّةَ مِنْ شِعَابِهَا ( «لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ، قَدْ سَدَّ الْأُفُقَ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) .

(وَرَوَاهُ الشَّيْخَانِ مَعَ زِيَادَةٍ وَاخْتِلَافٍ) ، أَقُولُ: فَكَانَ الْأَوْلَى إِيرَادُ رِوَايَتِهِمَا، فَهُوَ تَعْرِيضٌ مِنْ صَاحِبِ الْمِشْكَاةِ لِلِاعْتِرَاضِ عَلَى صَاحِبِ الْمَصَابِيحِ، (وَفِي رِوَايَتِهِمَا. قَالَ) أَيْ مَسْرُوقٌ، قُلْتُ: لِعَائِشَةَ: فَأَيْنَ قَوْلُهُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>