للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ: (نَاعُوسَ الْبَحْرِ) ضَبَطَاهُ بِوَجْهَيْنِ أَشْهَرُهُمَا بِالنُّونِ وَالسِّينِ، وَهَذَا هُوَ الْمَوْجُودُ فِي نُسَخِ بِلَادِنَا، وَالثَّانِي قَامُوسُ الْبَحْرِ بِالْقَافِ وَالْمِيمِ، وَهَذَا الثَّالِثُ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ فِي غَيْرِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ. قُلْتُ هَذَا مَا يُنَافِي قَوْلَ الشَّيْخِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُنْكِرْ وُجُوهَ النَّقْلِ وَالرِّوَايَةِ، بَلْ يَطْعَنُ فِيهِ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ وَالدِّرَايَةُ. قَالَ: وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: رَوَى بَعْضُهُمْ (نَاعُوسَ) بِالنُّونِ وَالْعَيْنِ. وَقَالَ شَيْخُنَا أَبُو الْحُسَيْنِ: نَاعُوسُ الْبَحْرِ بِمَعْنَى قَامُوسِهِ. قُلْتُ: وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْقَامُوسَ هُوَ الْأَشْهَرُ وَالْأَكْثَرُ، وَإِنَّمَا جَاءَ النَّاعُوسُ فِي رِوَايَةٍ، وَهُوَ لِكَوْنِهِ لَا يَسْتَقِيمُ فِي الْمَعْنَى حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ بِمَعْنَى الْقَامُوسِ، وَإِنْ لَمْ يُسْمَعْ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ. قَالَ: وَفِي النِّهَايَةِ قَالَ أَبُو مُوسَى: (نَاعُوسَ الْبَحْرِ) كَذَا وَقَعَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَفِي سَائِرِ الرِّوَايَاتِ (قَامُوسَ الْبَحْرِ) ، وَهُوَ وَسَطُهُ وَلُجَّتُهُ، وَلَعَلَّهُ لَمْ يُجَوِّدْ كَيْفِيَّتَهُ، فَصَحَّفَهُ بَعْضُهُمْ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ أَصْلًا فِي مُسْنَدِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ الَّذِي رَوَى عَنْهُ مُسْلِمٌ هَذَا الْحَدِيثَ، غَيْرَ أَنَّهُ قَرَنَهُ بِأَبِي مُوسَى وَرِوَايَتِهِ، فَلَعَلَّهَا فِيهَا قَالَ: وَإِنَّمَا أَوْرَدَ نَحْوَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا طَلَبَهُ وَلَمْ يَجِدْهُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ فَتَحَيَّرَ، فَإِذَا نَظَرَ فِي كِتَابِنَا عَرَفَ أَصْلَهُ وَمَعْنَاهُ قُلْتُ: وَهَذَا كُلُّهُ يُؤَيِّدُ الشَّيْخَ فِيمَا قَرَّرَهُ، وَيُؤَكِّدُ مَا حَرَّرَهُ مِنْ جِهَةِ عَدَمِ صِحَّةِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنَ الرِّوَايَةِ.

قَالَ الطِّيبِيُّ: وَأَمَّا دِرَايَةٌ فَقَالَ الْقَاضِي نَاصِرُ الدِّينِ: نَاعُوسُ الْبَحْرِ مُعْظَمُهُ، وَتَحْتُهُ الَّذِي يُغَاصُ فِيهَا لِإِخْرَاجٍ اللَّآلِئِ، مِنْ نَعَسَ إِذَا نَامَ لِأَنَّ الْمَاءَ مِنْ كَثْرَتِهِ لَا تَظْهَرُ حَرَكَتُهُ، فَكَأَنَّهُ نَائِمٌ. قُلْتُ: ثَبَتَ الْعَرْشُ ثُمَّ انْقَشَّ الْفَرْشُ، فَإِنَّ تَحْقِيقَ الرِّوَايَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى تَدْقِيقِ الدِّرَايَةِ، مَعَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيَّ، بَلْ تَكَلُّفٌ وَتَعَسُّفٌ فِي تَصْحِيحِهِ بِالْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ، فَأَنَّى يُقَاوِمُ قَوْلَ الشَّيْخِ، وَهَذَا مِنَ الْأَلْفَاظِ الَّتِي لَمْ تُسْمَعْ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ، وَأَغْرَبَ الطِّيبِيُّ حَيْثُ قَالَ: وَمِنَ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ النَّاعُوسُ حَقِيقَةً فِي الْقَامُوسِ، وَكَانَتْ لُغَةً عَرَبِيَّةً خَفِيَ مَكَانُهَا فَلَمْ تُنْقَلْ نَقْلًا فَاشِيًا اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إِنْ فَتَحْنَا بَابَ الْإِمْكَانِ انْسَدَّ طَرِيقُ التَّحْقِيقِ فِي مَكَانٍ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.

(وَذَكَرَ حَدِيثَا أَبِي هُرَيْرَةَ وَجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ) : بِإِضَافَةِ الْحَدِيثَيْنِ إِلَى الرِّوَايَتَيْنِ لَفًّا وَنَشْرًا مُرَتَّبًا، وَالتَّقْدِيرُ أَحَدُهُمَا (يَهْلِكُ كِسْرَى) أَيْ: إِلَخْ. (وَالْآخَرُ (لَتَفْتَحَنَّ عِصَابَةٌ) أَيِ: الْحَدِيثُ (فِي بَابِ الْمَلَاحِمِ) . مُتَعَلِّقٌ بِذَكَرَ، وَوَجْهُهُ مِرَارًا قُرِّرَ، وَكَذَا حُرِّرَ تَوْجِيهُ قَوْلِهِ: (وَهَذَا الْبَابُ خَالٍ عَنِ الْفَصْلِ الثَّانِي) .

<<  <  ج: ص:  >  >>