وَسُكَّانِ أَرْضِهِ وَسَمَاوَاتِهِ (يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْعَتَهَا) : بِفَتْحِ الْعَيْنِ أَيْ يَصِفُهَا (مِنْ حُسْنِهَا) : تَعْلِيلِيَّةٌ أَيْ: مِنْ كَمَالِ جَمَالِهَا وَعَظَمَةِ جَلَالِهَا (وَأَوْحَى إِلَيَّ مَا أَوْحَى) : فِي إِبْهَامِ الْمُوصَلَةِ أَوِ الْمَوْصُوفَةِ إِيمَاءً إِلَى تَعْظِيمِ الْمُوحِي، وَإِنَّهُ مِنْ قَبِيلِ مَا لَا يُحْكَى وَلَا يُرْوَى، (فَفَرَضَ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاةً فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَنَزَلْتُ إِلَى مُوسَى) أَيْ: مُنْتَهِيًا إِلَيْهِ (فَقَالَ: مَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ: خَمْسِينَ صَلَاةً) : وَزِيدَ فِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ: فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ (قَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ فَإِنِّي بَلَوْتُ) أَيْ: جَرَّبْتُ (بَنِي إِسْرَائِيلَ وَخَبَرْتُهُمْ) أَيْ: أَخْبَرْتُهُمْ وَامْتَحَنَتْهُمْ.
(قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّي فَقُلْتُ: يَا رَبِّ! خَفِّفْ عَلَى أُمَّتِي) أَيْ: عَنْهُمْ وَعَدَلَ إِلَى عَلَى لِتَضْمِينِ التَّهْوِينِ (فَحَطَّ عَنِّي) أَيْ: فَوَضَعَ عَنْ جِهَتِي وَلِأَجْلِي عَنْ أُمَّتِي (خَمْسًا) أَيْ: خَمْسَ صَلَوَاتٍ، وَلَعَلَّ التَّقْدِيرَ خَمْسًا فَخَمْسًا، فَيُوَافِقُ رِوَايَةَ عَشْرًا، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ رِوَايَةَ عَشْرًا اقْتِصَارٌ مِنْ رِوَايَةِ خَمْسًا، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ: (فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقُلْتُ: حَطَّ عَنِّي خَمْسًا. قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ) أَيِ: الْمِقْدَارُ الْبَاقِي أَيْضًا (فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ) . قَالَ: (فَلَمْ أَزَلْ أَرْجِعُ بَيْنَ رَبِّي وَبَيْنَ مُوسَى) : قَالَ النَّوَوِيُّ: مَعْنَاهُ بَيْنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي نَاجَيْتُهُ أَوَّلًا فَنَاجَيْتُهُ ثَانِيًا، وَبَيْنَ مَوْضِعِ مُلَاقَاةِ مُوسَى أَوَّلًا (حَتَّى قَالَ) أَيْ: سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: (يَا مُحَمَّدُ! إِنَّهُنَّ خَمْسُ صَلَوَاتٍ) أَيْ: مُحَتَّمَةٌ (كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ) . قَالَ الطِّيبِيُّ: الضَّمِيرُ فِيهِ مُبْهَمٌ يُفَسِّرُهُ الْخَبَرُ كَقَوْلِهِ:
هِيَ النَّفْسُ مَا حَمَّلْتَهَا تَتَحَمَّلُ (لِكُلِّ صَلَاةٍ) أَيْ: حَقِيقَةً وَاخْتِيَارًا (عَشْرًا) أَيْ: ثَوَابُ صَلَوَاتِ أَيْ: حُكْمًا وَاعْتِبَارًا (فَذَلِكَ) أَيْ فَمَجْمُوعُ مَا ذُكِرَ (خَمْسُونَ صَلَاةً) ، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ بِبَيَانِ قَضِيَّةٍ أُخْرَى وَعَطِيَّةٍ أُخْرَى مُتَضَمِّنَةٍ لِهَذِهِ الْجُزْئِيَّةِ الْمُنْدَرِجَةِ فِي الْقَاعِدَةِ الْكُلِّيَّةِ حَيْثُ قَالَ: (مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ) أَيْ: عَزَمَ عَلَى فِعْلِهَا (فَلَمْ يَعْمَلْهَا) : لِمَانِعٍ شَرْعِيٍّ أَوْ عُذْرٍ عُرْفِيٍّ (كُتِبَتْ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ: كُتِبَ لَهُ هَمُّ الْحَسَنَةِ وَالتَّأْنِيثُ مِنْ إِضَافَتِهِ إِلَى الْحَسَنَةِ، أَوْ مِنْ قَبِيلِ حَذْفِ الْمُضَافِ وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ مَقَامَهُ (لَهُ) أَيْ: لِعَامِلِهَا (حَسَنَةً) ، النَّصْبُ أَيْ ثَوَابُ حَسَنَةٍ وَاحِدَةٍ. قَالَ الطِّيبِيُّ: كُتِبَتْ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمَفْعُولِ وَالضَّمِيرُ فِيهِ رَاجِعٌ إِلَى قَوْلِهِ: بِحَسَنَةٍ. وَحَسَنَةً: وُضِعَتْ مَوْضِعَ الْمَصْدَرِ أَيْ: كُتِبَتِ الْحَسَنَةُ كِتَابَةً وَاحِدَةً، وَكَذَا عَشْرًا وَكَذَا شَيْئًا مَنْصُوبَانِ عَلَى الْمَصْدَرِ عَلَى مَا فِي جَامِعِ الْأُصُولِ، وَشَرْحِ السُّنَّةِ، وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ: حَسَنَةٌ وَعَشْرٌ مَرْفُوعَانِ وَهُوَ غَلَطٌ مِنَ النَّاسِخِ. أَقُولُ: لَعَلَّهُ مِنْ جِهَةِ الرِّوَايَةِ، وَأَمَّا مِنْ طَرِيقِ الدِّرَايَةِ فَلَهُ وَجْهٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: كُتِبَتْ لَهُ جُمْلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ مُجْمَلَةٌ، وَقَوْلُهُ: حَسَنَةٌ بِتَقْدِيرِ هِيَ جُمْلَةٌ مُبَيِّنَةٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute