وَالْعَلَمِيَّةِ، وَهُوَ مَلِكُ الرُّومِ وَلَقَبُهُ قَيْصَرُ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ ضَرَبَ الدَّنَانِيرَ، وَأَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَ الْبَيْعَةَ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ. قَالَ) أَيْ: أَبُو سُفْيَانَ (وَكَانَ دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ) : بِكَسْرِ الدَّالِ وَيُفْتَحُ (جَاءَ بِهِ) أَيْ: بِالْكِتَابِ (فَدَفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى) ، أَيْ: أَمِيرِهَا، وَهِيَ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ مَقْصُورَةٌ قَرْيَةٌ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَدِمَشْقِ الشَّامِ (فَدَفَعَهُ عَظِيمُ بُصْرَى إِلَى هِرَقْلَ، فَقَالَ هِرَقْلُ: هَلْ هَاهُنَا) أَيْ: فِي أَرْضِ الشَّامِ (أَحَدٌ مِنْ قَوْمِ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ) ؟ يَعْنِي لِكَيْ نَسْأَلَ عَنْ وَصْفِهِ لِيَتَبَيَّنَ لَنَا صِدْقُهُ مِنْ كَذِبِهِ (قَالُوا) أَيْ: بَعْضُ خَدَمِهِ وَحَشَمِهِ (نَعَمْ، فَدُعِيتُ فِي نَفَرٍ) أَيْ: مَعَ نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، وَكَانُوا ثَلَاثِينَ رَجُلًا، وَقِيلَ: الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ مِنْهُمْ، وَفِيهِ أَنَّهُ سَبَقَ إِسْلَامُهُ، لِأَنَّهُ أَسْلَمَ عَامَ الْخَنْدَقِ، فَيَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ حَاضَرًا، وَسَكَتَ مَعَ كَوْنِهِ مُسْلِمًا. قُلْتُ: وَقَدْ يُقَالُ إِنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ مَا يُنَافِي سُكُوتَهُ (فَدَخَلْنَا عَلَى هِرَقْلَ، فَأَجْلَسَنَا) : بِصِيغَةِ الْمَفْعُولِ، وَفِي نُسْخَةٍ عَلَى بِنَاءِ الْفَاعِلِ أَيْ: أَمَرَ هِرَقْلُ بِجُلُوسِنَا (بَيْنَ يَدَيْهِ) ، أَيْ: قُدَّامَهُ لِيَسْمَعَ كَلَامَنَا وَنَسْمَعُ كَلَامَهُ (فَقَالَ: أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا مِنْ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ) ؟ قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَإِنَّمَا سَأَلَ قَرِيبَ النَّسَبِ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِحَالِهِ، وَأَبْعَدُ مِنْ أَنْ يَكْذِبَ فِي حَقِّهِ (قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَقُلْتُ: أَنَا) . أَيْ: أَقْرَبُ نَسَبًا مِنْهُ (فَأَجْلَسُونِي بَيْنَ يَدَيْهِ) ، أَيْ: وَحْدِي (وَأَجْلَسُوا أَصْحَابِي خَلْفِي) ، وَإِنَّمَا أَجْلَسَهُمْ خَلْفَهُ لِيَكُونَ أَعْوَنَ عَلَيْهِمْ فِي تَكْذِيبِهِ إِنْ كَذِبَ، وَلَا يَسْتَحْيُوا مِنْهُ، أَوْ لِيُمْكِنَ لَهُمْ أَنْ يُشِيرُوا إِلَيْهِ وَيَدُلُّوا عَلَيْهِ. بِمَا هُنَالِكَ إِمَّا بِإِيمَاءِ يَدٍ أَوْ بِتَحْرِيكِ رَأْسٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ قَصَدَ فِي تَقْرِيبِهِ لِكَوْنِهِ أَقْرَبَ فِي النَّسَبِ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ الْأَدَبُ، (ثُمَّ دَعَا بِتَرْجُمَانِهِ) : بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّ الْجِيمِ وَبِضَمِّهِمَا وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ، وَسَبَقَ أَنَّهُ يَجُوزُ فَتْحُهُمَا وَهُوَ الْمُعَبِّرُ عَنْ لُغَةٍ بِلُغَةٍ أُخْرَى ثُمَّ الْبَاءُ زَائِدَةٌ أَوِ التَّقْدِيرُ دَعَا أَحَدًا بِإِحْضَارِ تَرْجُمَانِهِ فَحَضَرَ (فَقَالَ: قُلْ لَهُمْ) أَيْ: لِأَصْحَابِ أَبِي سُفْيَانَ (إِنِّي سَائِلٌ هَذَا) : وَفِي نُسْخَةٍ بِالْإِضَافَةِ، وَالْمَعْنَى أَنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَ أَبَا سُفْيَانَ (عَنْ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ) ، أَيْ: عَنْ وَصْفِهِ (فَإِنْ كَذَبَنِي) : بِتَخْفِيفِ! الذَّالِ أَيْ: فَإِنْ تَكَلَّمَ بِالْكَذِبِ لِي (فَكَذِّبُوهُ) . بِالتَّشْدِيدِ أَيْ: فَانْسُبُوهُ إِلَى الْكَذِبِ، وَلَا تَسْكُتُوا عَلَى الْبَاطِلِ وَأَعْلِمُونِي بِالْحَقِّ.
(قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَايْمُ اللَّهِ) : بِهَمْزَةِ وَصْلٍ وَيُقْطَعُ وَبِضَمِّ مِيمٍ وَتَحْقِيقُهُ تَقَدَّمَ وَهُوَ قَسَمٌ (لَوْلَا مَخَافَةُ أَنْ يُؤْثَرَ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ: يُرْوَى (عَلَيَّ الْكَذِبُ) : بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ، وَفِي نُسْخَةٍ بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ، وَالْمَعْنَى لَوْلَا خَوْفُ أَنْ يَنْقُلُوا عَنِّي الْكَذِبَ إِلَى قَوْمِي وَيَتَحَدَّثُوا بِهِ (لَكَذَبْتُهُ) ، أَيْ: لَكَذَبْتُ عَلَيْهِ لِبُغْضِي إِيَّاهُ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَإِنَّمَا عَدَّاهُ بِعَلَى لِتَضَمُّنِ مَعْنَى الْمَضَرَّةِ أَيْ: كَذِبٌ يَكُونُ عَلَيَّ لَا لِي، وَفِي هَذَا بَيَانُ أَنَّ الْكَذِبَ قَبِيحٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، كَمَا هُوَ قَبِيحٌ فِي الْإِسْلَامِ. أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ مَعْنَاهُ لَوْلَا مَخَافَةُ أَنْ يُكَذِّبَنِي هَؤُلَاءِ الَّذِينَ مَعِي لَكَذَبْتُهُ فِي تَكْذِيبِهِ فِي بَعْضِ كَلَامِي لِتَحْصِيلِ مَرَامِي (ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: سَلْهُ كَيْفَ حَسَبُهُ فِيكُمْ) ؟ الْحَسَبُ مَا يَعُدُّهُ الْإِنْسَانُ مِنْ مَفَاخِرِ آبَائِهِ ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ، فَهُوَ أَعَمُّ مِنَ النَّسَبِ، وَلِذَا عَدَلَ عَنْهُ إِلَيْهِ، قِيلَ: وَفِي الْبُخَارِيِّ كَيْفَ فِيكُمْ؟ وَفِي جَامِعِ الْأُصُولِ كَيْفَ حَسَبُهُ؟ (قَالَ: قُلْتُ: هُوَ فِينَا ذُو حَسَبٍ) أَيْ: عَظِيمٌ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ هُوَ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَأَنَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَلَيْسَ فِي النَّفَرِ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ غَيْرِي (قَالَ: فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ) أَيْ: بَعْضِ أَجْدَادِهِ وَأَسْلَافِهِ وَفِي نُسْخَةٍ: فِي آبَائِهِ أَيْ: فِي جُمْلَتِهِمْ (مِنْ مَلِكٍ) ؟ أَيْ: مِنْ سُلْطَانٍ. وَفِي نُسْخَةٍ (مَنْ) مَوْصُولَةٌ، وَمَلَكَ بِصِيغَةِ الْمَاضِي أَيْ: مَنْ كَانَ مَلِكًا. قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: هُوَ هَكَذَا بِحِرَفِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute