للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مَبْعُوثٌ إِلَى كَافَّةِ الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ. (فَقَالَ لَهُ أَشْيَاخٌ مِنْ قُرَيْشٍ: مَا عِلْمُكَ) ؟ أَيْ: مَا سَبَبُ عِلْمِكَ وَبَيَانُ كَيْفِيَّتِهِ (فَقَالَ: إِنَّكُمْ حِينَ أَشْرَفْتُمْ مِنَ الْعَقَبَةِ لَمْ يَبْقَ شَجَرٌ وَلَا حَجَرٌ إِلَّا خَرَّ، أَيْ: سَقَطَ (سَاجِدًا) ، أَيْ: مُتَوَاضِعًا إِلَيْهِ (وَلَا يَسْجُدُ إِلَّا لِنَبِيٍّ) ، أَيْ: عَظِيمٍ وَرَسُولٍ كَرِيمٍ (وَإِنِّي أَعْرِفُهُ) ، أَيِ: النَّبِيَّ أَيْضًا (بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ) : بِفَتْحِ التَّاءِ وَيُكْسَرُ وَالنُّبُوَّةِ بِالْإِدْغَامِ وَيُهْمَزُ (أَسْفَلَ) : بِالنَّصْبِ أَيْ: فِي مَكَانٍ أَسْفَلَ (مِنْ غُضْرُوفِ كَتِفِهِ) : بِضَمَّتَيْنِ، وَهُوَ رَأْسُ لَوْحِ الْكَتِفِ (مِثْلَ التُّفَّاحَةِ) : بِالنَّصْبِ، وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ بِالرَّفْعِ، وَفِي أُخْرَى بِالْجَرِّ عَلَى أَنَّهُ صِفَةُ خَاتَمٍ ذَكَرَهُ شَارِحٌ، وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: يَرْوِي بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ مَحْذُوفٌ، وَبِالنَّصْبِ عَلَى إِضْمَارِ الْفِعْلِ، وَيَجُوزُ الْجَرُّ عَلَى الْإِبْدَالِ دُونَ الصِّفَةِ لِأَنَّ مِثْلًا وَغَيْرًا لَا يَتَعَارَفَانِ بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْمَعْرِفَةِ، (ثُمَّ رَجَعَ) ، أَيِ: الرَّاهِبُ (فَصَنَعَ لَهُمْ طَعَامًا، فَلَمَّا أَتَاهُمْ بِهِ) ، أَيْ: بِالطَّعَامِ (وَكَانَ هُوَ) ، أَيِ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فِي رِعْيَةِ الْإِبِلِ) : بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ أَيْ: فِي رِعَايَتِهَا (قَالَ) ، أَيِ: الرَّاهِبُ (أَرْسِلُوا إِلَيْهِ) ، أَيْ: فَإِنَّ الْمَدَارَ عَلَيْهِ (فَأَقْبَلَ) ، أَيْ: بَعْدَ الْإِرْسَالِ أَوْ قَبْلَهُ (وَعَلَيْهِ غَمَامَةٌ) . أَيْ: سَحَابَةٌ (تُظِلُّهُ) . أَيْ: تَجْعَلُهُ تَحْتَ ظِلِّهِ.

(فَلَمَّا دَنَا مِنَ الْقَوْمِ) ، أَيْ: قَرُبَ مِنْهُمْ (وَجَدَهُمْ) ، أَيْ: وَجَدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقَوْمَ (قَدْ سَبَقُوهُ إِلَى فَيْءِ شَجَرَةٍ) ، أَيْ: إِلَى ظِلِّهَا (فَلَمَّا جَلَسَ مَالَ فَيْءُ الشَّجَرَةِ عَلَيْهِ) ، أَيْ: زِيَادَةً عَلَى ظِلِّ السَّحَابَةِ. أَوْ زَالَتِ السَّحَابَةُ وَمَالَتِ الشَّجَرَةُ إِظْهَارًا لِلْخَارِقِينَ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: قَوْلُهُ عَلَيْهِ أَيْ وَاقِعًا ظِلُّهُ عَلَيْهِ (قَالَ) ، أَيِ: الرَّاهِبُ لِلْقَوْمِ (انْظُرُوا إِلَى فَيْءِ الشَّجَرَةِ مَالَ عَلَيْهِ) ، أَيْ: إِنْ كُنْتُمْ مَا تَنْظُرُونَ إِلَى مِظَلَّةِ السَّمَاءِ فَانْظُرُوا إِلَى مِظَلَّةِ الْأَرْضِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَعْمَاهُمْ عَمَاءَهُمْ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ} [الأعراف: ١٩٨] وَأَظْهَرَ هَذَا الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: ٤٦] (فَقَالَ) ، أَيِ: الرَّاهِبُ (أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ) : بِنَصْبِ الْجَلَالَةِ وَبِضَمِّ الشِّينِ أَيْ أَحْلِفُ عَلَيْكُمْ بِاللَّهِ، وَقِيلَ، أَيْ: أَطْلُبُ مِنْكُمْ بِاللَّهِ جَوَابَ هَذَا السُّؤَالِ، وَبَطَلَ عَمَلُ الْفِعْلِ لِلتَّعْلِيقِ بِالِاسْتِفْهَامِ فِي قَوْلِهِ: (أَيُّكُمْ وَلِيُّهُ) ؟ أَيْ قَرِيبُهُ وَالْجُمْلَةُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ (قَالُوا: أَبُو طَالِبٍ) ، أَيْ: وَلِيُّهُ (فَلَمْ يَزَلْ) ، أَيِ: الرَّاهِبُ (يُنَاشِدُهُ) ، أَيْ: يُنَاشِدُ أَبَا طَالِبٍ وَيُطَالِبُ رَدَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ خَوْفًا عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الرُّومِ أَنْ يَقْتُلُوهُ فِي الشَّامِ وَيَقُولُ لِأَبِي طَالِبٍ: بِاللَّهِ عَلَيْكَ أَنْ تَرُدَّ مُحَمَّدًا إِلَى مَكَّةَ وَتَحْفَظَهُ مِنَ الْعَدُوِّ، (حَتَّى رَدَّهُ أَبُو طَالِبٍ) ، أَيْ إِلَى مَكَّةَ - شَرَّفَهَا اللَّهُ - (وَبَعَثَ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ بِلَالًا) ، وَفِي رِوَايَةِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: فَرَدَدْتُهُ مَعَ رِجَالٍ، وَكَانَ فِيهِمْ بِلَالٌ أَخْرَجَهُ رَزِينٌ، (وَزَوَّدَهُ الرَّاهِبُ مِنَ الْكَعْكِ) : وَهُوَ الْخُبْزُ الْغَلِيظُ عَلَى مَا فِي الْأَزْهَارِ قَالَ شَارِحٌ: هُوَ نَوْعٌ مِنَ الْخُبْزِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: هُوَ الْخُبْزُ وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ، وَكَذَا فِي الْقَامُوسِ (وَالزَّيْتِ) . أَيْ لَإِدَامِ ذَلِكَ الْخُبْزِ، وَقَدْ وَرَدَ مِنْ طُرُقٍ رَوَاهَا أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ: ( «كُلُوا الزَّيْتَ وَادَّهِنُوا بِهِ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ» ) . (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) ، أَيْ وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَقَالَ الْجَزَرِيُّ: إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ، أَوْ أَحَدُهَا. وَذِكْرُ أَبِي بَكْرٍ وَبِلَالٍ فِيهِ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَعَدَّهُ أَئِمَّتُنَا وَهْمًا وَهُوَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ سِنَّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذْ ذَاكَ اثْنَا عَشْرَةَ سَنَةً، وَأَبُو بَكْرٍ أَصْغَرُ مِنْهُ بِسَنَتَيْنِ، وَبِلَالٌ لَعَلَّهُ لَمْ يَكُنْ وُلِدَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ اهـ.

وَقَالَ فِي مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ، قِيلَ: مِمَّا يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ هَذَا الْحَدِيثِ قَوْلُهُ: وَبَعَثَ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ بِلَالًا، وَبِلَالٌ لَمْ يُخْلَقْ بَعْدُ، وَأَبُو بَكْرٍ كَانَ صَبِيًّا اهـ. وَضَعَّفَ الذَّهَبِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ لِقَوْلِهِ: وَبَعَثَ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ بِلَالًا، فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذْ ذَاكَ مَا اشْتَرَى بِلَالًا. وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْإِصَابَةِ: الْحَدِيثُ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَلَيْسَ فِيهِ سِوَى هَذِهِ اللَّفْظَةِ، فَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا مُدْرَجَةٌ فِيهِ مُنْقَطِعَةٌ مِنْ حَدِيثٍ آخَرَ وَهْمًا مِنْ أَحَدِ رُوَاتِهِ، كَذَا فِي الْمَوَاهِبِ اللَّدُنِّيَّةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ إِيرَادَ هَذَا الْحَدِيثِ بِبَابِ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ كَانَ أَوْفَقَ لِلتَّحْقِيقِ، وَاللَّهُ وَلِيُّ التَّوْفِيقِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>