لِلْحُجَّةِ وَتَوْبِيخٍ، وَأَنَّهُمْ خَلَّفُوا وَرَاءَهُمْ أَوْقَاتَ الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ، وَعَطَّلُوا الْأَسْبَابَ الَّتِي يَسْتَجِيبُ لَهَا الدَّعَوَاتِ. قَالُوا: فَادْعُوا أَنْتُمْ فَإِنَّا لَا نَجْتَرِئُ عَلَى اللَّهِ ذَلِكَ، وَلَيْسَ قَوْلُهُمْ: فَادْعُوا لِرَجَاءِ الْمَنْفَعَةِ، وَلَكِنْ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الْخَيْبَةِ، فَإِنَّ الْمَلَكَ الْمُقَرَّبَ إِذَا لَمْ يُسْمَعْ دُعَاؤُهُ، فَكَيْفَ يُسْمَعُ دُعَاءُ الْكَافِرِينَ.
(قَالَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَيَقُولُونَ) أَيِ الْكُفَّارُ (ادْعُوا مَالِكًا) ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ لَمَّا أَيِسُوا مِنْ دُعَاءِ خَزَنَةِ جَهَنَّمَ لِأَجْلِهِمْ وَشَفَاعَتِهِمْ لَهُمْ أَيْقَنُوا أَنْ لَا خَلَاصَ لَهُمْ وَلَا مَنَاصَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، (فَيَقُولُونَ: {يَامَالِكُ لِيَقْضِ} [الزخرف: ٧٧] أَيْ سَلْ رَبَّكَ دَاعِيًا لِيَحْكُمْ بِالْمَوْتِ {عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف: ٧٧] : لِنَسْتَرِيحَ، أَوْ مِنْ قَضَى عَلَيْهِ إِذَا أَمَاتَهُ، فَالْمَعْنَى لِيُمِيتُنَا رَبُّكَ فَنَسْتَرِيحَ. (قَالَ) أَيِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فَيُجِيبُهُمْ) أَيْ مَالِكٌ جَوَابًا مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} [الزخرف: ٧٧] أَيْ مُكْثًا مُخَلَّدًا. (قَالَ الْأَعْمَشُ) وَهُوَ أَحَدُ الرُّوَاةِ مِنْ أَجِلَّاءِ التَّابِعِينَ (نُبِّئْتُ) بِتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ الْمَكْسُورَةِ أَيْ أُخْبِرْتُ مِنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ مَوْقُوفًا أَوْ مَرْفُوعًا (أَنَّ بَيْنَ دُعَائِهِمْ وَإِجَابَةِ مَالِكٍ إِيَّاهُمْ) أَيْ هَذَا الْجَوَابُ (أَلْفَ عَامٍ قَالَ: فَيَقُولُونَ) أَيْ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ (ادْعُوا رَبَّكُمْ، فَلَا أَحَدَ) أَيْ فَلَيْسَ أَحَدٌ (خَيْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ) أَيْ فِي الْمَرْحَمَةِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى الْمَغْفِرَةِ (فَيَقُولُونَ: {رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا} [المؤمنون: ١٠٦] بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ، وَفِي قِرَاءَةٍ بِفَتْحَتَيْنِ وَأَلِفٍ بَعْدَهُمَا، وَهُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنَى ضِدِّ السَّعَادَةِ، وَالْمَعْنَى سَبَقَتْ عَلَيْنَا هَلَكَتُنَا الْمُقَدَّرَةُ بِسُوءِ خَاتِمَتِنَا {وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ} [المؤمنون: ١٠٦] أَيْ عَنْ طَرِيقِ التَّوْحِيدِ {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} [المؤمنون: ١٠٧] وَهَذَا كَذِبٌ مِنْهُمْ، فَإِنَّهُ تَعَالَى قَالَ: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الأنعام: ٢٨] قَالَ: " لِيُجِيبَهُمْ) أَيِ اللَّهُ بِوَاسِطَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا إِجَابَةَ إِعْرَاضٍ {اخْسَئُوا فِيهَا} [المؤمنون: ١٠٨] أَيْ ذِلُّوا وَانْزَجِرُوا كَمَا يَنْزَجِرُ الْكِلَابُ إِذَا زُجِرَتْ، وَالْمَعْنَى: ابْعِدُوا أَذِلَّاءَ فِي النَّارِ {وَلَا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: ١٠٨] أَيْ لَا تُكَلِّمُونِي فِي رَفْعِ الْعَذَابِ، فَإِنَّهُ لَا يُرْفَعُ وَلَا يُخَفَّفُ عَنْكُمْ قَالَ: " فَعِنْدَ ذَلِكَ يَئِسُوا " أَيْ قَنَطُوا (مِنْ كُلِّ خَيْرٍ) ، أَيْ مِمَّا يُنْجِيهِمْ مِنَ الْعَذَابِ أَوْ يُخَفِّفُهُ عَنْهُمْ (أَوْ عِنْدَ ذَلِكَ) . أَيْ أَيْضًا (يَأْخُذُونَ فِي الزَّفِيرِ) أَيْ فِي احْتِرَاقِ النَّفَسِ لِلشِّدَّةِ وَقِيلَ: الزَّفِيرُ أَوَّلُ صَوْتِ الْحِمَارِ، كَمَا أَنَّ الشَّهِيقَ آخِرُ صَوْتِهِ، قَالَ تَعَالَى: {لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ} [هود: ١٠٦] (وَالْحَسْرَةِ) أَيْ وَفِي النَّدَامَةِ (وَالْوَيْلِ) أَيْ وَفِي شِدَّةِ الْهَلَاكِ وَالْعُقُوبَةِ، وَقِيلَ: هُوَ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) أَحَدُ الْمُحَدِّثِينَ مِنْ أَصْحَابِ التَّخْرِيجِ (وَالنَّاسُ لَا يَرْفَعُونَ هَذَا الْحَدِيثَ) . أَيْ بَلْ يَجْعَلُونَهُ مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ، لَكِنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ، فَإِنَّ أَمْثَالَ ذَلِكَ لَيْسَ مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) أَيْ مَرْفُوعًا كَمَا يُفْهَمُ مِنْ صَدْرِ الْحَدِيثِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute