قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: هِيَ بِكَسْرِ الْحَاءِ أَيِ: الْخِرْقَةُ، وَقَدْ تَكُونُ اسْمًا مِنَ الْحَيْضِ وَنَوْعًا مِنْهُ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِالْقَرَائِنِ السَّابِقَةِ، وَبِالْفَتْحِ الْمَرْأَةُ تُرِيدُ أَنَّهَا يُصِيبُهَا مِنْ دَمِ الْحَيْضِ شَيْءٌ (كَيْفَ تَصْنَعُ؟) : مُتَعَلِّقٌ بِالِاسْتِخْبَارِ أَيْ: أَخْبِرْنَا كَيْفَ تَصْنَعُ إِحْدَانَا (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِذَا أَصَابَ ثَوْبُ إِحْدَاكُنَّ الدَّمُ مِنَ الْحَيْضِ» ) : ذِكْرُ الثَّوْبِ لَيْسَ لِلتَّقْيِيدِ، بَلْ لِمُوَافَقَةِ الْوَاقِعِ، فَلَا يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ (فَلْتَقْرُصْهُ) : بِضَمِّ الرَّاءِ وَسُكُونِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ (ثُمَّ لِتَنْضَحْهُ) : بِكَسْرِ اللَّامِ وَتُسَكَّنُ، وَفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَتُكْسَرُ. قَالَ فِي شَمْسِ الْعُلُومِ: نَضَحَ بِالْفَتْحِ يَنْضَحُ كَذَلِكَ، وَبِالْكَسْرِ أَيْضًا بِمَاءٍ. فِي النِّهَايَةِ، الْقَرْصُ: الدَّلْكُ بِأَطْرَافِ الْأَصَابِعِ وَالْأَظْفَارِ مَعَ صَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ حَتَّى يَذْهَبَ أَثَرُهُ، وَهُوَ أَبْلَغُ فِي غَسْلِ الدَّمِ، وَالنَّضْحُ يُسْتَعْمَلُ فِي الصَّبِّ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا قَالَهُ الطِّيبِيُّ. قِيلَ: لِأَنَّ الرَّشَّ مَعَ بَقَاءِ أَثَرِ الدَّمِ لَا يَزْدَادُ إِلَّا نَجَاسَةً. وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: أَيْ فَلْتَمَسَحْهُ بِيَدِهَا مَسْحًا شَدِيدًا قَبْلَ الْغَسْلِ حَتَّى يَتَفَتَّتَ، ثُمَّ لِتَنْضَحْهُ أَيْ: لِتَغْسِلْهُ بِمَاءٍ، بِأَنْ تَصُبَّ عَلَيْهِ شَيْئًا فَشَيْئًا حَتَّى يَذْهَبَ أَثَرُهُ تَخْفِيفًا لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ.
قُلْتُ: وَيُؤَيِّدُهُ خَبَرُ: حُتِّيهِ ثُمَّ اقْرُصِيهِ، لَكِنْ يُسْتَثْنَى مَا لَوْ عَسُرَتْ إِزَالَةُ الْأَثَرِ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، لَمَّا سُئِلَ عَنْ بَقَاءِ الْأَثَرِ: الْمَاءُ يَكْفِيكِ وَلَا يَضُرُّكِ أَثَرُهُ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا لَكِنَّهُ اعْتَضَدَ بِخَبَرِ جَمَاعَةٍ «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ سَأَلَتْهُ امْرَأَةٌ عَنْ دَمِ الْحَيْضِ تَغْسِلُهُ فَيَبْقَى أَثَرُهُ فَقَالَ (يَكْفِيكِ وَلَا يَضُرُّكِ أَثَرُهُ) (ثُمَّ لِتُصَلِّي فِيهِ» ) : أَيْ: فِي ذَلِكَ الثَّوْبِ، فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بَعْدَ هَذَا ; لِأَنَّ إِزَالَةَ لَوْنِ الدَّمِ مُتَعَسِّرَةٌ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : قَالَ الْخَطَّابِيُّ: فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى تَعْيِينِ الْمَاءِ فِي إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ ; لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَمَرَهَا بِإِزَالَةِ الْحَيْضَةِ بِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ النَّجَاسَاتِ إِجْمَاعًا اهـ. وَفِيهِ أَنَّهُ لَا تَعْيِينَ بِطْرِيقِ الْحَصْرِ، بَلْ ذَكْرُهُ وَاقِعِيٌّ غَالِبِيٌّ أَوْ يَقِيسُ عَلَيْهِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنَ الْمَائِعِ الْمُزِيلِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute