حَمَامٍ مَكْتُوبٌ فِي بَاطِنِهَا: اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَفِي ظَاهِرِهَا: تَوَجِّهْ حَيْثُ كُنْتَ فَإِنَّكَ مَنْصُورٌ. وَابْنٌ عَائِذٍ: كَانَ نُورًا يَتَلَأْلَأُ، وَابْنُ أَبِي عَاصِمٍ: كَالنُّقْطَةِ الَّتِي أَسْفَلَ مِنْقَارِ الْحَمَامَةِ، وَتَارِيخُ نَيْسَابُورَ: مِثْلَ الْبُنْدُقَةِ مِنْ لَحْمٍ مَكْتُوبٍ فِيهِ بِاللَّحْمِ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ. لَيْسَ هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي مِقْدَارِهِ حَقِيقِيًّا، بَلْ كُلٌّ شَبَّهَ بِمَا سَنَحَ لَهُ وَالْكُلُّ مُؤَدٍّ، وَالْمُرَادُ وَاحِدٌ وَهُوَ قِطْعَةُ لَحْمٍ، وَمَنْ قَالَ: شَعْرٌ ; فَلِأَنَّ الشَّعَرَاتِ حَوْلَهُ مُتَرَاكِبَةٌ عَلَيْهِ شَاخِصَةٌ فِي جَسَدِهِ، قَرِيبَةٌ مِنْ بَيْضَةِ الْحَمَامَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ جَمْعُ الْكَفِّ مَعْنَاهَا أَنَّهُ عَلَى هَيْئَتِهِ، لَكِنَّهُ أَصْغَرُ مِنْهُ، وَرِوَايَةُ: إِنَّهُ كَالْمِحْجَمِ أَوْ كَالشَّامَةِ السَّوْدَاءِ أَوِ الْخَضْرَاءِ مَكْتُوبٌ عَلَيْهِ مَا مَرَّ، لَمْ يَثْبُتْ مِنْهَا شَيْءٌ، وَغَلَطَ ابْنُ حِبَّانَ فِي تَصْحِيحِهِ ذَلِكَ، وَكَذَا مَنْ ذَكَرَ الْكِتَابَةَ هُنَا، فَإِنَّهُ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِخَاتَمِ يَدِهِ الَّذِي كَانَ يَخْتِمُ بِهِ اهـ.
وَفِيهِ أَنَّ الْحَمْلَ عَلَيْهِ بَعِيدٌ جِدًّا، وَالْأَقْرَبُ أَنْ يُقَالَ: الْكِتَابَةُ كَانَتْ مَعْنَوِيَّةً أَوْ صُورِيَّةً لَكِنَّهَا كَانَتْ تُدْرِكُهَا الْبَصِيرَةُ النَّوَوِيَّةُ. ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِوَقْتِ وَضْعِ الْخَاتَمِ، وَكَيْفَ وُضِعَ، وَمَنْ وَضَعَهُ فِي «حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ عِنْدَ الْبَزَّارِ وَغَيْرِهِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَيْفَ عَلِمْتَ أَنَّكَ نَبِيٌّ؟ وَبِمَ عَلِمْتَ حَتَّى اسْتَيْقَنْتَ؟ قَالَ: (" أَتَانِي آتِيَانِ ") وَفِي رِوَايَةٍ: (" مَلَكَانِ، وَأَنَا بِبَطْحَاءِ مَكَّةَ، فَوَقَعَ أَحَدُهُمَا بِالْأَرْضِ، وَكَانَ الْآخَرُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: أَهْوَ هُوَ؟ قَالَ: هُوَ هُوَ، قَالَ: فَمَرَّ بِهِ رَجَلٌ. الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: " ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: شُقَّ بَطْنَهُ. فَشَقَّ بَطْنِي، فَأَخْرَجَ قَلْبِي، فَأَخْرَجَ مِنْهُ مَغْمَزَ الشَّيْطَانِ وَعَلَقَ الدَّمِ فَطَرَحَهُمَا، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: اغْسِلْ بَطْنَهُ غُسْلَ الْإِنَاءِ، وَاغْسِلْ قَلْبَهُ غُسْلَ الْمِلَاءِ - أَيِ: الثَّوْبِ الَّذِي يَتَرَدَّى بِهِ - ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: خِطْ بَطْنَهُ. فَخَاطَ بَطْنِي، وَجَعَلَ الْخَاتَمَ بَيْنَ كَتِفِي كَمَا هُوَ الْآنَ، وَوَلَّيَا عَنِّي، وَكَأَنِّي أَرَى الْأَمْرَ مُعَايَنَةً» ". وَعِنْدَ أَحْمَدَ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ: (" «اسْتَخْرَجَا قَلْبِي فَشَقَّاهُ فَأَخْرَجَا مِنْهُ عَلَقَتَيْنِ سَوْدَاوَيْنِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: ائْتِنِي بِمَاءٍ وَثَلْجٍ، فَغَسَلَا بِهِ جَوْفِي، ثُمَّ قَالَ ائْتِنِي: بِمَاءٍ وَبَرَدٍ، فَغَسَلَا بِهِ قَلْبِي، ثُمَّ قَالَ: ائْتِنِي بِالسِّكِينَةِ، فَزَادَهَا فِي قَلْبِي، ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: خِطْهُ فَخَاطَهُ، وَخَتَمَ عَلَيْهِ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ» ") . وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ الْقَاضِي عِيَاضًا لَمْ يُعَلِّقْ فِي قَوْلِهِ: هَذَا الْخَاتَمُ هُوَ أَثَرُ شَقِّ الْمَلَكَيْنِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ; لِأَنَّ " بَيْنَ " ظَرْفٌ لِلْخَاتَمِ لَا لِلشَّقِّ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْخَاتَمَ بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ إِجْمَاعًا، وَأَنَّ الشَّقَّ لَمَّا وَقَعَ فِي صَدْرِهِ ثُمَّ خِيطَ حَتَّى الْتَأَمَ كَمَا كَانَ، وَوَقَعَ الْخَاتَمُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ كَانَ ذَلِكَ أَثَرَ الشَّقِّ. وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ: أَنَّهُ خُتِمَ بِهِ عِنْدَ وِلَادَتِهِ، وَقِيلَ: وُلِدَ بِهِ وَلَا مَنْعَ مِنَ التَّعَدُّدِ وَزِيَادَةِ أَثَرٍ مَا فِي كُلِّ مَرَّةٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute