أَيْ تُقَابِلُ النَّصَّ الْجَلِيَّ بِالْقِيَاسِ، وَيَجْعَلُ مُوجِبَ دُخُولِ النَّارِ الْعَمَلَ، فَإِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ. أَقُولُ: الظَّاهِرُ مِنْ سُؤَالِهِ بَيَانُ الْحِكْمَةِ فِي إِدْخَالِهِمَا النَّارَ مَعَ انْقِيَادِهِمَا وَطَاعَتِهِمَا لِلْمَلِكِ الْجَبَّارِ، وَالنَّارُ إِنَّمَا هِيَ دَارُ الْبَوَارِ لِلْكُفَّارِ وَالْفُجَّارِ، فَمَعْنَى قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ: أُحَدِّثُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا سَمِعْتُهُ، وَلَيْسَ لِي مَزِيدُ عِلْمٍ عَلَى ذَلِكَ. (فَسَكَتَ الْحَسَنُ) فَثَبَتَ أَنَّ سُؤَالَهُ حَسَنٌ، وَكَذَا جَوَابُهُ مُسْتَحْسَنٌ، مَعَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ إِدْخَالِهِمَا فِي النَّارِ تَعْذِيبُهُمَا كَخَزَنَةِ جَهَنَّمَ، فَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّمَا جُعِلَا فِي النَّارِ لِأَنَّهُمَا قَدْ عُبِدَا مِنْ دُونِ اللَّهِ تَبْكِيتًا لِلْكَافِرِينَ.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَدْ وَرَدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ تَكْذِيبُ كَعْبِ الْأَحْبَارِ فِي قَوْلِهِ هَذَا، حَيْثُ قَالَ لَهُ: هَذِهِ يَهُودِيَّةٌ يُرِيدُ إِدْخَالَهَا فِي الْإِسْلَامِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يُعَذِّبَهُمَا وَهُمَا دَائِبَانِ فِي طَاعَتِهِ، ثُمَّ حَدَّثَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُمَا يَعُودَانِ إِلَى مَا خُلِقَا مِنْهُ، وَهُوَ نُورُ الْعَرْشِ، فَيَخْتَلِطَانِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُمَا يَصِيرَانِ نُورَيْنِ وَالنُّورُ لَا يُعَذَّبُ بِالنَّارِ؛ وَلِذَا تَقُولُ النَّارُ لِلْمُؤْمِنِ: جُزْ يَا مُؤْمِنُ فَإِنَّ نُورَكَ أَطْفَأَ لَهِيبِي، فَيَرْجِعُ الْكَلَامُ إِلَى أَنَّ فَائِدَةَ إِدْخَالِهِمَا تَعْيِيرُ عَبَدَتِهِمَا، فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ قَوْلِ كَعْبٍ وَبَيْنَ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ التَّأَمُّلِ الشَّافِي، وَاللَّهُ تَعَالَى الْكَافِي، مَعَ أَنَّ الْحَدِيثَ الْمَرْوِيَّ غَيْرُ ثَابِتٍ. قَالَ السُّيُوطِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْبُدُورِ: هَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ فِي الْعَظَمَةِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عِصْمَةَ نُوحِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ مُقَاتِلٍ، وَابْنِ حِبَّانَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبُو عِصْمَةَ كَذَّابٌ وَضَّاعٌ. (رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ) وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: " «الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ مُكَوَّرَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَرَوَى ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا " «الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ثَوْرَانِ عَقِيرَانِ فِي النَّارِ، إِنْ شَاءَ أَخْرَجَهُمَا وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُمَا» " قِيلَ: قَوْلُهُ: عَقِيرَانِ، أَيْ زَمِنَانِ، يَعْنِي لَا يَجْرِيَانِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute