للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٥٧٧١ - وَعَنْ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَحْكِي عَنِ التَّوْرَاةِ قَالَ: نَجِدُ مَكْتُوبًا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ عَبْدِيَ الْمُخْتَارُ، لَافَظٌّ وَلَا غَلِيظٌ، وَلَا سَخَّابٌ فِي الْأَسْوَاقِ، وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ، مَوْلِدُهُ بِمَكَّةَ، وَهِجْرَتُهُ بِطِيبَةَ، وَمُلْكُهُ بِالشَّامِ، وَأُمَّتُهُ الْحَمَّادُونَ، يَحْمَدُونَ اللَّهَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، يَحْمَدُونَ اللَّهَ فِي كُلِّ مَنْزِلَةٍ، وَيُكَبِّرُونَهُ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ، رُعَاةٌ لِلشَّمْسِ، يُصَلُّونَ الصَّلَاةَ إِذَا جَاءَ وَقْتُهَا، يَتَآزَّرُونَ عَلَى أَنْصَافِهِمْ وَيَتَوَضَّئُونَ عَلَى أَطْرَافِهِمْ، مُنَادِيهِمْ يُنَادِي فِي جَوِّ السَّمَاءِ، صَفُّهُمْ فِي الْقِتَالِ وَصَفُّهُمْ فِي الصَّلَاةِ سَوَاءٌ، لَهُمْ بِاللَّيْلِ دَوِيٌّ كَدَوِيِّ النَّحْلِ. هَذَا لَفْظُ (الْمَصَابِيحِ) . وَرَوَى الدَّارِمِيُّ مَعَ تَغَيُّرٍ يَسِيرٍ.

ــ

٥٧٧١ - (وَعَنْ كَعْبٍ، يَحْكِي عَنِ التَّوْرَاةِ قَالَ: نَجِدُ مَكْتُوبًا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ) : الرَّفْعُ عَلَى حِكَايَةِ الْمَكْتُوبِ (عَبْدِي) أَيْ: الْخَاصُّ (الْمُخْتَارُ) ، أَيْ الْمُصْطَفَى عَلَى الْخَلْقِ (لَا فَظٌّ) : بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّ لَا عَاطِفَةٌ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ قَبِيحَ الْخَلْقِ (وَلَا غَلِيظَ) ، أَيْ سَيِّئَ الْخُلُقِ (وَلَا سَخَّابٌ) أَيْ: صَيَّاحٌ (فِي الْأَسْوَاقِ، وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ) ، أَيْ بَلْ يَدْفَعُ السَّيِّئَةَ بِالْحَسَنَةِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: (وَلَكِنْ يَعْفُو) أَيْ: فِي الْبَاطِنِ (وَيَغْفِرُ) ، أَيْ يَسْتُرُ فِي الظَّاهِرِ (مَوْلِدُهُ بِمَكَّةَ، وَهِجْرَتُهُ) أَيْ: دَارُهَا يَعْنِي مُهَاجَرَهُ (بِطِيبَةَ) ، أَيْ الْمَدِينَةِ السِّكِّينَةِ (وَمُلْكُهُ) أَيْ: بَعْدَ انْتِهَاءِ مُدَّتِهِ وَأَيَّامِ خِلَافَتِهِ (بِالشَّامِ) ، كَمَا كَانَ لِمُعَاوِيَةَ وَمَنْ بَعْدَهُ لِبَنِي أُمَيَّةَ عَلَى ذَلِكَ النِّظَامِ، وَقَالَ الْمُظْهِرُ: أَرَادَ بِالْمُلْكِ هُمَا النُّبُوَّةُ وَالدِّينُ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ بِالشَّامِ أَغْلَبُ، وَإِلَّا فَمُلْكُهُ جَمِيعُ الْآفَاقِ لِقَوْلِهِ ( «وَسَيَبْلُغُ مُلْكُ أُمَّتِي مَا زَوَى لِي مِنْهَا» ) وَقِيلَ: مَعْنَاهُ الْغَزْوُ وَالْجِهَادُ ثَمَّةَ لِأَنَّهُ تَصَدٍّ لَدَى الْكُفَّارِ وَالْجِهَادُ مُلْكًا لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ وَلِهَذَا لَا يَنْقَطِعُ الْجِهَادُ فِي الشَّامِ أَصْلًا، وَأَمَرَ بِالْمُسَافَرَةِ إِلَيْهَا لِإِدْرَاكِ فَضِيلَةِ الْجِهَادِ، وَالْمُرَابَطَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. قُلْتُ: هَذَا إِنَّمَا كَانَ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَّا الْيَوْمَ فَالْغَزْوُ وَالْجِهَادُ فِي بِلَادِ الرُّومِ، نَعَمْ هُوَ فِي جِهَةِ الشَّامِ مِنَ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ. (وَأُمَّتُهُ الْحَمَّادُونَ) ، أَيِ الْبَالِغُونَ فِي الْحَمْدِ الْمُكْثِرُونَ لَهُ كَمَا بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: (يَحْمَدُونَ اللَّهَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ) ، أَيْ فِي حَالَتَيِ السُّرُورِ وَالضَّرَرِ، وَالْمُرَادُ الدَّوَامُ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَخْلُو مِنْهُمَا فِي اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: يَحْمَدُونَهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَهَذَا مَرْتَبَةُ بَعْضِ أَرْبَابِ الْكَمَالِ وَهُوَ الْمَعْنِيُّ بِقَوْلِهِ: (يَحْمَدُونَ اللَّهَ فِي كُلِّ مَنْزِلَةٍ) ، أَيْ مَرْتَبَةٍ مِنْ مَرَاتِبِ الْأَحْوَالِ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ فِي كُلِّ مَنْزِلٍ، وَلَعَلَّ تَأْنِيثَهُ بِاعْتِبَارِ الْبُقْعَةِ وَالنَّاحِيَةِ أَيْ: إِذَا نَزَلُوا مَنْزِلًا شَكَرُوا اللَّهَ تَعَالَى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ آوَاهُمْ إِلَى الْمَنْزِلِ وَالسُّكُونِ فِيهِ وَيُلَائِمُهُ قَوْلُهُ: (وَيُكَبِّرُونَهُ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ) ، بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ مَكَانٍ مُرْتَفِعٍ تَعَجُّبًا لِعَظَمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُدْرَتِهِ، لِمَا يُشْرِفُونَ مِنْهَا عَلَى عَجَائِبَ خَلْقِهِ، كَمَا أَنَّهُمْ يُسَبِّحُونَ فِي كُلِّ هُبُوطٍ (رُعَاةٌ) : بِضَمِّ الرَّاءِ جَمْعُ رَاعٍ أَيْ أُمَّتُهُ مُرَاعُونَ (لِلشَّمْسِ) ، أَيْ لِطُلُوعِهَا وَاسْتِوَائِهَا وَغُرُوبِهَا مُحَافَظَةً لِأَوْقَاتِ الصَّلَاةِ وَأَدَاءِ أَوْرَادِ الْعِبَادَاتِ. وَقَدْ رَوَى الْحَاكِمُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى مَرْفُوعًا: " «إِنَّ خِيَارَ

<<  <  ج: ص:  >  >>