٥٨٤٦ - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: ٢١٤] خَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى صَعِدَ الصَّفَا، فَجَعَلَ يُنَادِي: (يَا بَنِي فِهْرٍ يَا بَنِي عَدِيٍّ) لِبُطُونِ قُرَيْشٍ حَتَّى تَجَمَّعُوا، فَجَعَلَ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ أَرْسَلَ رَسُولًا لِيَنْظُرَ مَا هُوَ، فَجَاءَ أَبُو لَهَبٍ وَقُرَيْشٌ فَقَالَ: (أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا تَخْرُجُ مِنْ صَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ - وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّ خَيْلًا تَخْرُجُ بِالْوَادِي تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ - أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟) قَالُوا: نَعَمْ، مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلَّا صِدْقًا. قَالَ: (فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ) . قَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ، لِهَذَا جَمَعْتَنَا؟ فَنَزَلَتْ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد: ١] . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
٥٨٤٦ - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ} [الشعراء: ٢١٤] أَيْ: قَوْمَكَ " الْأَقْرَبِينَ خَرَجَ النَّبِيُّ: وَفِي نُسْخَةٍ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى صَعِدَ: بِكَسْرِ الْعَيْنِ أَيْ طَلَعَ (الصَّفَا، فَجَعَلَ يُنَادِي) أَيْ: يَقُولُ بِأَعْلَى صَوْتٍ (يَا بَنِي فِهْرٍ) : بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ (يَا بَنِي عَدِيٍّ) أَيْ: وَأَمْثَالَ ذَلِكَ (لِبُطُونِ قُرَيْشٍ) : وَتَقَدَّمَ تَحْقِيقُهُ وَتَفْصِيلُهُ (حَتَّى اجْتَمَعُوا) ، أَيْ: حَضَرَ جَمْعٌ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ (فَجَعَلَ الرَّجُلُ أَيْ: مِنْ مَشَايِخِهِمْ وَأَكَابِرِهِمْ (إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ) أَيْ: لِعُذْرٍ (أَرْسَلَ رَسُولًا لِيَنْظُرَ مَا هِيَ، أَيْ: مِنَ الْخَبَرِ (فَجَاءَ أَبُو لَهَبٍ وَقُرَيْشٌ أَيْ: عَامَّتُهُمْ (فَقَالَ) أَيِ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أَرَأَيْتُمْ) أَيْ: أَخْبِرُونِي وَصَدِّقُونِي (إِنْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا) : يَعْنِي فُرْسَانًا (تَخْرُجُ) أَيْ: تَظْهَرُ (مِنْ صَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ) أَيْ: نَاحِيَتِهِ أَوْ سَفْحِهِ فَفِي الْقَامُوسِ: إِنَّ الصَّفْحَ الْجَانِبُ، وَمِنَ الْخَيْلِ مُضْطَجَعُهُ وَالسَّفْحُ عَرْضُ الْجَبَلِ الْمُضْطَجَعُ أَوْ أَصْلُهُ أَوْ أَسْفَلُهُ. (وَفِي رِوَايَةٍ: (إِنَّ خَيْلًا تَخْرُجُ بِالْوَادِي) : اللَّامُ فِيهِ لِلْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ الْوَادِي الْمَشْهُورُ بِوَادِي فَاطِمَةَ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ (تُرِيدُ) أَيِ: الْخَيْلُ، وَالْمُرَادُ أَصْحَابُهَا وَرُكَّابُهَا (أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ) أَيْ: تَأْتِيَكُمْ بَغْتَةً لِلْإِغَارَةِ عَلَيْكُمْ لَيْلًا أَوْ صَبَاحًا (أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟) قَالُوا: نَعَمْ) أَيْ: نُصَدِّقُكَ لِأَنَّكَ مُحَمَّدٌ الْأَمِينُ (مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلَّا صِدْقًا) . قَالَ الطِّيبِيُّ: ضَمَّنَ جَرَّبَ مَعْنَى أَلْقَى أَيْ: مَا أَلْقَيْنَا عَلَيْكَ شَيْئًا مِنَ الْأَخْبَارِ مُجَرِّبِينَ إِيَّاكَ إِلَّا وَجَدْنَاكَ فِيهِ صَادِقًا. (قَالَ: فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ) أَيْ: مُنْذِرٌ وَمُخَوِّفٌ (بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ) . أَيْ: قُدَّامَهُ، وَهُوَ فِي الدُّنْيَا أَوْ فِي الْآخِرَةِ (قَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا) : بِتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ: خُسْرَانًا وَهَلَاكًا (لَكَ، أَلِهَذَا) أَيْ: لِهَذَا الْأَمْرِ الَّذِي ذَكَرْتَهُ (جَمَعْتَنَا؟ فَنَزَلَتْ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد: ١] : بِفَتْحِ الْهَاءِ وَيُسْكَنُ أَيْ خَسِرَ وَهَلَكَ هُوَ، وَالْيَدُ مُقْحَمَةٌ أَوْ عِبَارَةٌ عَنْ نَفْسِهِ، لِأَنَّ أَكْثَرَ مُزَاوَلَتِهَا وَمُعَالَجَتِهَا بِهِمَا، وَنَحْوُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ} [الحج: ١٠] فَقَوْلُهُ (وَتَبَّ) تَأْكِيدٌ، وَالْأَوَّلُ فِي الدُّنْيَا وَالثَّانِي فِي الْأُخْرَى، فَالْمَعْنَى خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ، أَوِ الْأَوَّلُ دُعَاءٌ وَالثَّانِي إِخْبَارٌ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute