نُسْخَةٍ بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ أَيْ عَرِيسًا (بِبَعْضِ أَزْوَاجِكَ) . وَالْمَعْنَى إِنْ فَقَدْتَنِي وَعِشْتَ بَعْدِي تَفَرَّغْتَ لِغَيْرِي وَنَسِيتَنِي سَرِيعًا. يُقَالُ: عَرَّسَ وَأَعْرَسَ إِذَا بَنَى عَلَى زَوْجَتِهِ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ جِمَاعٍ ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَفِي النِّهَايَةِ: التَّعْرِيسُ نُزُولُ آخِرِ اللَّيْلِ، يُقَالُ: مِنْهُ عَرَّسَ وَأَعْرَسَ وَأَعْرَسَ الرَّجُلُ، فَهُوَ مُعَرِّسٌ بَنَى بِامْرَأَتِهِ، وَلَا يُقَالُ عَرَّسَ وَفِي الْقَامُوسِ: أَعْرَسَ اتَّخَذَ عَرُوسًا وَبِأَهْلِهِ بَنَى عَلَيْهَا، وَالْقَوْمُ نَزَلُوا فِي آخِرِ اللَّيْلِ لِلِاسْتِرَاحَةِ كَعَرَّسُوا وَهَذَا أَكْثَرُ.
(فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (بَلْ أَنَا وَارَأْسَاهْ!) بَلْ لِلْإِضْرَابِ أَيْ: دَعِي مَا تَجِدِينَ مِنْ وَجَعِ رَأْسِكِ وَاشْتَغِلِي بِي، فَإِنَّهُ أَهَمُّ مِنْ أَمْرِكِ، وَفِي تَوَافُقِ مِحْنَتِهِمَا إِيمَاءٌ إِلَى كَمَالِ مَحَبَّتِهِمَا عَلَى وَفْقِ خُرُوجِ الدَّمِ مِنْ بَدَنِ الْمَجْنُونِ الْعَامِرِيِّ وَقْتَ افْتِصَادِ لَيْلَى (لَقَدْ هَمَمْتُ) ، أَيْ: قَصَدْتُ (أَوْ أَرَدْتُ) : شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي (أَنْ أُرْسِلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَابْنِهِ) ، أَيْ: عَبْدِ الرَّحْمَنِ (وَأَعْهَدُ) ، أَيْ أُوصِي أَبَا بَكْرٍ بِالْخِلَافَةِ بَعْدِي وَأَجْعَلُهُ وَلِيَّ عَهْدِي (أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُونَ) ، أَيْ لِئَلَّا يَقُولَ الْقَائِلُونَ، أَوْ مَخَافَةَ أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُونَ: لَمْ يَعْهَدْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى أَبِي بَكْرٍ الْخِلَافَةَ الْكُبْرَى، وَبِهَا اقْتَصَرَ عَلَى الْخِلَافَةِ الصُّغْرَى، وَهِيَ الْإِمَامَةُ مَعَ أَنَّ فِيهَا الْإِشَارَةَ إِلَى إِقَامَةِ تِلْكَ الْأَمَانَةِ (أَوْ يَتَمَنَّى الْمُتَمَنُّونَ) ، أَيِ الْخِلَافَةَ لِغَيْرِهِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ أَوْ لِغَيْرِهِمْ، فَأَوْ لِلتَّفْرِيعِ لَا لِلشَّكِّ، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ، أَيْ: كَرَاهَةَ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: أَنَا أَحَقُّ مِنْهُ بِالْخِلَافَةِ، أَوْ يَتَمَنَّى أَحَدٌ أَنْ يَكُونَ الْخَلِيفَةُ غَيْرَهُ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: أَنْ يَقُولَ مَفْعُولٌ لَهُ عَلَى تَقْدِيرِ مَحْذُوفٍ أَيْ: أَجْعَلُ أَبَا بَكْرٍ وَلِيَّ عَهْدِي كَرَاهَةَ أَنْ يَقُولَ إِلَخْ. وَأَنْتَ تَعْرِفُ أَنَّ الْفِعْلَ الْمُعَلِّلَ مَذْكُورٌ وَهُوَ أَعْهَدُ، وَلَعَلَّهُ مَحْذُوفٌ فِي أَصْلِ الطِّيبِيِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(ثُمَّ قُلْتُ) ، أَيْ: فِي الْخَاطِرِ وَفِي الظَّاهِرِ (يَأْبَى اللَّهُ) ، أَيْ: إِلَّا خِلَافَتَهُ (وَيَدْفَعُ الْمُؤْمِنُونَ) ، أَيْ غَيْرَ خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ (أَوْ يَدْفَعُ اللَّهُ) : شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي (وَيَأْبَى الْمُؤْمِنُونَ) ، أَيْ أَيْضًا لِاسْتِخْلَافِي إِيَّاهُ فِي الْإِمَامَةِ الصُّغْرَى، فَإِنَّهَا أَمَارَةُ الْإِمَارَةِ الْكُبْرَى، كَمَا فَهِمَ بَعْضُ كُبَرَاءِ الصَّحَابَةِ حَيْثُ قَالَ عِنْدَ الْمُنَازَعَةِ: اخْتَارَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَمْرِ دِينِنَا أَفَلَا نَخْتَارُهُ لِأَمْرِ دُنْيَانَا ; فَهُنَا بُرْهَانٌ جَلِيٌّ، وَتِبْيَانٌ عَلِيٌّ عِنْدَ كُلِّ وَلِيٍّ، ثُمَّ فِي قَوْلِهِ: (وَيَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) . إِشَارَةٌ إِلَى تَكْفِيرِ مَنْ أَنْكَرَ حَقِّيَةَ خِلَافَةِ الصِّدِّيقِ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ بِالْمُؤْمِنِينَ أَكْثَرُهُمْ، فَفِيهِ إِثْبَاتُ مُخَالَفَتِهِمْ لِجُمْهُورِ الْمُسْلِمِينَ. وَقَالَ الْمَلَكُ، أَيْ: تَرَكْتُ الْإِيصَاءَ اعْتِمَادًا عَلَى أَنَّ اللَّهَ، تَعَالَى، يَأْبَى كَوْنَ غَيْرِهِ خَلِيفَةً، وَيَدْفَعُ الْمُؤْمِنُونَ غَيْرَهُ، وَفِيهِ فَضِيلَةٌ لِأَبِي بَكْرٍ وَإِخْبَارٌ بِمَا سَيَقَعُ، فَكَانَ كَمَا قَالَ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute