للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[٥] بَابُ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

٥٨٥٢ - عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَاهُ جِبْرِيلُ وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَأَخَذَهُ، فَصَرَعَهُ، فَشَقَّ عَنْ قَلْبِهِ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ عَلَقَةً فَيُقَالُ: هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ، ثُمَّ غَسَلَهُ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ لَأَمَهُ وَأَعَادَهُ فِي مَكَانِهِ وَجَاءَ الْغِلْمَانُ يَسْعَوْنَ إِلَى أُمِّهِ، يَعْنِي ظِئْرَهُ فَقَالُوا: إِنْ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ، فَاسْتَقْبَلُوهُ وَهُوَ مُنْتَقَعُ اللَّوْنِ قَالَ أَنَسٌ: فَكُنْتُ أَرَى أَثَرَ الْمِخْيَطِ فِي صَدْرِهِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

[٥]-

بَابُ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

٥٨٥٢ - ( «عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَاهُ جِبْرِيلُ وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ» ) . بِكَسْرِ الْغَيْنِ أَيِ: الصِّبْيَانِ (فَأَخَذَهُ، فَصَرَعَهُ) أَيْ: فَطَرَحَهُ وَأَلْقَاهُ عَلَى قَفَاهُ (فَشَقَّ عَنْ قَلْبِهِ) ، أَيْ: عَنْ جَانِبِ قَلْبِهِ وَشَقَّهُ (فَاسْتَخْرَجَ) : وَفِي جَامِعِ الْأُصُولِ: وَاسْتَخْرَجَهُ فَاسْتَخْرَجَ (مِنْهُ عَلَقَةً) : بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ: دَمًا غَلِيظًا، وَهُوَ أُمُّ الْمَفَاسِدِ وَالْمَعَاصِي فِي الْقَلْبِ (فَقَالَ: هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ) ، أَيْ: نَصِيبُهُ لَوْ دَامَ مَعَكَ (ثُمَّ غَسَلَهُ) أَيْ: قَلْبَهُ أَوْ جَوْفَهُ أَوْ مَحَلَّ شَقِّهِ (فِي طَسْتٍ) : بِفَتْحِ الطَّاءِ وَيُكْسَرُ وَبِسِينٍ مُهْمَلَةٍ وِتَاؤُهُ بَدَلٌ مِنَ السِّينِ الْأَخِيرَةِ قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ، فِي شَرْحِ الْمَشَارِقِ: الطَّسْتُ بِفَتْحِ الطَّاءِ وَفِيهَا لُغَاتٌ: طَسٌّ وَطِسٌّ وَطَسْتٌ وَطِسْتٌ وَطَسَّةٌ وَطِسَّةٌ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ فِي جَمِيعِهَا وَقَوْلُهُ: (مِنْ ذَهَبٍ) : لَعَلَّهُ اخْتِيرَ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الذَّهَابِ، وَلَا يُنَافِيهِ حُرْمَةُ اسْتِعْمَالِهِ فِي الشَّرِيعَةِ الْمُطَهَّرَةِ، (مَا لِكَوْنِ الْمَلَائِكَةِ غَيْرَ مُكَلَّفِينَ بِأَفْعَالِنَا، أَوْ لِوُقُوعِهِ قَبْلَ تَقْرِيرِ الْأَحْكَامِ (بِمَاءِ زَمْزَمَ) ، اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ مِيَاهِ الْعَالَمِ حَتَّى مَاءِ الْكَوْثَرِ، لَكِنَّ الْمَاءَ الَّذِي نَبَعَ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا شَكَّ أَنَّهُ أَفْضَلُ الْمِيَاهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، لِكَوْنِهِ مِنْ أَثَرِ يَدِهِ الشَّرِيفَةِ، وَمَاءُ زَمْزَمَ مِنْ أَثَرِ قَدَمِ إِسْمَاعِيلَ الْمُنِيفَةِ، وَبَوْنٌ بَيِّنٌ بَيْنَهُمَا، وَلِأَنَّ الْإِعْجَازَ الْكَائِنَ فِي يَدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْلَغُ، نَعَمْ قَدْ يُقَالُ: مَاءُ فَمِهِ الْمُبَارَكِ أَكْمَلُ مِنَ الْكُلِّ، وَلَوْ مُزِجَ بِمَاءِ غَيْرِهِ، وَلَعَلَّ ابْنَ الْعَارِفِ بْنِ الْفَارِضِ أَشَارَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ:

عَلَيْكَ بِهَا صِرْفًا وَإِنْ شِئْتَ مَزْجَهَا فَعَدْلُكَ عَنْ ظُلْمِ الْحَبِيبِ هُوَ الظُّلْمُ (ثُمَّ لَأَمَهُ) : بِلَامٍ فَهَمْزٍ أَيْ: أَصْلَحَ مَوْضِعَ شَقِّهِ (وَأَعَادَهُ) أَيِ: الْقَلْبَ الْمُخْرَجَ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ الْجَامِعِ السَّابِقَةُ (فِي مَكَانِهِ) : وَالْوَاوُ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ، فَلَا يُنَافِيهِ أَنَّ الِالْتِئَامَ بَعْدَ الْإِعَادَةِ. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: يَقُولُ لَأَمْتُ الْجُرْحَ وَالصَّدْعَ إِذَا شَدَدْتَهُ فَالْتَأَمَ، يُرِيدُ أَنَّهُ سَوَّاهُ وَأَصْلَحَهُ، (وَجَاءَ الْغِلْمَانُ) أَيِ: الَّذِينَ كَانُوا يَلْعَبُونَ مَعَهُ فِي الصَّحْرَاءِ (يَسْعَوْنَ) أَيْ: يُسْرِعُونَ (إِلَى أُمِّهِ) أَيِ: الرَّضَاعِيَّةِ (يَعْنِي أَيْ: يُرِيدُ أَنَسٌ بِأُمِّهِ (ظِئْرَهُ) أَيْ: مُرْضِعَتَهُ حَلِيمَةَ (فَقَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ) ، لِأَنَّ تَصَوُّرَ حَيَاتِهِ بَعْدَ شَقِّ الْبَطْنِ وَمُعَالَجَاتِهِ مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَةِ وَعَلَامَةِ النُّبُوَّةِ، (فَاسْتَقْبَلُوهُ) أَيْ: تَوَجَّهَ جَمْعٌ مِنْ قَوْمِهَا إِلَيْهِ فَرَأَوْهُ (وَهُوَ مُنْتَقَعُ اللَّوْنِ) . بِفَتْحِ الْقَافِ أَيْ: مُتَغَيِّرُهُ فَفِي الْقَامُوسِ انْتُقِعَ لَوْنُهُ مَجْهُولًا إِذَا تَغَيَّرَ وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: يُقَالُ انْتُقِعَ لَوْنُهُ إِذَا تَغَيَّرَ مِنْ حُزْنٍ أَوْ فَزَعٍ، وَكَذَلِكَ امْتُقِعَ بِالْمِيمِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ وَأَمْثَالُهُ مِمَّا يَجِبُ فِيهِ التَّسْلِيمُ، وَلَا يُتَعَرَّضُ لَهُ بِتَأْوِيلٍ مِنْ طَرِيقِ الْمَجَازِ، إِذْ لَا ضَرُورَةَ فِي ذَلِكَ، إِذْ هُوَ خَبَرٌ صَادِقٌ مَصْدُوقٌ عَنْ قُدْرَةِ الْقَادِرِ اهـ. وَزُبْدَةُ مَا قِيلَ فِيهِ صَارَ بِهَذَا مُقَدَّسَ الْقَلْبِ مُنَوَّرَهُ، لِيَسْتَعِدَّ لِقَبُولِ الْوَحْيِ، وَلَا يَتَطَرَّقَ إِلَيْهِ هَوَاجِسُ النَّفْسِ، وَيَقْطَعَ طَمَعَ الشَّيْطَانَ عَنْ إِغْفَالِهِ، كَمَا يُشِيرُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ: هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ.

(قَالَ أَنَسٌ: فَكُنْتُ أَرَى أَثَرَ الْمِخْيَطِ) : بِكَسْرِ الْمِيمِ أَيِ: الْإِبْرَةِ (فِي صَدْرِهِ) . وَلَعَلَّ مُرَادَهُ كَذَا أَنَّ أَمْرَ الشَّقِّ كَانَ حِسِّيًّا لَا مَعْنَوِيًّا، وَاخْتُلِفَ هَلْ كَانَ شَقُّ الصَّدْرِ وَغَسْلُهُ مُخْتَصًّا بِهِ، أَوْ وَقَعَ لِغَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ أَيْضًا، وَقَدْ وَقَعَ الشَّقُّ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِرَارًا، فَعِنْدَ حَلِيمَةَ، وَهُوَ ابْنُ عَشْرٍ، ثُمَّ عِنْدَ مُنَاجَاةِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَهُ بِغَارِ حِرَاءٍ، ثُمَّ فِي الْمِعْرَاجِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) . وَكَذَا النَّسَائِيُّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>