للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْقَدِيمُ بِظَهْرِ الْكُوفَةِ وَمَحَلَّةٌ مَعْرُوفَةٌ بِنَيْسَابُورَ عَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْعَرَبِ، وَلِذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ شَارِحٌ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي أَغْرَبَ أَوْ أَعْذَبَ. قِيلَ: وَأَجَابَ عَدِيٌّ مَا رَأَيْتُهَا، لَكِنْ أُنْبِئْتُ عَنْهَا، أَقُولُ: وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ رَأَيْتُ بِمَعْنَى عَلِمْتُ، وَأَنْ لَا يَتَوَقَّفَ الْكَلَامُ عَلَى جَوَابِهِ حَيْثُ قَالَ: " (فَإِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ فَلَتَرَيَنَّ) : بِفَتَحَاتٍ مُتَوَالِيَاتٍ أَيْ: فَلَتُبْصِرَنَّ (الظَّعِينَةَ) أَيِ: الْمَرْأَةَ الْمُسَافِرَةَ، وَقِيلَ لَهَا ذَلِكَ لِأَنَّهَا تَظْعَنُ مَعَ الزَّوْجِ حَيْثُمَا ظَعَنَ، أَوْ أَنَّهَا تُحْمَلُ عَلَى الرَّاحِلَةِ إِذَا ظَعَنَتْ، وَقِيلَ: الظَّعِينَةُ الْمَرْأَةُ فِي الْهَوْدَجِ، ثُمَّ قِيلَ لِلْهَوْدَجِ بِلَا امْرَأَةٍ وَلِلْمَرْأَةِ بِلَا هَوْدَجٍ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ. وَقَالَ شَارِحٌ: الظَّعِينَةُ الْمَرْأَةُ مَا دَامَتْ فِي الْهَوْدَجِ، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ فِيهِ فَلَيْسَتْ بِظَعِينَةٍ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْمَرْأَةُ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي الْهَوْدَجِ أَوْ لَا. أَقُولُ: كَوْنُهَا فِي الْهَوْدَجِ أَبْلَغُ فِي الْمَعْنَى الْمُرَادِ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (تَرْتَحِلُ مِنَ الْحِيرَةِ) أَيْ: وَحْدَهَا (حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لَا تَخَافُ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ) : رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ عَدِيٌّ قُلْتُ فِي نَفْسِي: فَأَيْنَ رُعَاةُ طَيِّئٍ؟ (وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتُفْتَحَنَّ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ الْفَتْحِ، وَفِي نُسْخَةٍ مِنْ بَابِ الِافْتِعَالِ يُقَالُ: افْتَتَحْتَ وَاسْتَفْتَحْتَ طَلَبْتَ الْفَتْحَ، وَالْمَعْنَى لَتُؤْخَذَنَّ (كُنُوزُ كِسْرَى) أَيْ: عَلَى وَجْهِ الْغَنِيمَةِ. قَالَ عَدِيٌّ: كِسْرَى بْنُ هُرْمُزَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كِسْرَى بْنُ هُرْمُزَ، وَفِي الْقَامُوسِ: كِسْرَى وَيُفْتَحُ مَلِكٌ مُعَرَّبُ خِسْرُو، أَيْ: وَاسِعُ الْمُلْكِ. (وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الرَّجُلَ يَخْرُجُ مِلْءَ كَفِّهِ) أَيْ: مَثَلًا (مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ) أَيْ: مِنْ نَوْعَيِ النَّقْدَيْنِ، يَعْنِي تَارَةً مِنْ هَذَا وَمَرَّةً مِنْ هَذَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ (أَوْ) بِمَعْنَى الْوَاوِ أَوْ لِلشَّكِّ (يَطْلُبُ مَنْ يَقْبَلُهُ) أَيْ: وَاحِدًا مِنْهُمَا أَوْ مَا ذَكَرَ (فَلَا يَجِدُ أَحَدًا يَقْبَلُهُ مِنْهُ) ، أَيْ: لِعَدَمِ الْفُقَرَاءِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، أَوْ لِاسْتِغْنَاءِ قُلُوبِهِمْ وَالِاكْتِفَاءِ بِمَا عِنْدَهُمْ وَالْقَنَاعَةِ بِمَا فِي أَيْدِيهِمْ، فَقِيلَ: إِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ بَعْدَ نُزُولِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إِشَارَةً إِلَى مَا وَقَعَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِمَّا يُصَدِّقُ الْحَدِيثَ، وَبِذَلِكَ جَزَمَ الْبَيْهَقِيُّ. قِيلَ: وَلَا شَكَّ فِي رُجْحَانِ هَذَا الِاحْتِمَالِ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ: (وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ) قُلْتُ: لَا شَكَّ فِي رُجْحَانِ الْأَوَّلِ لِقَوْلِ عَدِيٍّ الْآتِي: وَلَئِنْ طَالَتْ بِكُمْ حَيَاةٌ لَتَرَوْنَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَضِيَّةَ الشَّرْطِيَّةِ لَا تَسْتَلْزِمُ الْوُقُوعَ. (وَلَيَلْقَيَنَّ) : عَطْفٌ عَلَى صَدْرِ الْحَدِيثِ وَقَوْلُهُ: (اللَّهَ) : مَفْعُولٌ مُقَدَّمٌ قُدِّمَ لِلِاهْتِمَامِ وَتَعْظِيمِ الْمَقَامِ وَفَاعِلُهُ (أَحَدُهُمْ) : وَظَرْفُهُ قَوْلُهُ (يَوْمَ يَلْقَاهُ) : وَهُوَ يَحْتَمِلُ إِعْرَابَيْنِ كَمَا لَا يَخْفَى فِي الضَّمِيرَيْنِ، وَكَذَا الْحَالُ فِي قَوْلِهِ: (وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ) . بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ الْجِيمِ وَيُضَمَّانِ وَيُفْتَحَانِ كَمَا فِي نُسْخَتَيْنِ أَيْ: مُتَرْجِمٌ يُتَرْجِمُ لَهُ، يَعْنِي بَلْ يَكُونُ التَّلَقِّي وَالْكَلَامُ بِلَا وَاسِطَةٍ. قَالَ صَاحِبُ الْمَشَارِقِ هُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّ الْجِيمِ وَضَبَطَهُ الْأَصِيلِيُّ بِضَمِّهِمَا اهـ.

وَفِي النِّهَايَةِ: التَّرْجُمَانُ بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ الَّذِي يُتَرْجِمُ الْكَلَامَ أَيْ: يَنْقُلُهُ مِنْ لُغَةٍ إِلَى أُخْرَى، وَالتَّاءُ وَالنُّونُ زَائِدَتَانِ. وَفِي الْقَامُوسِ: التَّرْجُمَانُ كَعُنْفُوَانٍ وَزَعْفَرَانٍ وَرَيْهُقَانٍ الْمُفَسِّرُ لِلِّسَانِ، وَقَدْ تَرْجَمَهُ وَعَنْهُ، وَالْفِعْلُ يَدُلُّ عَلَى أَصْلِهِ التَّاءُ، وَفِي الْمَفَاتِيحِ هُوَ عَلَى وَزْنِ زَعْفَرَانٍ، وَيَجُوزُ بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّ الْجِيمِ وَبِضَمِّهِمَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (فَلَيَقُولَنَّ) أَيِ: اللَّهُ سُبْحَانَهُ (أَلَمْ أَبْعَثْ إِلَيْكَ رَسُولًا فَيُبَلِّغُكَ) ؟ بِالنَّصْبِ مُشَدَّدًا وَيُخَفَّفُ (فَيَقُولُ: بَلَى، فَيَقُولُ: أَلَمْ أُعْطِكَ مَالًا وَأُفْضِلْ) ؟ بِالْجَزْمِ مِنَ الْإِفْضَالِ أَيْ: أَلَمْ أُحْسِنْ إِلَيْكَ، وَأَلَمْ أُنْعِمْ عَلَيْكَ؟ وَالِاسْتِفْهَامُ لِلتَّقْرِيرِ يَعْنِي أَعْطَيْتُكَ الْمَالَ وَأَنْعَمْتُ عَلَيْكَ بِالْكَمَالِ، وَمَكَّنْتُكَ مِنْ إِنْفَاقِهِ وَالِاسْتِمْتَاعِ مِنْهُ، وَالصَّرْفِ عَلَى أَهْلِ اسْتِحْقَاقِهِ؟ (فَيَقُولُ: بَلَى، فَيَنْظُرُ عَنْ يَمِينِهِ فَلَا يَرَى إِلَّا جَهَنَّمَ) ، لِتَرْكِهِ الطَّاعَاتِ (وَيَنْظُرُ عَنْ يَسَارِهِ فَلَا يَرَى إِلَّا جَهَنَّمَ) ، لِارْتِكَابِهِ السَّيِّئَاتِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا كِنَايَتَانِ عَنِ الْإِحَاطَةِ، وَأَنَّ الْخَلَاصَ مِنْهَا لَيْسَ إِلَّا بِالْمُرُورِ عَلَيْهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا - ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا} [مريم: ٧١ - ٧٢] أَيْ: بِالْإِيمَانِ وَالْإِحْسَانِ، وَلِذَا قَالَ: ( «اتَّقُوا النَّارَ بِشِقِّ تَمْرَةٍ» ) ، أَيْ: بِنِصْفِهَا أَوْ بِبَعْضِهَا (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ) أَيْ: مِنَ الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ، وَهِيَ أَنْوَاعُ الْأَذْكَارِ وَالدَّعَوَاتِ أَوْ بِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ لِلسَّائِلِ بِقَرِينَةِ مَا قَبْلَهُ، وَهُوَ الْوَعْدُ عَلَى قَصْدِ الْوَفَاءِ، أَوِ الدُّعَاءُ مَعَ حُسْنِ الرَّجَاءِ، وَهَذَا الَّذِي سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلًا مَعْرُوفًا وَقَوْلًا مَيْسُورًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>