فَاسْأَلْهُ) : أَمْرٌ مِنْ سَأَلَ مَهْمُوزًا أَوْ مُبْدَلًا أَوْ مَنْقُولًا نُسْخَتَانِ مَقْبُولَتَانِ وَقِرَاءَتَانِ صَحِيحَتَانِ أَيْ: فَاطْلُبِ (التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ، فَرَجَعْتُ) أَيْ: إِلَى رَبِّي (فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا) : وَهُوَ خُمُسُ الْأَصْلِ، وَسَيَأْتِي أَنَّهُ وَضَعَ عَنْهُ خَمْسًا، وَكَأَنَّهُ كَانَ أَوَّلًا ثُمَّ صَارَ عَشْرًا، أَوْ عَبَّرَ عَنِ الْخَمْسِ بِالْعَشَرِ اقْتِصَارًا (فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ) ، أَيْ: مِثْلَ مَقَالَتِهِ الْأُولَى (فَرَجَعْتُ) أَيْ: ثَانِيًا (فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ) أَيْ: ثَالِثًا (فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ مِثْلَهُ. فَرَجَعْتُ) أَيْ: رَابِعًا (فَأُمِرْتُ بِعَشْرِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ) أَيْ: خَامِسًا (فَأُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ) أَيْ: وَلَيْلَةٍ، وَلَعَلَّ الِاكْتِفَاءَ فِيهِ لِلتَّغْلِيبِ حَيْثُ أَكْثَرُ الصَّلَوَاتِ فِيهِ، أَوْ لِأَنَّ اللَّيْلَ تَابِعٌ لِمَا قَبْلَهُ كَمَا فِي لَيْلَةِ عَرَفَةَ وَلَيَالِي أَيَّامِ النَّحْرِ، (فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ: بِمَا أُمِرْتَ؟ قُلْتُ: أُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ) أَيْ: أَكْثَرَهُمْ (لَا تَسْتَطِيعُ خَمْسَ صَلَوَاتٍ) أَيْ: مُوَاظَبَتَهَا وَمُدَاوَمَتَهَا وَمُحَافَظَتَهَا (كُلَّ يَوْمٍ وَإِنِّي قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ) أَيْ: وَلَمْ يَسْتَطِيعُوا مَا دُونَ ذَلِكَ (فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ) ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: مُرَاجَعَةُ اللَّهِ فِي بَابِ الصَّلَاةِ إِنَّمَا جَازَتْ مِنْ رَسُولِنَا مُحَمَّدٍ وَمُوسَى عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِأَنَّهُمَا عَرَفَا أَنَّ الْأَمْرَ الْأَوَّلَ غَيْرُ وَاجِبٍ قَطْعًا لِمَا صَدَرَتْ مِنْهُمَا الْمُرَاجَعَةُ، فَصُدُورُ الْمُرَاجِعَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ وَاجِبٍ قَطْعًا، لِأَنَّ مَا كَانَ وَاجِبًا قَطْعًا لَا يَقْبَلُ التَّخْفِيفَ، ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ. وَتَبِعَهُ ابْنُ الْمَلَكِ، وَأَقُولُ: مَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا لَا يَحْتَاجُ إِلَى سُؤَالِ التَّحْفِيفِ قَطْعًا، فَالصَّحِيحُ مَا قِيلَ أَنَّهُ تَعَالَى فِي الْأَوَّلِ فَرَضَ خَمْسِينَ، ثُمَّ رَحِمَ عِبَادَهُ وَنَسَخَهَا بِخَمْسٍ كَآيَةِ الرَّضَاعِ عِنْدَ بَعْضٍ، وَعِدَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا عَلَى قَوْلٍ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عْلَى أَنَّهُ يَجُوزُ نَسْخُ الشَّيْءِ قَبْلَ وُقُوعِهِ، كَمَا قَالَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ، وَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ: لَا يَجُوزُ. ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ.
(قَالَ) أَيِ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (سَأَلْتُ رَبِّي) أَيِ: التَّخْفِيفَ (حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ) أَيْ: مِنْ كَثْرَتِهِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِيَاءٍ وَاحِدَةٍ، فَهُمَا لُغَتَانِ، أَوِ الثَّانِيَةُ تَخْفِيفٌ لِلْأَوْلَى بِالنَّقْلِ وَالْحَذْفِ، وَالْمَعْنَى فَلَا أَرْجِعُ لِطَلَبِ التَّخْفِيفِ، وَإِنْ كَانَ الظَّنُّ فِي الْأُمَّةِ أَنْ لَا يَسْتَطِيعُوا دَوَامَ الْمُحَافِظَةِ، (وَلَكِنِّي أَرْضَى) أَيْ: بِمَا قَضَى رَبِّي وَقَسَمَ (وَأُسَلِّمُ) أَيْ: أَمْرِي وَأَمْرَهُمْ إِلَى اللَّهِ وَأَنْقَادُ بِمَا حَكَمَ. قَالَ الطِّيبِيُّ، فَإِنْ قُلْتَ: حَقٌّ، لَكِنْ أَنْ يَقَعَ بَيْنَ كَلَامَيْنِ مُتَغَايِرَيْنِ مَعْنًى فَمَا وَجْهُهُ هَا هُنَا؟ قُلْتُ: تَقْدِيرُ الْكَلَامِ هُنَا حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ فَلَا أَرْجِعُ، فَإِنِّي إِذَا رَجَعْتُ كُنْتُ غَيْرَ رَاضٍ وَلَا مُسَلِّمٍ، وَلَكِنِّي أَرْضَى وَأُسَلِّمُ انْتَهَى. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَاجَعَةَ غَيْرُ نَافِيَةٍ لِلرِّضَا وَالتَّسْلِيمِ، وَإِلَّا لَمَا رَضِيَ بِهَا مُوسَى وَنَبِيُّنَا عَلَيْهِمَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَكْمَلُ التَّسْلِيمِ، وَتَوْضِيحُهُ؛ أَنَّ سُؤَالَ الْعَافِيَةِ وَدَفْعِ الْبَلَاءِ وَطَلَبَ الرِّزْقِ وَدُعَاءَ النَّصْرِ عَلَى الْأَعْدَاءِ، وَأَمْثَالَ ذَلِكَ كَمَا صَدَرَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ لَا يُنَافِي الرِّضَا بِالْقَضَاءِ أَبَدًا، وَلَا التَّسْلِيمَ لِمَا فِي الْأَزَلِ أَبَدًا.
(قَالَ) أَيِ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فَلَمَّا جَاوَزْتُ) ، أَيْ: مُوسَى وَتَرَكْتُ الْمُرَاجَعَةَ (نَادَى مُنَادٍ) أَيْ: حَاكِيًا كَلَامَ رَبِّي (أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي) أَيْ: أَحْكَمْتُهَا وَأَنْفَدْتُهَا أَوَّلًا. (وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي) . أَيْ: ثَانِيًا وَسَيَأْتِي لِهَذَا تَتِمَّةٌ مَعْرِفَتُهَا مُهِمَّةٌ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute