للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَيْ: أَلَا يَا دَارَ مَيَّ اسْلَمِي فَحَسُنَ حَذْفُ الْمُنَادَى جَعَلَهَا اعْتِمَادًا عَلَى ثُبُوتِهِ، بِخِلَافِ لَيْتَ، فَإِنَّ الْعَرَبَ لَمْ تَسْتَعْمِلْهُ ثَابِتًا فَادِّعَاءُ حَذْفِهِ بَاطِلٌ، فَتَعَيَّنَ كَوْنُ يَا هَذِهِ لِمُجَرَّدِ التَّنْبِيهِ مِثْلَ أَلَا فِي نَحْوِ:

أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً

قُلْتُ: لَعَلَّ وَجْهَ حَذْفِ الْمُنَادَى مَعَ لَيْتَ كَثْرَةُ اسْتِعْمَالِهِ، فَتَارَةً يَكُونُ مُفْرَدًا مُذَكَّرًا أَوْ مُؤَنَّثًا، وَتَارَةً تَثْنِيَةً أَوْ جَمْعًا كَذَلِكَ، وَتَارَةً يَكُونُ مُحَقَّقًا وَأُخْرَى يَكُونُ مَوْهُومًا، وَلَا شَكَّ أَنَّ كَثْرَةَ الِاسْتِعْمَالِ مُوجِبَةٌ لِلْحَذْفِ وَالتَّخْفِيفِ، حَتَّى رُبَّمَا تَجْعَلُ الْحَذْفَ وَاجِبًا، فَادِّعَاءُ حَذْفِهِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ حَقٌّ، بَلْ وَاجِبٌ لَا بَاطِلٌ وَذَاهِبٌ، ثُمَّ رَأَيْتُ فِي الْقَامُوسِ ذِكْرَ جَوَازِ الْوَجْهَيْنِ، وَقَدَّمَ مَا قَدَّمْنَاهُ حَيْثُ قَالَ: وَإِذَا وَلِيَ يَا مَا لَيْسَ بِمُنَادَى كَالْفِعْلِ فِي: أَلَا يَا اسْجُدُوا، وَالْحَرْفِ فِي نَحْوِ: {يَالَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ} [النساء: ٧٣] ، «وَيَا رُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٌ فِي الْعُقْبَى» ، وَالْجُمْلَةُ الِاسْمِيَّةُ نَحْوَ:

يَا لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْأَقْوَامِ كُلِّهِمُ ... وَالصَّالِحِينَ عَلَى سَمْعَانَ مِنْ جَارِ

فَهِيَ لِلنِّدَاءِ وَالْمُنَادَى مَحْذُوفٌ أَوْ لِمُجَرَّدِ التَّنْبِيهِ لِئَلَّا يَلْزَمَ الْإِجْحَافُ بِحَذْفِ الْجُمْلَةِ كُلِّهَا اهـ. وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي، وَفِيهِ بَحْثٌ لَا يَخْفَى وَاللَّهُ تَعَالَى يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى. (لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ أَكُنْ قَوِيًّا (إِذْ يُخْرِجُكَ) : إِذْ هُنَا لِلِاسْتِقْبَالِ كَإِذَا، وَالْمَعْنَى حِينَ يَتَسَبَّبُ لِخُرُوجِكَ مِنْ بَلَدِكَ (قَوْمُكَ) أَيْ: أَقَارِبُكَ مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ) ؟ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ الْمَفْتُوحَةِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا كَقَوْلِهِ: مُصْرِخِيَّ وَهُوَ خَبَرٌ لِقَوْلِهِ: هُمْ، وَأَصْلُهُ مُخْرِجُونَ أُضِيفَ إِلَى يَاءِ الْإِضَافَةِ بِكَسْرِ الْجِيمِ لِلْمُنَاسَبَةِ، فَإِعْرَابُهُ تَقْدِيرِيٌّ كَمُسْلِمِيَّ، وَالْجُمْلَةُ عَطْفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ، وَالِاسْتِفْهَامُ لِلِاسْتِعْلَامِ عَلَى وَجْهِ التَّعَجُّبِ مِنْ هَذَا الْإِقْدَامِ لِتَأْكِيدِ الْمَرَامِ أَيْ: أَيَكُونُ مَا قُلْتَ وَهُوَ مُخْرِجِيَّ؟ (فَقَالَ: نَعَمْ) . أَيْ: يُخْرِجُونَكَ وَسَبَبُهُ (أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ) أَيْ: مِنَ الرِّسَالَةِ (إِلَّا عُودِيَ) : مَاضٍ مَجْهُولٌ مِنَ الْمُعَادَاةِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مُفْرَغٌ مِنْ أَعَمِّ عَامِّ الْأَحْوَالِ (وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ) : شَرْطٌ جَزَاؤُهُ (أَنْصُرُكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا) . بِتَشْدِيدِ الزَّايِ الْمَفْتُوحَةِ. قَالَ الْقَاضِي: يُرِيدُ بِالْيَوْمِ الزَّمَانَ الَّذِي أَظْهَرَ فِيهِ الدَّعْوَةَ، أَوْ عَادَاهُ قَوْمُهُ فِيهِ، وَقَصَدُوا إِيذَاءَهُ، وَإِخْرَاجَهُ، وَالْمُؤَزَّرُ الْبَالِغُ فِي الْقُوَّةِ مِنَ الْأَزْرِ، وَهُوَ الْقُوَّةُ. قُلْتُ: وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي} [طه: ٣١] . (ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ) : بِسُكُونِ النُّونِ وَفَتَحِ الشِّينِ أَيْ: لَمْ يَلْبَثْ وَلَمْ يَبْرَحْ، وَحَقِيقَتُهُ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِشَيْءٍ، لَمْ يَشْتَغِلْ بِغَيْرِ مَا هُوَ عَلَيْهِ، فَكَنَّى بِهِ عَنْ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ: (أَنْ تُوُفِّيَ) ، نُصِبَ عَلَى التَّمْيِيزِ أَيْ: مِنْ جِهَةِ الْوَفَاةِ أَيْ: لَمْ تَلْبَثْ وَفَاتُهُ بِأَنْ جَاءَتْ سَرِيعًا. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ وَرَقَةَ أَيْ: لَمْ يَلْبَثْ وَفَاتُهُ (وَفَتَرَ الْوَحْيُ) أَيِ: انْقَطَعَ أَيَّامًا كَمَا سَيَأْتِي فِي الْحَدِيثِ الْآتِي. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>