تَعَالَى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} [الحديد: ١٦] (قُلْتُ: بَلَى. قَالَ) أَيْ: أَبُو بَكْرٍ (فَارْتَحَلْنَا بَعْدَ مَا مَالَتِ الشَّمْسُ) أَيْ: مِنْ وَسَطِ السَّمَاءِ، وَحَصَلَ بَرْدُ الْهَوَاءِ (وَاتَّبَعَنَا) : بِتَشْدِيدِ التَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِهَمْزَةِ قَطْعٍ وَسُكُونِ فَوْقِيَّةٍ أَيْ: وَقَدْ لَحِقَنَا (سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ) : بِضَمِّ السِّينِ. قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي فَصْلِ الصَّحَابَةِ: هُوَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ الْمُدْلِجِيُّ الْكِنَانِيُّ، كَانَ يَنْزِلُ قُدَيْدًا، وَيُعَدُّ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ، رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ، وَكَانَ شَاعِرًا مُجِيدًا (فَقُلْتُ: أُتِينَا) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ: أَتَانَا الْعَدُوُّ (يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَقَالَ: لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا. فَدَعَا عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَارْتَطَمَتْ بِهِ فَرَسُهُ) أَيْ: سَاخَتْ قَوَائِمُهَا كَمَا تَسُوخُ فِي الرَّمْلِ (إِلَى بَطْنِهَا فِي جَلَدٍ) : بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ: صُلْبٌ مِنَ الْأَرْضِ (فَقَالَ: إِنِّي أَرَاكُمَا) : بِفَتْحِ الْهَمْزِ مِنَ الرَّأْيِ (دَعَوْتُمَا عَلَيَّ) ، أَيْ بِالْمَضَرَّةِ (فَادْعُوَا لِي) ؟ أَيْ بِالْمَنْفَعَةِ وَالنَّجَاةِ مِنَ الْمَشَقَّةِ (فَاللَّهُ لَكُمَا) : بِالرَّفْعِ وَفِي نُسْخَةٍ بِالنَّصْبِ. قَالَ شَارِحٌ: هُوَ مَرْفُوعٌ بِالِابْتِدَاءِ أَيْ: فَاللَّهُ كَفِيلٌ عَلَيَّ لَكُمَا أَنْ لَا أَهُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ لِغَدْرِكُمَا، أَوْ فَاللَّهُ مُسْتَجِيبٌ وَالْفَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ، وَقَوْلُهُ: (أَنْ أَرُدَّ عَنْكُمَا الطَّلَبَ) ، مُتَعَلِّقٌ بِادْعُوَا أَيْ: لِأَنْ أَرُدَّ أَوْ مَنْصُوبٌ بِإِضْمَارِ فِعْلٍ، أَيْ: أَسْأَلُ اللَّهَ لَكُمَا أَنْ أَرُدَّ عَنْكُمَا الطَّالِبَ أَيْ: طَلَبَ الْكُفَّارِ الَّذِينَ طَلَبُوكُمَا. وَقَالَ الْأَشْرَفُ: الْجَارُّ مَحْذُوفٌ. وَتَقْدِيرُهُ: بِأَنْ أَرُدَّ. وَقَوْلُهُ: فَاللَّهُ لَكُمَا حَشْوٌ بَيْنَهُمَا. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: فَاللَّهُ مُبْتَدَأٌ، وَلَكُمَا خَبَرُهُ، وَقَوْلُهُ: أَنْ أَرُدَّ خَبَرٌ ثَانٍ لِلْمُبْتَدَأِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: مَعْنَاهُ فَادْعُوَا لِي كَيْ لَا يَرْتَطِمَ فَرَسِي عَلَى أَنْ أَتْرُكَ طَلَبَكُمَا وَلَا أَتْبَعْكُمَا بَعْدُ، ثُمَّ دَعَا لَهُمَا بِقَوْلِهِ: فَاللَّهُ لَكُمَا أَيِ: اللَّهُ تَعَالَى حَافِظُكُمَا وَنَاصِرُكُمَا حَتَّى تَبْلُغَا بِالسَّلَامَةِ إِلَى مَقْصِدِكُمَا، أَيْ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ ادْعُوَا لِي حَتَّى أَنْصَرِفَ عَنْكُمَا، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ تَكَفَّلَ بِحِفْظِكُمَا عَنِّي وَحَبَسَنِي عَنِ الْبُلُوغِ إِلَيْكُمَا. قَالَ الطِّيبِيُّ: الْفَاءُ فِي (فَاللَّهُ) تَقْتَضِي مَا يَتَرَتَّبُ بَعْدَهَا عَلَيْهِ، فَالتَّقْدِيرُ ادْعُوَا لِي بِأَنْ أَتَخَلَّصَ مِمَّا أَنَا فِيهِ، فَإِنَّكُمَا إِنْ فَعَلْتُمَا فَاللَّهُ أَشْهَدُ لِأَجْلِكُمَا أَنْ أَرُدَّ عَنْكُمَا الطَّلَبَ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّقْدِيرَ مَا فِي شَرْحِ السُّنَّةِ، وَاللَّهِ عَلَى الْقَسَمِ أَيْ: أُقْسِمُ بِاللَّهِ لَكُمَا عَلَى أَنْ أَرُدَّ الطَّلَبَ عَنْكُمَا.
(فَدَعَا لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَجَا) ، أَيْ: فَتَخَلَّصَ مِنَ الْعَنَاءِ كَمَا رَجَا (فَجَعَلَ) أَيْ: فَشَرَعَ فِي الْوَفَاءِ بِمَا وَعَدَ (لَا يَلْقَى أَحَدًا) أَيْ: مِنْ وَرَائِهِمَا (إِلَّا قَالَ: كُفِيتُمْ) ، بِصِيغَةِ الْمَفْعُولِ، وَفِي نُسْخَةٍ: لَقَدْ كُفِيتُمْ أَيْ، اسْتَغْنَيْتُمْ عَنِ الطَّلَبِ فِي هَذَا الْجَانِبِ، لِأَنِّي كَفَيْتُكُمْ ذَلِكَ (مَا هَاهُنَا) أَيْ: لَيْسَ هَاهُنَا (أَحَدٌ) : فَمَا: نَافِيَةٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ، مَا هَاهُنَا بِمَعْنَى الَّذِي أَيْ كُفِيتُمُ الَّذِي هَاهُنَا اهـ. وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، وَهُوَ أَوْلَى لِمَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ التَّأْكِيدُ كَمَا لَا يَخْفَى، كَقَوْلِهِ: (فَلَا يَلْقَى أَحَدًا إِلَّا رَدَّهُ) . أَيْ بِهَذَا الْمَعْنَى (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) . قَالَ النَّوَوِيُّ: فِيهِ فَوَائِدُ: مِنْهَا هَذِهِ الْمُعْجِزَةُ الظَّاهِرَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْفَضِيلَةُ الْبَاهِرَةُ لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ، وَفِيهِ خِدْمَةُ التَّابِعِ لِلْمَتْبُوعِ، وَاسْتِصْحَابُ الرِّكْوَةِ وَنَحْوِهَا فِي السَّفَرِ لِلطَّهَارَةِ وَالشُّرْبِ، وَفِيهِ فَضْلُ التَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَحُسْنُ عَاقِبَتِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute