الْجَرِّ، وَ (مَلِكٍ) صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ، وَهُوَ رِوَايَةُ: كَرِيمَةَ وَالْأَصِيلِيِّ وَأَبِي الْوَقْتِ وَابْنِ عَسَاكِرَ فِي نُسْخَةٍ، وَأَبُو ذَرٍّ عَنِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: مَنْ مَلَكَ عَلَى أَنَّ (مَنْ) مَوْصُولَةٌ. وَمَلَكَ: فِعْلٌ مَاضٍ، وَلِأَبِي ذَرٍّ كَمَا فِي الْفَتْحِ مِنْ آبَائِهِ مَلَكَ بِإِسْقَاطِ مِنْ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ. (قَالَ: لَا قَالَ: فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ) : بِتَشْدِيدِ التَّاءِ الثَّانِيَةِ أَيْ: تَنْسُبُونَهُ إِلَى التُّهْمَةِ (بِالْكَذِبِ) أَيْ: بِإِيقَاعِهِ (فِي أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ) ؟ أَيْ: مِنْ دَعْوَى النُّبُوَّةِ (قُلْتُ: لَا. قَالَ: وَمَنْ) : بِالْوَاوِ (يَتْبَعُهُ) ؟ بِسُكُونِ التَّاءِ وَفَتْحِ الْبَاءِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِتَشْدِيدِ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ (أَشْرَافُ النَّاسِ) أَيْ: أَشْرَافُهُمْ (أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ) ؟ قَالَ الطِّيبِيُّ، وَفِي الْحُمَيْدِيِّ وَجَامِعِ الْأُصُولِ: فَهَلْ يَتْبَعُهُ، وَأَمْ هَا هُنَا مُتَّصِلَةٌ. وَفِي وُقُوعِهَا قَرِينَةٌ لِحَلِّ إِشْكَالٍ لِأَنَّ هَلْ تَسْتَدْعِي السُّؤَالَ عَنْ حُصُولِ الْجُمْلَةِ، وَأَمِ الْمُتَّصِلَةُ تَسْتَدْعِي حُصُولَهَا لِأَنَّ السُّؤَالَ بِهَا عَنْ تَعْيِينِ الْمُنْتَسِبِينَ مُسْنَدًا وَمُسْنَدًا إِلَيْهِ، وَالظَّاهِرُ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَشَرْحِهِ، وَالْمِشْكَاةِ، فَمَنْ تَبِعَهُ فَتَكُونُ هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ مُقَدَّرَةً فِي قَوْلِهِ: (أَشْرَافُ النَّاسِ) فَسَأَلَ أَوَّلًا مُجْمِلًا ثُمَّ سَأَلَ ثَانِيًا مُفَصِّلًا. (قَالَ: قُلْتُ: بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ) . الْمُرَادُ بِالْأَشْرَافِ أَهْلُ النَّخْوَةِ وَالتَّكَبُّرِ لَا كُلُّ شَرِيفٍ وَإِلَّا لَوَرَدَ مِثْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مِمَّنْ أَسْلَمَ قَبْلَ سُؤَالِ هِرَقْلَ، كَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ، وَتَعَقَّبَهُ الْعَيْنِيُّ بِأَنَّ الْعُمَرَيْنِ وَحَمْزَةَ كَانُوا مِنْ أَهْلِ النَّخْوَةِ، فَقَوْلُ أَبِي سُفْيَانَ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ. (قَالَ: أَيَزِيدُونَ) أَيْ: بِزِيَادَةِ أَمْثَالِهِمْ (أَمْ يَنْقُصُونَ) ؟ أَيْ: يَرْجِعُونَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَدْبَارِهِمْ أَوْ بِمَوْتِ بَعْضِهِمْ مِنْ غَيْرِ جَبْرِهِمْ لِكَسْرِهِمْ (قُلْتُ: لَا) . أَيْ: لَا يَنْقُصُونَ أَبَدًا (بَلْ يَزِيدُونَ) أَيْ: دَائِمًا (قَالَ: " هَلْ يَرْتَدُّ) ؟ أَيْ: يَرْجِعُ (أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ دِينِهِ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ) أَيْ: بِطِيبِ نَفْسِهِ (سَخْطَةً) : بِفَتْحِ السِّينِ وَيُضَمُّ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ كَرَاهَةً وَتَعْيِينًا (لَهُ) ؟ أَيْ: لِدِينِهِ وَهِيَ مَفْعُولٌ لَهُ، وَخَرَجَ بِهِ مَنِ ارْتَدَّ مُكْرَهًا أَوْ لِحَظٍّ نَفْسَانِيٍّ. (قَالَ: قُلْتُ: لَا. قَالَ: فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: كَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ؟ قَالَ: قُلْتُ: تَكُونُ) : بِالتَّأْنِيثِ وَيُذَكَّرُ (الْحَرْبُ) أَيِ: الْمُحَارَبَةُ (بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالًا) ، بِكَسْرِ أَوَّلِهِ أَيْ: مُسَاجَلَةً وَمُدَاوَلَةً (يُصِيبُ مِنَّا وَنُصِيبُ مِنْهُ) . أَيْ: هُوَ يَنَالُ مِنَّا مَرَّةً لِغَلَبَتِهِ، وَنَحْنُ نَنَالُ مِنْهُ أُخْرَى لِغَلَبَتِنَا، فَهُوَ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ: سِجَالًا، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران: ١٤٠] وَقَالَ الشَّاعِرُ:
فَيَوْمًا عَلَيْنَا وَيَوْمًا لَنَا ... وَيَوْمًا نُسَرُّ وَيَوْمًا نُسَاءُ
قَالَ الطِّيبِيُّ: وَأَصْلُهُ مِنَ السَّجْلِ الَّذِي هُوَ الدَّلْوُ، لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْوَارِدِينَ دَلْوًا مِثْلَ مَا لِلْآخَرِ، أَوْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَوْمٌ فِي الِاسْتِقَاءِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْحَرْبَ دُوَلٌ تَارَةً لَهُ وَتَارَةً عَلَيْهِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: السِّجَالُ جَمْعُ سَجْلٍ وَهُوَ الدَّلْوُ الْكَبِيرُ، وَالْحَرْبُ اسْمُ جِنْسٍ، فَصَحَّ الْإِخْبَارُ عَنْهُ بِالْجَمْعِ، وَفِيهِ تَشْبِيهٌ بَلِيغٌ أَيِ: الْحَرْبُ نُوَبٌ نَوْبَةٌ لَنَا وَنَوْبَةٌ لَهُ، فَقَدْ وَقَعَتِ الْمُقَاتَلَةُ بَيْنَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيْنَهُمْ قَبْلَ هَذِهِ الْقِصَّةِ فِي ثَلَاثِ مُوَاطِنَ بَدْرٍ وَأُحُدٍ وَالْخَنْدَقِ، فَأَصَابَ الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فِي بَدْرٍ، وَعُكِسَ فِي أُحُدٍ وَأُصِيبَ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ نَاسٌ قَلِيلٌ فِي الْخَنْدَقِ، فَصَدَقَ أَبُو سُفْيَانَ فِي كَلَامِهِ سِجَالًا عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ التَّسَاوِي.
(قَالَ: فَهَلْ يَغْدِرُ) ؟ بِكَسْرِ الدَّالِ مِنَ الْغَدْرِ، وَهُوَ نَقْضُ الْعَهْدِ وَخِلَافُ الْوَعْدِ. (قُلْتُ: لَا) ، أَيْ: مَا وَقَعَ مِنْهُ غَدْرٌ فِيمَا مَضَى (وَنَحْنُ مِنْهُ) أَيْ: عَلَى خَطَرٍ (فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ) ، أَيْ: مُدَّةِ الْهُدْنَةِ وَالصُّلْحِ الَّذِي جَرَى يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ (لَا نَدْرِي مَا هُوَ) أَيِ: النَّبِيُّ أَوِ اللَّهُ تَعَالَى (صَانِعٌ فِيهَا) ؟ أَيْ: أَيَغْدِرُ فِي مُدَّةِ هَذَا الصُّلْحِ أَمْ لَا. (قَالَ) أَيْ: أَبُو سُفْيَانَ (وَاللَّهِ مَا أَمْكَنَنِي مِنْ كَلِمَةٍ) أَيْ: مَا قَدَرْتُ عَلَى كَلِمَةٍ، وَالْمُرَادُ بِهَا جُمْلَةٌ مُفِيدَةٌ (أُدْخِلُ فِيهَا) أَيْ: فِي أَثْنَاءِ كَلِمَاتِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute