الْفَصْلُ الثَّانِي
٥٩١٨ - عَنْ أَبِي مُوسَى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «خَرَجَ أَبُو طَالِبٍ إِلَى الشَّامِ، وَخَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَشْيَاخٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَلَمَّا أَشْرَفُوا عَلَى الرَّاهِبِ هَبَطُوا، فَحَلُّوا رِحَالَهُمْ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمُ الرَّاهِبُ، وَكَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ يَمُرُّونَ بِهِ فَلَا يَخْرُجُ إِلَيْهِمْ، قَالَ: فَهُمْ يَحُلُّونَ رِحَالَهُمْ، فَجَعَلَ يَتَخَلَّلُهُمُ الرَّاهِبُ، حَتَّى جَاءَ فَأَخَذَ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: هَذَا سَيِّدُ الْعَالَمِينَ، هَذَا سَيِّدُ الْعَالِمِينَ، يَبْعَثُهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْعَالِمِينَ.
فَقَالَ لَهُ أَشْيَاخٌ مِنْ قُرَيْشٍ: مَا عِلْمُكَ؟ فَقَالَ: إِنَّكُمْ حِينَ أَشْرَفْتُمْ مِنَ الْعَقَبَةِ لَمْ يَبْقَ شَجَرٌ وَلَا حَجَرٌ إِلَّا خَرَّ سَاجِدًا. وَلَا يَسْجُدَانِ إِلَّا لِنَبِيٍّ، وَإِنِّي أَعْرِفُهُ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ أَسْفَلَ مِنْ غُضْرُوفِ كَتِفِهِ مِثْلَ التُّفَّاحَةِ، ثُمَّ رَجَعَ فَصَنَعَ لَهُمْ طَعَامًا، فَلَمَّا أَتَاهُمْ بِهِ، وَكَانَ هُوَ فِي رِعْيَةِ الْإِبِلِ، فَقَالَ: أَرْسِلُوا إِلَيْهِ فَأَقْبَلَ وَعَلَيْهِ غَمَامَةٌ تُظِلُّهُ. فَلَمَّا دَنَا مِنَ الْقَوْمِ وَجَدَهُمْ قَدْ سَبَقُوهُ إِلَى فَيْءِ شَجَرَةٍ، فَلَمَّا جَلَسَ مَالَ فَيْءُ الشَّجَرَةِ عَلَيْهِ، فَقَالَ: انْظُرُوا إِلَى فَيْءِ الشَّجَرَةِ مَالَ عَلَيْهِ. فَقَالَ: أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ أَيُّكُمْ وَلِيُّهُ؟ قَالُوا: أَبُو طَالِبٍ. فَلَمْ يَزَلْ يُنَاشِدُهُ حَتَّى رَدَّهُ أَبُو طَالِبٍ وَبَعَثَ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ بِلَالًا وَزَوَّدَهُ الرَّاهِبُ مِنَ الْكَعْكِ وَالزَّيْتِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
ــ
٥٩١٨ - (عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: خَرَجَ أَبُو طَالِبٍ إِلَى الشَّامِ، وَخَرَجَ مَعَهُ النَّبِيُّ فِي أَشْيَاخٍ مِنْ قُرَيْشٍ) ، أَيْ: فِي جُمْلَتِهِمْ، وَالْمُرَادُ مِنْهُمْ أَكَابِرُهُمْ أَوْ لِسِنِّهِمْ (فَلَمَّا أَشْرَفُوا) ، أَيْ: طَلَعُوا (عَلَى الرَّاهِبِ) : اسْمُهُ بُحَيْرَاءُ، وَهُوَ بِضَمِّ الْبَاءِ وَفَتْحِ الْحَاءِ مَمْدُودًا عَلَى الْمَشْهُورِ، لَكِنْ ضَبَطَهُ الشَّيْخُ الْجَزَرِيُّ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَيَاءٍ سَاكِنَةٍ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَأَلِفٍ مَقْصُورَةٍ، وَهُوَ زَاهِدُ النَّصَارَى قَالَهُ شَارِحٌ. وَقَالَ الْمُظْهِرُ: وَكَانَ أَعْلَمَ بِالنَّصْرَانِيَّةِ، وَكَذَا ذَكَرَهُ الْجَزَرِيُّ وَالْجَمْعُ بِأَنَّهُ لَا مَنْعَ مِنَ الْجَمْعِ (هَبَطُوا) ، أَيْ: نَزَلُوا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَهُوَ بُصْرَى مِنْ بِلَادِ الشَّامِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُظْهِرُ، (فَحَلُّوا رِحَالَهُمْ) ، أَيْ: فَفَتَحُوهَا (فَخَرَجَ إِلَيْهِمُ الرَّاهِبُ، وَكَانُوا) ، أَيِ: النَّاسُ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ (قَبْلَ ذَلِكَ يَمُرُّونَ بِهِ) ، أَيْ: بِمَكَانِهِ (فَلَا يَخْرُجُ إِلَيْهِمْ، قَالَ) ، أَيِ: الرَّاوِي (فَهُمْ يَحُلُّونَ رِحَالَهُمْ) ، إِشْعَارٌ بِأَنَّ خُرُوجَهُ وَنُزُولَهُ عَلَيْهِمْ فِي أَوَّلِ حُلُولِهِمْ وَوُصُولِهِمْ (فَجَعَلَ يَتَخَلَّلُهُمُ الرَّاهِبُ) ، أَيْ: أَخَذَ يَمْشِي فِيمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَيَطْلُبُ فِي خِلَالِهِمْ شَخْصًا (حَتَّى جَاءَ فَأَخَذَ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ) : اسْتِئْنَافُ بَيَانٍ (هَذَا سَيِّدُ الْعَالَمِينَ) ، أَيْ: عَلَى الْإِطْلَاقِ (هَذَا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ) ، أَيْ: إِلَى الْعَالَمِينَ جَمِيعِهِمْ نَظَرًا إِلَى السَّابِقَةِ وَاللَّاحِقَةِ، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (يَبْعَثُهُ اللَّهُ) أَيْ: يُرْسِلُهُ أَوْ يُظْهِرُ رِسَالَتَهُ (رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) : لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: ١٠٧] وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute