٥٩٦١ - وَعَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ يَتَغَشَّاهُ الْكَرْبُ. فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: وَاكَرْبَ آبَاهْ فَقَالَ لَهَا: (لَيْسَ عَلَى أَبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ الْيَوْمِ) . فَلَمَّا مَاتَ قَالَتْ: يَا أَبَتَاهُ! أَجَابَ رَبًّا دَعَاهُ، يَا أَبَتَاهُ! مَنْ جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ مَأْوَاهُ، يَا أَبَتَاهُ! إِلَى جِبْرَئِيلَ نَنْعَاهُ. فَلَمَّا دُفِنَ قَالَتْ فَاطِمَةُ: يَا أَنَسُ! أَطَابَتْ أَنْفُسُكُمْ أَنْ تَحْثُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التُّرَابَ» ؟ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ــ
٥٩٦١ - (وَعَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: لِمَا ثَقُلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَضَمِّ قَافٍ أَيِ: اشْتَدَّ مَرَضُهُ (جَعَلَ، أَيْ: طَفِقَ (يَتَغَشَّاهُ الْكَرْبُ) : وَفِي الْمَصَابِيحِ: يَتَغَشَّى بِلَا ضَمِيرٍ وَبِلَا لَفْظِ الْكَرْبِ وَقَالَ شَارِحٌ لَهُ، أَيْ: يَتَغَطَّى وَيَتَسَتَّرُ بِالثَّبَاتِ، وَقِيلَ أَيْ: يُغْشَى عَلَيْهِ مِنْ شِدَّةِ الْمَرَضِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ جَعَلَ يَتَغَشَّاهُ الْكَرْبُ، وَهُوَ بِالْفَتْحِ وَسُكُونِ الرَّاءِ الْغَمُّ الَّذِي يَأْخُذُ بِالنَّفْسِ. أَقُولُ: وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ: (قَالَتْ فَاطِمَةُ) ، أَيْ: بِنْتُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - (وَاكَرْبَ أَبَاهْ) ! بِسُكُونِ الْهَاءِ لِلسَّكْتِ وَالْأَلِفُ قَبْلَهُ لِلنُّدْبَةِ وَسِيلَةٌ لِمَدِّ الصَّوْتِ فِي الْكَلِمَةِ الْمُفِيدَةِ لِلْمُبَالَغَةِ فَقَالَ: (لَيْسَ عَلَى أَبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ الْيَوْمِ) . يَعْنِي أَنَّ الْكَرْبَ كَانَ بِسَبَبِ شِدَّةِ الْأَلَمِ وَصُعُوبَةِ الْوَجَعِ، وَبَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ لَا يَكُونُ ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْكَرْبَ كَانَ بِسَبَبِ الْعَلَائِقِ الْجُسْمَانِيَّةِ، وَبَعْدَ الْيَوْمِ تَنْقَطِعُ تِلْكَ الْعَلَائِقُ الصُّورِيَّةُ، وَلَا كَرْبَ فِي التَّعَلُّقَاتِ الرُّوحَانِيَّةِ الْمَعْنَوِيَّةِ. وَزَادَ التِّرْمِذِيُّ إِنَّهُ قَدْ حَضَرَ مِنْ أَبِيكِ مَا لَيْسَ بِتَارِكٍ مِنْهُ أَحَدٌ الْوَفَاةَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. أَيْ: هُوَ الْمَوْتُ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ. (فَلَمَّا مَاتَ قَالَتْ: يَا أَبَتَاهُ) ! قَالَ الطِّيبِيُّ: أَصْلُهُ يَا أَبِي أُبْدِلَتِ التَّاءُ مِنَ الْيَاءِ ; لِأَنَّهُمَا مِنْ حُرُوفِ الزَّوَائِدِ، وَالْأَلِفُ لِلنُّدْبَةِ لِمَدِّ الصَّوْتِ، وَالْهَاءُ لِلسَّكْتِ، وَلَا بُدَّ لِلنُّدْبَةِ مِنْ إِحْدَى الْعَلَامَتَيْنِ يَاءً أَوْ وَاوًا، لِأَنَّ النُّدْبَةَ لِإِظْهَارِ التَّوَجُّعِ وَمَدُّ الصَّوْتِ وَإِلْحَاقُ الْأَلْفِ فِي آخِرِهِ لِلْفَصْلِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النِّدَاءِ، وَزِيَادَةُ الْهَاءِ فِي الْوَقْفِ إِرَادَةُ بَيَانِ الْأَلِفِ لِأَنَّهَا خَفِيَّةٌ وَتُحْذَفُ فِي الْوَصْلِ. (أَجَابَ رَبًّا دَعَاهُ) ، أَيْ: إِلَى الْعُقْبَى، فَاخْتَارَهَا عَلَى الدُّنْيَا وَهُوَ بِضَمِّ هَاءِ الضَّمِيرِ وَيُسَكَّنُ فِي الْوَقْفِ مُرَاعَاةً لِلسَّجْعِ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْهَاءُ لِلسَّكْتِ عَلَى أَنَّ الْمَفْعُولَ مَحْذُوفٌ لِلْعِلْمِ بِهِ، لَكِنْ لَا يَسْتَقِيمُ هَذَا فِي قَوْلِهِ: (يَا أَبَتَاهُ! مِنْ جَنَّةِ الْفِرْدَوْسِ مَأْوَاهُ) ، فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ لِلضَّمِيرِ بِخِلَافِ قَوْلِهَا (يَا أَبَتَاهُ! إِلَى جِبْرِيلَ نَنْعَاهُ) . فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ الِاحْتِمَالَيْنِ، ثُمَّ قَوْلُهَا: مَنْ جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَرَفْعِ الْجَنَّةِ فِي الْأُصُولِ الْمُصَحَّحَةِ. وَفِي نُسْخَةٍ بِكَسْرِهَا وَخَفْضِ الْجَنَّةِ. قَالَ الْجَزَرِيُّ: بِفَتْحِ مِيمِ مَنْ عَلَى أَنَّهَا مَوْصُولَةٌ، وَيُحْتَمَلُ كَسْرُهَا عَلَى أَنَّهَا حَرْفُ جَرٍّ أَيْ: مَوْضِعُ قَرَارِهِ مِنْ جَنَّةِ الْفِرْدَوْسِ.
وَقَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ: مَنْ جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ فِي الْبُخَارِيِّ وَشَرْحِ السُّنَّةِ، وَقَعَ مَنْ مَوْصُولَةً. وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ وَقَعَتْ جَارَّةً، وَالْأَوَّلُ أَنْسَبُ لِأَنَّهُ مِنْ وَادِي قَوْلِهِمْ: وَامَنْ حَفَرَ بِئْرَ زَمْزَمَاهُ اهـ.
وَقَوْلُهُ: نَنْعَاهُ أَيْ: نُظْهِرُ خَبَرَ مَوْتِهِ إِلَيْهِ مِنَ النَّعْيِ كَذَا قَالَهُ شَارِحٌ. وَفِي الْأَزْهَارِ أَيْ: نَبْكِي إِلَيْهِ، وَقِيلَ نُعَزِّيهِ، وَقِيلَ نُخْبِرُهُ. أَقُولُ: وَأَوْسَطُهَا أَعْلَاهَا. (فَلَمَّا دُفِنَ قَالَتْ فَاطِمَةُ: يَا أَنَسُ! أَطَابَتْ أَنْفُسُكُمْ) ، أَيْ: أَهَانَتْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَيُّهَا الصَّحَابَةُ (أَنْ تَحْثُوا) : بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ أَيْ: تَكُبُّوَا (عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،) ، أَيْ: فَوْقَهُ (التُّرَابَ) ؟ وَمِمَّا يُنْسَبُ إِلَيْهَا فِي تَعْزِيَتِهَا
مَاذَا عَلَى مَنْ شَمَّ تُرْبَةَ أَحْمَدَ ... أَنْ لَا يَشُمَّ مَدَى الزَّمَانِ غَوَالِيَا
صُبَّتْ عَلَيَّ مَصَائِبُ لَوْ أَنَّهَا ... صُبَّتْ عَلَى الْأَيَّامِ صِرْنَ لَيَالِيَا
(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute