للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الِاشْتِمَالِ (قَدْ أُعْطِيَ شَطْرَ الْحُسْنِ) ، قَالَ الْمُظْهِرُ أَيْ: نِصْفَ الْحُسْنِ. أَقُولُ: وَهُوَ مُحْتَمِلٌ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى نِصْفَ جِنْسِ الْحُسْنِ مُطْلَقًا، أَوْ نِصْفَ حُسْنِ جَمِيعِ أَهْلِ زَمَانِهِ. وَقِيلَ بَعْضُهُ لِأَنَّ الشَّطْرَ كَمَا يُرَادُ بِهِ نِصْفُ الشَّيْءِ قَدْ يُرَادُ بِهِ بَعْضُهُ مُطْلَقًا. أَقُولُ: لَكِنَّهُ لَا يُلَائِمُهُ مَقَامُ الْمَدْحِ وَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ بَعْضُ الشُّرَّاحِ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ بَعْضٌ زَائِدٌ عَلَى حُسْنِ غَيْرِهِ، وَهُوَ إِمَّا مُطْلَقٌ فَيُحْمَلُ عَلَى زِيَادَةِ الْحُسْنِ الصُّورِيِّ دُونَ الْمَلَاحَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ لِئَلَّا يَشْكَلَ نَبِيَّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِمَّا مُقَيَّدٌ بِنِسْبَةِ أَهْلِ زَمَانِهِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَكَانَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَرَادَ هَذَا الْمَعْنَى، لَكِنَّهُ أَغْرَبَ فِي الْمَبْنَى حَيْثُ عَبَّرَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: وَقَدْ يُرَادُ بِهِ الْجِهَةُ أَيْضًا نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: ١٤٤] أَيْ إِلَى جِهَةٍ مِنَ الْحُسْنِ وَمَسْحَةٍ مِنْهُ، كَمَا قَالَ: عَلَى وَجْهِهِ مَسْحَةُ مُلْكٍ وَمَسْحَةُ جَمَالٍ. أَيْ: أَثَرٌ ظَاهِرٌ، وَلَا يُقَالُ ذَلِكَ إِلَّا فِي الْمَدْحِ اهـ. وَغَرَابَتُهُ مِمَّا لَا تَخْفَى عَلَى ذَوِي النُّهَى، هَذَا وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَهُوَ مِنْ مَشَايِخِنَا الْمُعْتَبَرِينَ: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَحْسَنَ مِنْ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِذْ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّ صُورَتَهُ كَانَ يَقَعُ مِنْ ضَوْئِهَا عَلَى جُدْرَانِ مَا يَصِيرُ كَالْمِرْآةِ يَحْكِي مَا يُقَابِلُهُ، وَقَدْ حُكِيَ عَنْ صُورَةِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَتَرَ عَنْ أَصْحَابِهِ كَثِيرًا مِنْ ذَلِكَ الْجَمَالِ الْبَاهِرِ، فَإِنَّهُ لَوْ بَرَزَ لَهُمْ لَمْ يُطِيقُوا النَّظَرَ إِلَيْهِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ، وَأَمَّا جَمَالُ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَلَمْ يُسْتَرْ مِنْهُ شَيْءٌ اهـ.

وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ زِيَادَةَ الْحُسْنِ الصُّورِيِّ لِيُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، كَمَا أَنَّ زِيَادَةَ الْحُسْنِ الْمَعْنَوِيِّ لِنَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ الِاشْتِرَاكِ فِي أَصْلِ الْحُسْنِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ: الْمَعْنَى أُعْطِيَ شَطْرَ حُسْنِي (فَرَحَّبَ بِي وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ) . وَلَمْ يَذْكُرْ) أَيْ: ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ (بُكَاءَ مُوسَى، وَقَالَ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ) أَيْ: زِيَادَةٌ عَلَى مَا سَبَقَ (فَإِذَا أَنَا بِإِبْرَاهِيمَ مُسْنِدًا) : بِكَسْرِ النُّونِ مَنْصُوبًا عَلَى الْحَالِ فِي جَمِيعِ نُسَخِ الْمِشْكَاةِ مُطَابِقًا لِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَشَرْحِهِ وَشَرْحِ السُّنَّةِ، وَفِي الْمَصَابِيحِ مَرْفُوعٌ عَلَى حَذْفِ الْمُبْتَدَأِ وَقَوْلُهُ: (ظَهْرَهُ) : مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ لِكِلْتَا النُّسْخَتَيْنِ وَقَوْلُهُ: (إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ) ، مُتَعَلِّقٌ بِالْمُسْنَدِ (وَإِذَا هُوَ) أَيِ: الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ (يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ) ، أَيْ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: الضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ فِيهِ عَائِدٌ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ أَيْ: يَدْخُلُونَ فِيهِ ذَاهِبِينَ غَيْرَ عَائِدِينَ إِلَيْهِ أَبَدًا لِكَثْرَتِهِمْ (ثُمَّ ذَهَبَ بِي) : بِصِيغَةِ الْفَاعِلِ، وَفِي نُسْخَةٍ لِلْمَفْعُولِ أَيِ انْطَلَقَ بِي (إِلَى السِّدْرَةِ الْمُنْتَهَى) ، هَكَذَا وَقَعَ فِي الْأُصُولِ السِّدْرَةُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ، وَفِي الرِّوَايَاتِ بَعْدَ هَذَا سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى كَذَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، (فَإِذَا أَوْرَاقُهَا كَآذَانِ الْفِيَلَةِ، وَإِذَا ثَمَرُهَا كَالْقِلَالِ، فَلَمَّا غَشِيَهَا) أَيِ: السِّدْرَةَ، وَهُوَ بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ أَيْ: جَاءَهَا وَنَزَلَ عَلَيْهَا (مِنْ أَمْرِ اللَّهِ) : بَيَانِيَّةٌ مُقَدَّمَةٌ أَوْ تَعْلِيلِيَّةٌ مُعْتَرِضَةٌ (مَا غَشَّى) أَيْ: غَشِيَهَا إِيمَاءٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى} [النجم: ٥٤] فَقِيلَ: أَنْوَارُ أَجْنِحَةِ الْمَلَائِكَةِ، وَقِيلَ فَرَاشُ الذَّهَبِ. قَالَ الْقَاضِي: وَلَعَلَّهُ مِثْلَ مَا يَغْشَى الْأَنْوَارَ الَّتِي تَنْبَعِثُ مِنْهَا، وَيَتَسَاقَطُ عَلَى مَوَاقِعِهَا بِالْفَرَاشِ، وَجَعَلَهَا مِنَ الذَّهَبِ لِصِفَاتِهَا وَإِضَاءَتِهَا فِي نَفْسِهَا، أَوْ أَلْوَانٌ لَا يَدْرِي مَا هِيَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ (تَغَيَّرَتْ) أَيِ: السِّدْرَةُ عَنْ حَالَتِهَا الْأُولَى إِلَى مَرْتَبَتِهَا الْأَعْلَى وَهُوَ جَوَابُ لَمَّا. (فَمَا أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ) أَيْ: مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>