٥٨٦٣ - وَعَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ، وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ، فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ يَقَعُ حَافِرُهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ، فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي تَرْبُطُ بِهَا الْأَنْبِيَاءُ) . قَالَ: (ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجْتُ فَجَاءَنِي جِبْرَئِيلُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ، وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ، فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ، فَقَالَ جِبْرَئِيلُ: اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ، ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ) وَسَاقَ مِثْلَ مَعْنَاهُ قَالَ: (فَإِذَا أَنَا بِآدَمَ، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ) . وَقَالَ فِي السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ: فَإِذَا أَنَا بِيُوسُفَ، إِذَا هُوَ قَدْ أُعْطِيَ شَطْرَ الْحُسْنِ، فَرَحَّبَ بِي وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ) . وَلَمْ يَذْكُرْ بُكَاءَ مُوسَى، وَقَالَ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ: (فَإِذَا أَنَا بِإِبْرَاهِيمَ مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ، وَإِذَا هُوَ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ، ثُمَّ ذَهَبَ بِي إِلَى السِّدْرَةِ الْمُنْتَهَى، فَإِذَا وَرَقُهَا كَآذَانِ الْفِيَلَةِ، إِذَا بِهَا كَالْقِلَالِ، فَلَمَّا غَشِيَهَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ مَا غَشَّى تَغَيَّرَتْ، فَمَا أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْعَتَهَا مِنْ حُسْنِهَا، وَأَوْحَى إِلَيَّ مَا أَوْحَى، فَفَرَضَ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاةً فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَنَزَلْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: مَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ: خَمْسِينَ صَلَاةً فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. قَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ ; فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ، فَإِنِّي بَلَوْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَخَبَرْتُهُمْ قَالَ: (فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّي، فَقُلْتُ: يَا رَبِّ خَفِّفْ عَلَى أُمَّتِي، فَحَطَّ عَنِّي خَمْسًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقُلْتُ: حَطَّ عَنِّي خَمْسًا. قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ) . قَالَ: (فَلَمْ أَزَلْ أَرْجِعُ بَيْنَ رَبِّي وَبَيْنَ مُوسَى، حَتَّى قَالَ: يَا مُحَمَّدُ! إِنَّهُنَّ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، لِكُلِّ صَلَاةٍ عَشْرٌ، فَذَلِكَ خَمْسُونَ صَلَاةً، مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ لَهُ شَيْئًا، فَإِنَّ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً) . قَالَ: (فَنَزَلْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى مُوسَى فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَقُلْتُ قَدْ رَجَعْتُ إِلَى رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ» ) . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
٥٨٦٣ - (وَعَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ) : بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ قَبْلَ النُّونِ الْأُولَى، تَابِعِيٌّ مِنْ أَعْلَامِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَثِقَاتِهِمْ، اشْتُهِرَ بِالرِّوَايَةِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَصَحِبَهُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَرَوَى عَنْهُ نَفَرٌ. (عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (أَتَيْتُ بِالْبُرَاقِ، وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ) ، أَيْ وَسُلْطَانِيٌّ لِقَوْلِهِ: (فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ يَقَعُ حَافِرُهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ) ، أَيْ نَظَرِهِ (فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ) ، بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْقَافِ وَكَسْرِ الدَّالِ، وَيُرْوَى بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ الْمَفْتُوحَةِ (فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ) : بِسُكُونِ اللَّامِ وَيُفْتَحُ. قَالَ النَّوَوِيُّ: هِيَ بِسُكُونِ اللَّامِ عَلَى اللُّغَةِ الْفَصِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ، وَحُكِيَ فَتْحُهَا (الَّتِي يَرْبُطُ) : بِالتَّذْكِيرِ وَيَجُوزُ تَأْنِيثُهُ، وَهُوَ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَيُضَمُّ، فَفِي الْقَامُوسِ: رَبَطَهُ يَرْبِطُهُ وَيَرْبُطُهُ شَدَّهُ، وَفِي الصِّحَاحِ: رَبَطْتُ الشَّيْءَ أَرْبِطُهُ وَأَرْبُطُهُ أَيْضًا عَنِ الْأَخْفَشِ انْتَهَى. فَعُلِمَ أَنَّ الضَّمَّ لُغَةٌ ضَعِيفَةٌ، وَلِهَذَا أَجْمَعَ الْقُرَّاءُ عَلَى الْكَسْرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ} [الأنفال: ١١] ثُمَّ قَوْلُهُ: (بِهَا) : بِضَمِيرِ الْمُؤَنَّثِ فِي جَمِيعِ نُسَخِ الْمِشْكَاةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: الْحَلْقَةُ الَّتِي يَرْبِطُ بِهِ، كَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ بِضَمِيرِ الْمُذَكَّرِ أَعَادَهُ عَلَى مَعْنَى الْحَلْقَةِ، وَهُوَ الشَّيْءُ أَيِ الَّذِي يَرْبِطُ بِهِ، وَالْمَعْنَى بِالشَّيْءِ الَّذِي يَرْبِطُ بِهِ (الْأَنْبِيَاءُ) . أَيْ بُرَاقَهُمْ، أَوْ هَذَا الْبُرَاقَ عَلَى خِلَافٍ تَقَدَّمَ، نَعَمْ لَوْ كَانَ الْمَرْوِيُّ يَرْبُطُ الْأَنْبِيَاءُ بِهَا لَوَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى اتِّحَادِ الْبُرَاقِ.
(قَالَ: (ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ) أَيِ: الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى، وَهَذَا الْمِقْدَارُ مِنَ الْإِسْرَاءِ مِمَّا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ، وَإِنَّمَا خِلَافُ الْمُعْتَزِلَةِ فِي الْإِسْرَاءِ إِلَى السَّمَاءِ بِنَاءً عَلَى مَنْعِ الْخَرْقِ وَالِالْتِئَامِ تَبَعًا لِكَلَامِ الْحُكَمَاءِ اللِّئَامِ، (فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ) أَيْ: تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ هِيَ الصَّلَاةُ الَّتِي اقْتَدَى بِهِ الْأَنْبِيَاءُ وَصَارَ فِيهَا إِمَامَ الْأَصْفِيَاءِ (ثُمَّ خَرَجْتُ) أَيْ: مِنَ الْمَسْجِدِ (فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ، وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ) وَلَعَلَّ تَرْكَ الْعَسَلِ مِنِ اقْتِصَارِ الرَّاوِي (فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ) ، أَيْ لِمَا سَبَقَ (فَقَالَ جِبْرِيلُ: اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ) ، أَيِ الَّتِي فُطِرَ النَّاسُ عَلَيْهَا، وَهُوَ: {الدِّينُ الْقَيِّمُ} [التوبة: ٣٦] كَمَا قَالَ تَعَالَى. وَأَشَارَ إِلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ: ( «كُلُّ مَوْلُودٍ يُوَلَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ» ) انْتِقَالًا مِمَّا يُفْطَرُ بِهِ الْمَوْلُودُ، وَيُغَذَّى مِنَ اللَّبَنِ الْمَعْهُودِ. (ثُمَّ عَرَجَ) : بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ، وَتَبِعَهُ السُّيُوطِيُّ فَالْفَاعِلُ جِبْرِيلُ أَوِ الرَّبُّ الْجَلِيلُ لِقَوْلِهِ: (بِنَا) أَيْ: بِي وَبِجِبْرِيلَ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: (بِنَا) بِنَاءً عَلَى التَّعْظِيمِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ: صَعِدَ بِنَا (إِلَى السَّمَاءِ وَسَاقَ) أَيْ: وَذَكَرَ ثَابِتٌ الْحَدِيثَ عَنْ أَنَسٍ (مِثْلَ مَعْنَاهُ) . أَيْ نَحْوَ مَعْنَى الْحَدِيثِ السَّابِقِ بِرِوَايَةِ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ.
(قَالَ) أَيِ: النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَوْ ثَابِتٌ أَوْ أَنَسٌ مَرْفُوعًا (فَإِذَا أَنَا بِآدَمَ فَرَحَّبَ بِي) أَيْ: قَالَ لِي بَعْدَ رَدِّ سَلَامِي: مَرْحَبًا بِالِابْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. (وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ) . يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا لِقَوْلِهِ: فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، وَأَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ غَيْرَ مُبَيَّنٍ، (وَقَالَ فِي السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ: (فَإِذَا أَنَا بِيُوسُفَ إِذَا هُوَ) : بَدَلٌ مِنَ الْأَوَّلِ فِي مَعْنَى بَدَلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute