لَا يَصِحُّ حَمْلُ الْجُمْلَةِ الْإِنْشَائِيَةِ عَلَى الِاسْمِ الْمَرْفُوعِ بِالِابْتِدَائِيَّةِ. (وَأَسْلَمُ) : قَبِيلَةٌ أُخْرَى (سَالَمَهَا اللَّهُ) ، أَيْ صَنَعَ اللَّهُ بِهِمْ مَا يُرَافِقُهُمْ مِنْ أَمْرِ السَّلَامَةِ عَنِ الْمَكْرُوهِ (وَعُصَيَّةُ) : بِالتَّصْغِيرِ بَطْنٌ عَلَى مَا فِي (الْقَامُوسِ) ، وَالْمُرَادُ بِهِ قَبِيلَةٌ أَوْ جَمَاعَةٌ (عَصَتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) . وَفِي الْحَدِيثِ: إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ الْأَسْمَاءَ تَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: الْجُمْلَتَيْنِ الْأُولَيَانِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَا خَبَرِيَّتَيْنِ، وَأَنْ يُحْمَلَا عَلَى الدُّعَاءِ لَهُمَا. وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَعُصَيَّةُ عَصَتِ اللَّهَ، فَهُوَ إِخْبَارٌ وَلَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى الدُّعَاءِ، لَكِنَّ فِيهِ إِظْهَارَ شِكَايَةٍ مِنْهُمْ يَسْتَلْزِمُ الدُّعَاءَ عَلَيْهِمْ بِالْخِذْلَانِ لَا بِالْعِصْيَانِ. وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ قِيلَ: إِنَّمَا دَعَا لِغِفَارَ وَأَسْلَمَ لِأَنَّ دُخُولَهُمَا فِي الْإِسْلَامِ كَانَ مِنْ غَيْرِ حَرْبٍ، وَكَانَتْ غِفَارُ مُتَّهَمَةً بِسَرِقَةِ الْحُجَّاجِ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يَمْحُوَ عَنْهُمْ تِلْكَ السَّيِّئَةَ وَيَغْفِرَهَا لَهُمْ، وَأَمَّا عُصَيَّةُ فَهُمُ الَّذِينَ قَتَلُوا الْقُرَّاءَ بِبِئْرِ مَعُونَةَ، فَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْنُتُ عَلَيْهِمْ. وَفِي (شَرْحِ مُسْلِمٍ) لِلنَّوَوِيِّ قَالَ الْقَاضِي: هُوَ مِنْ حُسْنِ الْكَلَامِ وَالْمُجَانَسَةِ فِي الْأَلْفَاظِ مَأْخُوذٌ مِنْ سَالَمْتُهُ إِذَا لَمْ تَرَ فِيهِ مَكْرُوهًا، فَكَأَنَّهُ دَعَا لَهُمْ بِأَنْ يَضَعَ اللَّهُ عَنْهُمُ التَّعَبَ الَّذِي كَانُوا فِيهِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ، وَالْحَاكِمِ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: ( «أَسْلَمُ سَالَمَهَا اللَّهُ وَغِفَارُ غَفَرَ اللَّهُ لَهَا، أَمَا وَاللَّهِ مَا أَنَا قُلْتُهُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ قَالَهُ» ) . وَفِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَنْدَرَ بِلَفْظِ: ( «أَسْلَمُ سَالَمَهَا اللَّهُ وَغِفَارُ غَفَرَ اللَّهُ لَهَا، وَتُجِيبُ أَجَابُوا اللَّهَ» ) . فَفِي الْقَامُوسِ: تُجِيبُ ابْنُ كِنْدَةَ بَطْنٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute