للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ أَيْ: نَعْلَيَّ وَكَذَا ضَبَطَهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَ: هِيَ النَّعْلُ الَّتِي لَا شَعَرَ عَلَيْهَا. وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ سِبْتِيَّتَيَّ بِكَسْرٍ فَسُكُونِ فَكَسْرِ فَوْقِيَّةٍ فَتَشْدِيدِ تَحْتِيَّةِ فَفَتَحِ فَوْقِيَّةٍ فَتَحْتِيَّةٍ مُشَدَّدَةٍ، فَفِي النِّهَايَةِ: السِّبْتُ بِالْكَسْرِ الْجُلُودُ الْمَدْبُوغَةُ بِالْقَرْظِ، وَهُوَ بِالتَّحْرِيكِ وَرَقُ السِّلْمِ يُتَّخَذُ مِنْهَا النِّعَالُ أَيِ: السِّبْتِيَّةُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ شَعَرَهَا قَدْ سُبِتَ عَنْهَا أَيْ: حُلِقَ وَأُزِيلَ. وَقِيلَ: لِأَنَّهَا انْسَبَتَتْ بِالدِّبَاغِ أَيْ: لَانَتْ، وَيُقَالُ لِلنَّعْلِ الْمُتَّخَذِ مِنْهَا سِبْتٌ اتِّسَاعًا، وَمِنْهُ: يَا صَاحِبَ السِّبْتَيْنِ، وَيُرْوَى السِّبْتِيَّتَيْنِ عَلَى النَّسَبِ، وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: مَنْسُوبٌ إِلَى مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ: سُوقُ السَّبْتِ، وَفِي الْمَشَارِقِ قَوْلُهُ: أَرُونِي سِبْتِيَّتَيَّ، وَيَا صَاحِبَ السِّبْتِيَّتَيْنِ بِيَائَيْنِ، وَذَكَرَ الْهَرَوِيُّ بِيَاءٍ وَاحِدَةٍ مُخَفَّفَةٍ تَثْنِيَةُ سِبْتٍ انْتَهَى.

وَالْمَعْنَى ائْتُونِي بِهِمَا أَوْ قَدِّمُوهُمَا لِي (فَأَخَذَ نَعْلَيْهِ) أَيْ: فَلَبَسَهُمَا (ثُمَّ انْطَلَقَ يَتَوَذَّفُ) : بِالْوَاوِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ الْمُشَدَّدَةِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: مَعْنَاهُ يُسْرِعُ، وَقِيلَ: يَتَبَخْتَرُ (حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهَا) أَيْ: عَلَى أَسْمَاءَ (فَقَالَ: كَيْفَ رَأَيْتِنِي) : بِكَسْرِ التَّاءِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِإِشْبَاعِ كَسْرَتِهَا يَاءٌ أَيْ: كَيْفَ وَجَدْتِنِي (صَنَعْتُ بِعَدُوِّ اللَّهِ) ؟ أَرَادَ بِهِ ابْنَهَا عَلَى زَعْمِهِ الْفَاسِدِ، وَاعْتِقَادِهِ الْكَاسِدِ (قَالَتْ: رَأَيْتُكَ أَفْسَدْتَ عَلَيْهِ دُنْيَاهُ، وَأَفْسَدَ عَلَيْكَ آخِرَتَكَ) . وَالْإِسْنَادُ سَبَبِيٌّ فِيهِمَا (ثُمَّ قَالَتْ: بَلَغَنِي أَنَّكَ تَقُولُ لَهُ) أَيْ: فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَمَاتِهِ (يَا ابْنَ ذَاتِ النِّطَاقَيْنِ) : بِكَسْرِ النُّونِ وَهُوَ مَا تَشُدُّ بِهِ الْمَرْأَةُ وَسَطَهَا عِنْدَ مُعَانَاةِ الْأَشْغَالِ، لِتَرْفَعَ بِهِ ثَوْبَهَا، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا قَطَعَتْ نِطَاقَهَا نِصْفَيْنِ عِنْدَ مُهَاجَرَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشَدَّتْ بِأَحَدِهِمَا قِرْبَتَهُ، وَبِالْآخَرِ سُفْرَتَهُ، فَسَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَئِذٍ ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ، وَقِيلَ: شَدَّتْ بِأَحَدِهِمَا سُفْرَتَهُ، وَبِالْآخَرِ وَسَطَهَا لِلشُّغْلِ، وَكَانَ الْحَجَّاجُ مِنْ خُبْثِهِ حَمَلَ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَقِّهَا ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ عَلَى الذَّمِّ، وَأَنَّهَا خَدَّامَةٌ وَخَرَّاجَةٌ وَلَاجَّةٌ تَشُدُّ نِطَاقَهَا لِلْخِدْمَةِ، فَكَأَنَّهَا سَلَّمَتْ أَنَّهَا ذَاتُ نِطَاقَيْنِ، وَلَكِنْ نِطَاقٌ لَيْسَ هَذَا شَأْنُهُ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهَا: (أَنَا وَاللَّهِ ذَاتُ النِّطَاقَيْنِ: أَمَّا أَحَدُهُمَا، فَكُنْتُ أَرْفَعُ بِهِ طَعَامَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَطَعَامَ أَبِي بَكْرٍ مِنَ الدَّوَابِّ) : مُتَعَلِّقٌ بِأَرْفَعَ أَيْ: أَرْبُطُ بِهِ سُفْرَةَ طَعَامِهِمَا، وَأُعَلِّقُهَا مَرْفُوعَةً خَشْيَةً مِنَ الدَّوَابِّ كَالْفَأْرَةِ وَالذَّرَّةِ وَنَحْوِهِمَا. (وَأَمَّا الْآخَرُ، فَنِطَاقُ الْمَرْأَةِ الَّتِي لَا تَسْتَغْنِي عَنْهُ) . إِمَّا لِخِدْمَتِهَا الْمُتَعَارَفَةِ فِي بَيْتِهَا الْمَمْدُوحَةِ فِي حَقِّهَا، وَإِمَّا لِرَبْطِهَا فِي وَسَطِهَا إِبْقَاءً لِحَالِهَا خَشْيَةَ أَنْ تَصِيرَ بَطُونِيَّةً، كَمَا هُوَ الْآنَ عَادَةُ الْعَرَبِ مِنَ الْحِزَامِ، الْمَصْنُوعِ مِنَ الْجِلْدِ لِلْفُقَرَاءِ، وَأَلْحَقُوا بِهِ الْمَصْنُوعَ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِلْأَغْنِيَاءِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} [التوبة: ٦١] كَأَنَّهُ قِيلَ: نَعَمْ هُوَ أُذُنٌ كَمَا قُلْتُمْ إِلَّا أَنَّهُ أُذُنُ خَيْرٍ لَا أُذُنُ شَرٍّ، فَسَلَّمَ لَهُمْ قَوْلَهُمْ فِيهِ: إِلَّا أَنَّهُ فَسَّرَ. بِمَا هُوَ مَدْحٌ وَإِنْ كَانُوا قَصَدُوا بِذَلِكَ الْمَذَمَّةَ. (أَمَا) : بِالتَّخْفِيفِ لِلتَّنْبِيهِ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدَّثَنَا أَنَّ) : بِالْفَتْحِ وَجُوِّزَ الْكَسْرُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمُحَدِّثِ ( «فِي ثَقِيفٍ كَذَّابًا وَمُبِيرًا» ) ، أَيْ: مُفْسِدًا (فَأَمَّا الْكَذَّابُ فَرَأَيْنَاهُ) . تَعْنِي الْمُخْتَارَ (وَأَمَّا الْمُبِيرُ فَلَا إِخَالُكَ) : بِكَسْرِ الْهَمْزِ وَتُفْتَحُ أَيْ: فَلَا أَظُنُّكَ (إِلَّا إِيَّاهُ) أَيْ: ذَلِكَ الْمُبِيرَ.

قَالَ الطِّيبِيُّ: الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ: لَا إِخَالُهُ إِلَّا إِيَّاكَ فَقَدَّمَ ثَانِي مَفْعُولَيْهِ اهْتِمَامًا، وَأَنَّ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ بِهَذَا الْحُكْمِ هُوَ لَا أَنَّ الْمُبِيرَ مَنْ هُوَ فَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى قَوْلِهِ: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ} [الأنعام: ١٠٠] قَدَّمَ شُرَكَاءَ وَهُوَ الْمَفْعُولُ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ، وَهُوَ الْجِنُّ، وَقَدَّمَ أَيْضًا لِلَّهِ عَلَيْهِمَا اهْتِمَامًا وَمَزِيدًا لِلْإِنْكَارِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: فِي سَلَامِ ابْنِ عُمَرَ عَلَيْهِ وَهُوَ مَصْلُوبٌ اسْتِحْبَابُ السَّلَامِ عَلَى الْمَيِّتِ وَتَكْرِيرِهِ، وَفِيهِ الثَّنَاءُ عَلَى الْمَوْتَى بِجَمِيلِ صِفَاتِهِمُ الْمَعْرُوفَةِ، وَفِيهِ مَنْقَبَةٌ عَظِيمَةٌ لِابْنِ عُمَرَ لِقَوْلِهِ الْحَقَّ فِي الْمَلَأِ وَعَدَمِ اكْتِرَاثِهِ بِالْحَجَّاجِ ; لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ مَقَامَهُ وَثَنَاءَهُ عَلَيْهِ يَبْلُغُهُ، فَلَمْ يَمْنَعْهُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الْحَقَّ، وَيَشْهَدَ لِابْنِ الزُّبَيْرِ بِمَا يَعْلَمُهُ فِيهِ مِنَ الْخَيْرِ، وَبُطْلَانِ مَا أَشَاعَ عَنْهُ الْحَجَّاجُ مِنْ قَوْلِهِ: عَدُوُّ اللَّهِ وَظَالِمٌ وَنَحْوُهُ، فَأَرَادَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بَرَاءَةَ ابْنِ الزُّبَيْرِ مِنَ الَّذِي نَسَبَ إِلَيْهِ الْحَجَّاجُ، وَإِعْلَامَ النَّاسِ بِمَحَاسِنِهِ، وَمَذْهَبُنَا أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ كَانَ مَظْلُومًا انْتَهَى.

وَلَا أَظُنُّ أَنَّ فِيهِ خِلَافًا فِي مَذْهَبٍ مِنَ الْمَذَاهِبِ إِلَّا عِنْدَ الْخَوَارِجِ (قَالَ) أَيْ: أَبُو نَوْفَلٍ (فَقَامَ عَنْهَا) أَيِ: الْحَجَّاجُ (فَلَمْ يُرَاجِعْهَا) أَيْ: فَلَمْ يَرُدَّهَا فِي الْكَلَامِ، ثُمَّ إِنَّهَا مَاتَتْ بَعْدَ قَتْلِ ابْنِهَا بِعَشَرَةِ أَيَّامٍ، وَلَهَا مِائَةُ سَنَةٍ وَلَمْ يَقَعْ لَهَا سِنٌّ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>