للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هَذِهِ) يَعْنِي) : تَفْسِيرٌ مِنْ مَالِكٍ عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ أَيْ: يُرِيدُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ هَذَا (مِنْ ثُغْرَةِ نَحْرِهِ) : بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ وَسُكُونِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ: نَقْرَةِ نَحْرِهِ الَّتِي بَيْنَ التَّرْقُوَتَيْنِ (إِلَى شِعْرَتِهِ) . بِكَسْرِ الشِّينِ أَيْ عَانَتِهِ، وَقِيلَ مَنْبِتُ شَعْرِهَا كَذَا فِي النِّهَايَةِ. (فَاسْتَخْرَجَ قَلْبِي) : قَالَ شَارِحٌ: وَهَذَا الشَّقُّ غَيْرُ مَا كَانَ فِي زَمَنِ الصِّبَا إِذْ هُوَ لِإِخْرَاجِ مَادَّةِ الْهَوَى مِنْ قَلْبِهِ، وَهَذَا لِإِدْخَالِ كَمَالِ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ فِي قَلْبِهِ. قُلْتُ: وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى التَّخْلِيَةِ وَالتَّحْلِيَةِ وَمَقَامِ الْفَنَاءِ وَالْبَقَاءِ وَنَفْيِ السَّوِيِّ وَإِثْبَاتِ الْمَوْلَى، كَمَا تُشِيرُ إِلَيْهِ الْكَلِمَةُ الْعُلْيَا.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا مُعْجِزَةٌ فَإِنَّ مِنَ الْمُحَالِ الْعَادِيِّ أَنْ يَعِيشَ مَنْ يَنْشَقُّ بَطْنُهُ وَيُسْتَخْرَجُ قَلْبُهُ، وَكَأَنَّ بَعْضَهُمْ حَمَلُوهَا عَلَى الْمَعَانِي الْمَجَازِيَّةِ، وَلِذَا قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: مَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ شَقِّ النَّحْرِ وَاسْتِخْرَاجِ الْقَلْبِ، وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ، فَإِنَّ السَّبِيلَ فِي ذَلِكَ التَّسْلِيمُ دُونَ التَّعَرُّضِ بِصَرْفِهِ مِنْ وَجْهٍ إِلَى وَجْهٍ بِمَنْقُولٍ مُتَكَلَّفٍ دُعَاءً لِلتَّوْفِيقِ بَيْنَ الْمَنْقُولِ وَالْمَعْقُولِ، هَرَبًا مِمَّا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ مُحَالٌ، وَنَحْنُ بِحَمْدِ اللَّهِ لَا نَرَى الْعُدُولَ عَنِ الْحَقِيقَةِ إِلَى الْمَجَازِ فِي خَبَرِ الصَّادِقِ عَنِ الْأَمْرِ لِعَدَمِ الْمُحَالِ بِهِ عَلَى الْقُدْرَةِ. (ثُمَّ أُتِيتُ بِطَسْتٍ) : بِفَتْحِ الطَّاءِ وَتُكْسَرُ وَسِينُهُ مُهْمَلَةٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَمُعْجَمَةٌ (مِنْ ذَهَبٍ) : لَعَلَّ الِاسْتِعْمَالَ كَانَ قَبْلَ التَّحْرِيمِ أَوِ الْقَضِيَّةُ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (مَمْلُوءَةٍ) : عَلَى وَزْنِ مَفْعُولٍ بِالْهَمْزِ وَيُشَدَّدُ (إِيمَانًا) : تَمْيِيزٌ. قَالَ الْقَاضِي: لَعَلَّهُ مِنْ بَابِ التَّمْثِيلِ إِذْ تُمَثَّلُ لَهُ الْمَعَانِي كَمَا تُمَثَّلُ لَهُ أَرْوَاحُ الْأَنْبِيَاءِ الدَّارِجَةُ بِالصُّوَرِ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قَبْلَهُ الطِّيبِيُّ، وَفِيهِ أَنَّ الْأَرْوَاحَ أَجْسَادٌ لَطِيفَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْأَقْوَالِ، إِلَّا أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ مُمَثَّلٌ لَهُ الْأَرْوَاحُ بِأَجْسَادِهِمُ الْفَانِيَةِ، وَلَكِنْ فِيهِ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ لُحُومَ الْأَنْبِيَاءِ، نَعَمْ لَوْ قِيلَ بِبَقَاءِ أَجْسَادِهِمُ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَا أَرْوَاحُهُمْ فِي عَالَمِ الْمُلْكِ وَبِتَمَثُّلِهَا فِي عَالَمِ الْمَلَكُوتِ، لَكَانَ تَوْجِيهًا وَجِيهًا وَتَنْبِيهًا نَبِيهًا، بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ، وَلَا يَبْعُدُ عَنْ قُدْرَةِ الْقَاهِرِ. وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ مَعْنَى جُعِلَ الْإِيمَانُ فِي الطَّسْتِ جُعِلَ شَيْءٌ فِيهِ يَحْصُلُ بِهِ الْإِيمَانُ، فَيَكُونُ مَجَازًا، وَقَدْ قَالَ الشَّارِحُ: الْأَوَّلُ لَا مَانِعَ مِنْ إِرَادَةِ الْحَقِيقَةِ أَقُولُ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَعَانِيَ قَدْ تَتَجَسَّمُ كَمَا حُقِّقَ فِي وَزْنِ الْأَعْمَالِ وَذَبْحِ كَبْشِ الْمَوْتِ وَنَحْوِهِمَا. (فَغُسِلَ قَلْبِي، ثُمَّ حُشِيَ) : مَاضٍ مَجْهُولٌ مِنَ الْحَشْوِ أَيْ: مُلِئَ مِنْ حُبِّ رَبِّي (ثُمَّ أُعِيدَ) . أَيِ: الْقَلْبُ إِلَى مَوْضِعِهِ الْأَوَّلِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ.

(وَفِي رِوَايَةٍ: (ثُمَّ غُسِلَ الْبَطْنُ) أَيِ: الْجَوْفُ مُطْلَقًا أَوْ مَحَلُّ الْقَلْبِ فَإِنَّهُ بَيْتُ الرَّبِّ (بِمَاءِ زَمْزَمَ ثُمَّ مُلِئَ إِيمَانًا وَحِكْمَةً) أَيْ: إِيقَانًا وَإِحْسَانًا فَهُوَ تَكْمِيلٌ وَتَذْيِيلٌ (ثُمَّ أُتِيتُ بِدَابَّةٍ) : هِيَ تُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: ٦] وَالتَّاءُ فِيهَا لِلْوَحْدَةِ، فَالْمَعْنَى بِمَرْكُوبٍ مُتَوَسِّطٍ. (دُونَ الْبَغْلِ) : أَصْغَرُ مِنْهُ (وَفَوْقَ الْحِمَارِ) أَيْ: أَكْبَرُ مِنْهُ (أَبْيَضَ) : بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ أَوِ الصِّفَةِ (يُقَالُ لَهُ الْبُرَاقُ) : بِضَمِّ أَوَّلِهِ، سُمِّيَ بِهِ لِبَرِيقِ لَوْنِهِ، أَوْ لِسُرْعَةِ سَيْرِهِ كَبَرْقِ السَّحَابِ وَلَا مَنْعَ مِنَ الْجَمْعِ، وَإِنْ كَانَ يُؤَكِّدُ الثَّانِيَ قَوْلُهُ: (يَضَعُ خَطْوَهُ عِنْدَ أَقْصَى طَرْفِهِ) ، بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا أَيْ: يَضَعُ قَدَمَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى بَصَرِهِ وَغَايَةِ نَظَرِهِ قِيلَ: الْأَصَحُّ أَنَّهُ كَانَ مُعَدًّا لِرُكُوبِ الْأَنْبِيَاءِ، وَقِيلَ: لِكُلِّ نَبِيٍّ بُرَاقٌ عَلَى حِدَةٍ، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِمَرَاتِبَ الْأَصْفِيَاءِ، فَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالُوا: هُوَ اسْمٌ لِلدَّابَّةِ الَّتِي رَكِبَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ. قَالَ الزُّبَيْدِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْعَيْنِ، وَصَاحِبُ التَّحْرِيرِ: هِيَ دَابَّةٌ كَانَتِ الْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ يَرْكَبُونَهَا، وَهَذَا الَّذِي قَالَاهُ مُحْتَاجٌ إِلَى نَقْلٍ صَحِيحٍ.

قَالَ الطِّيبِيُّ: وَلَعَلَّهُمْ حَسِبُوا ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: فَرَبَطَهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي تَرْبِطُ بِهَا الْأَنْبِيَاءُ أَيْ: رَبَطَتِ الْبُرَاقَ. قُلْتُ وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ تَقْدِيرِهِ، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْبُرَاقِ الْجِنْسُ فِي الثَّانِي: قَالَ: وَأَظْهَرُ مِنْهُ حَدِيثُ أَنَسٍ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي قَوْلُ جِبْرِيلَ لِلْبُرَاقِ: فَمَا رَكِبَكَ أَحَدٌ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْهُ. قُلْتُ: هُوَ مَعَ ظُهُورِهِ لَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنَ الِاحْتِمَالِ الْمَانِعِ مِنْ صِحَّةِ الِاسْتِدْلَالِ، إِذْ مُحْتَمَلٌ أَنَّهُ رَكِبَهُ بَعْضُ الْمَلَائِكَةِ أَوْ جِبْرِيلُ قَبْلَهُ عِنْدَ نُزُولِهِ إِلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَوِ التَّقْدِيرُ: فَمَا رَكِبَ مِثْلَكَ أَوْ جِنْسَكَ أَحَدٌ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْهُ فَلَا مَعْنَى لِتَنَفُّرِكَ عَنْهُ. (فَحُمِلْتُ عَلَيْهِ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ: رَكِبْتُ عَلَيْهِ بِمَعُونَةِ الْمَلَكِ أَوْ بِإِعَانَةِ الْمَلَكِ، وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى صُعُوبَتِهِ كَمَا سَيَأْتِي وَجْهُهُ، (فَانْطَلَقَ بِي جِبْرِيلُ حَتَّى أَتَى بَابَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا) ، ظَاهِرُهُ أَنَّهُ اسْتَمَرَّ عَلَى الْبُرَاقِ حَتَّى عَرَجَ إِلَى السَّمَاءِ، وَتَمَسَّكَ بِهِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>