للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عُلَمَائِنَا: خَبَرُ الْقُلَّتَيْنِ صَحِيحٌ، وَإِسْنَادُهُ ثَابِتٌ، وَإِنْ تَرَكْنَاهُ ; لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ مَا الْقُلَّتَانِ؛ وَلِأَنَّهُ رَوَى قُلَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا عَلَى الشَّكِّ. وَقَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ، وَمِمَّنْ ضَعَّفَهُ الْحَافِظُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَالْقَاضِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيُّونَ. اهـ.

وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْجَرْحَ مُقَدَّمٌ عَلَى التَّعْدِيلِ كَمَا فِي النُّخْبَةِ، فَلَا يَدْفَعُهُ تَصْحِيحُ بَعْضِ الْمُحَدِّثِينَ مِمَّنْ ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ وَغَيْرُهُ، وَسُئِلَ ابْنُ مَعِينٍ عَنْهُ قَالَ: هُوَ جَيِّدٌ، وَإِنْ لَمْ يَحْفَظْهُ ابْنُ عُلَيَّةَ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَمَا رُوِيَ مِنْ أَنَّ زِنْجِيًّا مَاتَ بِزَمْزَمَ فَنَزَحَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ، فَإِمَّا ضَعِيفٌ بَلْ بَاطِلٌ كَمَا بَيَّنَهُ النَّوَوِيُّ، وَإِمَّا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ دَمَهُ غَيَّرَ مَاءَهَا، أَوْ نَزَحَهَا اسْتِحْبَابًا؛ إِذِ الْمَشْهُورُ عَنْهُ أَنَّ الْمَاءَ قَلَّ أَوْ كَثُرَ لَا يَنْجُسُ إِلَّا بِالتَّغَيُّرِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَفِيهِ فُسْحَةٌ عَظِيمَةٌ لِلنَّاسِ مُخَالِفٌ لِمَفْهُومِ حَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ الْمَذْكُورِ كَمَا عَلِمْتَ. قَالَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ: وَأَمَّا فَتْوَى ابْنِ عَبَّاسٍ: فَرَوَاهَا الدَّارَقُطْنِيُّ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ زِنْجِيًّا وَقَعَ فِي زَمْزَمَ يَعْنِي مَاتَ، فَأَمَرَ بِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأُخْرِجَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُنْزَحَ، قَالَ: فَغَلَبَتْهُمْ عَيْنٌ جَاءَتْ مِنَ الرُّكْنِ قَالَ: فَأَمَرَ بِهَا فَسُدَّتْ بِالْقَبَاطِيِّ وَالْمَطَارِقِ حَتَّى نَزَحُوهَا، فَلَمَّا نَزَحُوهَا انْفَجَرَتْ عَلَيْهِمْ، فَهُوَ مُرْسَلٌ؛ لِأَنَّ ابْنَ سِيرِينَ لَمْ يَرَ ابْنَ عَبَّاسٍ. وَرَوَاهَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ عَطَاءٍ، وَهُوَ سَنَدٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهَا الطَّحَاوِيُّ، عَنْ صَالِحِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ، عَنْ عَطَاءٍ: أَنَّ حَبَشِيًّا وَقَعَ فِي زَمْزَمَ فَمَاتَ، فَأَمَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فَنُزِحَ مَاؤُهَا، فَجَعَلَ الْمَاءُ لَا يَنْقَطِعُ، فَنَظَرَ فَإِذَا عَيْنٌ تَجْرِي مِنْ قِبَلِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: حَسْبُكُمْ. وَهَذَا أَيْضًا صَحِيحٌ بِاعْتِرَافِ الشَّيْخِ بِهِ فِي الْإِمَامِ. وَمَا نُقِلَ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ: كُنْتُ أَنَا بِمَكَّةَ مُنْذُ سَبْعِ سِنِينَ لَمْ أَرَ صَغِيرًا وَلَا كَبِيرًا يَعْرِفُ حَدِيثَ الزِّنْجِيِّ الَّذِي قَالُوا: إِنَّهُ وَقَعَ فِي زَمْزَمَ، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ لَا يُعْرَفُ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَكَيْفَ يَرْوِي ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (" «الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» ") وَيَتْرُكُهُ. وَإِنْ كَانَ قَدْ فُعِلَ فَلِنَجَاسَةٍ ظَهَرَتْ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ، أَوْ لِلتَّنْظِيفِ فَدُفِعَ بِأَنَّ عَدَمَ عِلْمِهِمَا لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى، وَرِوَايَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ ذَلِكَ كَعِلْمِكَ أَنْتَ بِهِ فَكَمَا قُلْتَ يَتَنَجَّسُ مَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ لِدَلِيلٍ آخَرَ وَقَعَ عِنْدَكَ فَلَا تَسْتَبْعِدُ مِثْلَهُ مِنَ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالظَّاهِرُ مِنَ السَّوْقِ وَلَفْظِ الْقَائِلِ: مَاتَ فَأَمَرَ بِنَزْحِهَا أَنَّهُ لِلْمَوْتِ لَا لِنَجَاسَةٍ أُخْرَى عَلَى أَنَّ عِنْدَكَ أَيْضًا لَا تُنْزَحُ لِلنَّجَاسَةِ، ثُمَّ إِنَّهُمَا أَيِ ابْنَ عُيَيْنَةَ وَالشَّافِعِيَّ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ ذَلِكَ الْحَدِيثِ قَرِيبٌ مِنْ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةٍ، فَكَانَ إِخْبَارُ مَنْ أَدْرَكَ الْوَاقِعَةَ وَأَثْبَتَهَا أَوْلَى مِنْ عَدَمِ عِلْمِ غَيْرِهِ، وَقَوْلُ النَّوَوِيِّ: كَيْفَ يَصِلُ هَذَا الْخَبَرُ إِلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَيَجْهَلُهُ أَهْلُ مَكَّةَ؟ اسْتِبْعَادٌ بَعْدَ وُضُوحِ الطَّرِيقِ، وَمُعَارَضٌ بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ لِأَحْمَدَ: أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِالْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ مِنَّا، فَإِذَا كَانَ خَبَرٌ صَحِيحٌ فَأَعْلِمُونِي ; حَتَّى أَذْهَبُ إِلَيْهِ كُوفِيًّا كَانَ أَوْ بَصْرِيًّا أَوْ شَامِيًّا، فَهَلَّا قَالَ: كَيْفَ يَصِلُ هَذَا إِلَى أُولَئِكَ وَيَجْهَلُهُ أَهْلُ الْحَرَمَيْنِ؟ وَهَذَا لِأَنَّ الصَّحَابَةَ انْتَشَرَتْ فِي الْبِلَادِ خُصُوصًا الْعِرَاقِ. قَالَ الْعِجْلِيُّ فِي تَارِيخِهِ: نَزَلَ الْكُوفَةَ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَنَزَلَ قِرْقِيسَا سِتُّمِائَةٌ، وَقِرْقِيسَا بِالْكَسْرِ وَيُقْصَرُ: بَلَدٌ عَلَى الْفُرَاتِ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ.

(" لَمْ يَحْمِلِ الْخَبَثَ ") : قَالَ الْقَاضِي: الْحَدِيثُ بِمَنْطُوقِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ إِذَا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَنْجُسْ بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ، فَإِنَّ مَعْنَى لَمْ يَحْمِلْ يَقْبَلُ النَّجَاسَةَ، كَمَا يُقَالُ: فُلَانٌ لَا يَحْمِلُ ضَيْمًا إِذَا امْتَنَعَ عَنْ قَبُولِهِ، وَذَلِكَ إِذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ فَإِنْ تَغَيَّرَ نَجُسَ، وَيَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّهُ إِنْ كَانَ أَقَلَّ يَنْجُسُ بِالْمُلَاقَاةِ، وَهَذَا الْمَفْهُومُ يُخَصِّصُ حَدِيثَ: " «خُلِقَ الْمَاءُ طَهُورًا» " عِنْدَ مَنْ قَالَ بِالْمَفْهُومِ، وَمَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَجْرَاهُ عَلَى عُمُومِهِ كَمَالِكٍ، فَإِنَّ الْمَاءَ قَلَّ أَوْ كَثُرَ لَا يَنْجُسُ عِنْدَهُ إِلَّا بِالتَّغَيُّرِ، وَقِيلَ:

لَمْ يَحْمِلْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لِضَعْفِهِ لَمْ يَحْمِلْهُ أَوْ لِقُوَّتِهِ لَمْ يَقْبَلْهُ، وَبِالرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ يَتَرَجَّحُ الثَّانِي.

قُلْتُ: التَّرَجُّحُ يَتَوَقَّفُ عَلَى أَنْ لَا تَكُونَ الرِّوَايَةُ بِالْمَعْنَى، وَحَمْلُ الرِّوَايَةِ الشَّاذَّةِ عَلَى الْمَعْنَى أَوْلَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَيُحْتَمَلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>