٦٠٠٣ - وَعَنْ أَبِي نَوْفَلٍ، مُعَاوِيَةَ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ عَلَى عَقَبَةِ الْمَدِينَةِ، قَالَ: فَجَعَلَتْ قُرَيْشٌ تَمُرُّ عَلَيْهِ وَالنَّاسُ، حَتَّى مَرَّ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَوَقَفَ عَلَيْهِ، قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَبَا خُبَيْبٍ! السَّلَامُ عَلَيْكَ أَبَا خُبَيْبٍ! السَّلَامُ عَلَيْكَ أَبَا خُبَيْبٍ. أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا، أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا، أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا، أَمَا وَاللَّهِ إِنْ كُنْتَ مَا عَلِمْتُ صَوَّامًا قَوَّامًا وَصُولًا لِلرَّحِمِ، أَمَا وَاللَّهِ لَأُمَّةٌ أَنْتَ شَرُّهَا لَأُمَّةُ سَوْءٍ - وَفِي رِوَايَةٍ لَأُمَّةُ خَيْرٍ - ثُمَّ نَفَذَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، فَبَلَغَ الْحَجَّاجَ مَوْقِفُ عَبْدِ اللَّهِ وَقَوْلُهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ، فَأُنْزِلَ عَنْ جِذْعِهِ، فَأُلْقِيَ فِي قُبُورِ الْيَهُودِ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أُمِّهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، فَأَبَتْ أَنْ تَأْتِيَهُ، فَأَعَادَ عَلَيْهَا الرَّسُولَ لَتَأْتِيَنِّي أَوْ لَأَبْعَثَنَّ إِلَيْكِ مَنْ يَسْحَبُكِ بِقُرُونِكِ، قَالَ: فَأَبَتْ وَقَالَتْ: وَاللَّهِ لَا آتِيكَ حَتَّى تَبْعَثَ إِلَيَّ مَنْ يَسْحَبُنِي بِقَرُونِي وَقَالَ: فَقَالَ: أَرُونِي سِبْتِيَّ، فَأَخَذَ نَعْلَيْهِ، ثُمَّ انْطَلَقَ يَتَوَذَّفُ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: كَيْفَ رَأَيْتِنِي صَنَعْتُ بِعَدُوِّ اللَّهِ؟ قَالَتْ: رَأَيْتُكَ أَفْسَدْتَ عَلَيْهِ دُنْيَاهُ وَأَفْسَدَ عَلَيْكَ آخِرَتَكَ، بَلَغَنِي أَنَّكَ تَقُولُ لَهُ: يَا ابْنَ ذَاتِ النِّطَاقَيْنِ! أَنَا وَاللَّهِ ذَاتُ النِّطَاقَيْنِ، أَمَّا أَحَدُهُمَا: فَكُنْتُ أَرْفَعُ بِهِ طَعَامَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَطَعَامَ أَبِي بَكْرٍ مِنَ الدَّوَابِّ، وَأَمَّا الْآخَرُ: فَنِطَاقُ الْمَرْأَةِ الَّتِي لَا تَسْتَغْنِي عَنْهُ، أَمَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدَّثَنَا: ( «إِنَّ فِي ثَقِيفٍ كَذَّابًا وَمُبِيرًا» ) ، فَأَمَّا الْكَذَّابُ فَرَأَيْنَاهُ وَأَمَّا الْمُبِيرُ فَلَا إِخَالُكَ إِلَّا إِيَّاهُ قَالَ: فَقَامَ عَنْهَا فَلَمْ يُرَاجِعْهَا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
٦٠٠٣ - (وَعَنْ أَبِي نَوْفَلٍ مُعَاوِيَةَ بْنِ مُسْلِمٍ) : قَالَ الْمُؤَلِّفُ: سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ وَابْنَ عُمَرَ، وَرَوَى عَنْهُ شُعْبَةُ، وَابْنُ جُرَيْجٍ. (قَالَ: رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ عَلَى عَقَبَةِ الْمَدِينَةِ) : يُرِيدُ عَلَى عَقَبَةِ مَكَّةَ وَاقِعَةٌ فِي طَرِيقِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ حِينَ يَنْزِلُونَ مَكَّةَ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ مَصْلُوبًا هُنَاكَ. وَلِذَا جُعِلَ لَهُ قَبْرٌ فِي الْحَجُونِ قَرِيبَ الْعَقَبَةِ، لَكِنَّهُ غَيْرُ ثَابِتٍ، وَكَذَا سَائِرُ قُبُورِ الصَّحَابَةِ فِي مَقْبَرَةِ مَكَّةَ لَيْسَ لَهَا مَحَلٌّ مُعَيَّنٌ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ حَتَّى تُرْبَةِ خَدِيجَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَيْضًا، وَإِنَّمَا بَنَى عَلَيْهَا اعْتِمَادًا عَلَى رُؤْيَا بَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (قَالَ) أَيْ: أَبُو نَوْفَلٍ (فَجَعَلَتْ قُرَيْشٌ تَمُرُّ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ (وَالنَّاسُ) أَيْ: وَسَائِرُ النَّاسِ يَمُرُّونَ عَلَيْهِ أَيْضًا (حَتَّى مَرَّ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَوَقَفَ عَلَيْهِ قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَبَا خُبَيْبٍ) ، بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ الْأُولَى بَعْدَهَا تَحْتِيَّةٌ سَاكِنَةٌ، كُنْيَةُ ابْنِ الزُّبَيْرِ كُنِّيَ بِابْنِهِ خُبَيْبٍ أَكْبَرِ أَوْلَادِهِ، (السَّلَامُ عَلَيْكَ أَبَا خُبَيْبٍ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَبَا خُبَيْبٍ) ، فِيهِ اسْتِحْبَابُ تَثْلِيثِ السَّلَامِ عَلَى الْمَيِّتِ وَلَوْ قَبْلَ الدَّفْنِ. (لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا، لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا، لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا) . الْمُشَارُ إِلَيْهِ بِهَذَا صَلْبُهُ، وَالْمَعْنَى كُنْتُ أَنْهَاكَ عَمَّا يُؤَدِّي إِلَى مَا أَرَاكَ فِيهِ. قَالَ الطِّيبِيُّ فَعَلَى هَذَا هُوَ مِنْ وَادِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} [النساء: ١٠] يَعْنِي مِنْ جِهَةِ مَجَازِ الْأَوَّلِ نَحْوَ قَوْلِهِ: {أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: ٣٦] (أَمَا) : بِالتَّخْفِيفِ لِلتَّنْبِيهِ (وَاللَّهِ إِنْ كُنْتُ) : إِنْ هِيَ الْمُخَفَّفَةُ مِنَ الْمُثْقَّلَةِ وَضَمِيرُ الشَّأْنِ مَحْذُوفٌ وَقَوْلُهُ (مَا) : زَائِدَةٌ (عَلِمْتُ) أَيْ: عَلِمْتُكَ (صَوَّامًا) أَيْ: كَثِيرَ الصِّيَامِ فِي النَّهَارِ (قَوَّامًا) : كَثِيرَ الْقِيَامِ فِي اللَّيْلِ (وَصُولًا) : بِفَتْحِ الْوَاوِ أَيْ: مُبَالِغًا فِي الصِّلَةِ (لِلرَّحِمِ) أَيْ: لِلْقَرَابَةِ وَفِي (شَرْحِ مُسْلِمٍ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: هَذَا أَصَحُّ مِنْ قَوْلِ بَعْضِ الْأَخْبَارِيِّينَ وَوَصْفِهِ بِالْإِمْسَاكِ، وَقَدْ عَدَّهُ صَاحِبُ كِتَابِ (الْأَجْوَادِ) فِيهِمْ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ أَحْوَالِهِ انْتَهَى.
وَقَدْ أَرَادَ ابْنُ عُمَرَ بِهَذَا الْقَوْلِ بَرَاءَةَ ابْنِ الزُّبَيْرِ مِمَّا نَسَبَ إِلَيْهِ الْحَجَّاجُ مِنْ قَوْلِ عَدُوِّ اللَّهِ وَظَالِمٍ وَنَحْوِهِ، وَإِعْلَامَ النَّاسِ بِمَحَاسِنِهِ، وَأَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ كَانَ مَظْلُومًا وَمَرْجُومًا وَعَاشَ سَعِيدًا وَمَاتَ شَهِيدًا أَمَا كَرَّرَهُ تَأْكِيدًا، (وَاللَّهِ لَأُمَّةٌ) أَيْ: لَجَمَاعَةٌ (أَنْتَ شَرُّهَا) أَيْ: بِزَعْمِهِمْ (لَأُمَّةُ سَوْءٍ) : بِفَتْحِ السِّينِ وَتُضَمُّ أَيْ: لِفَسَادِ فَهْمِهِمْ وَسُوءِ اعْتِقَادِهِمْ. قَوْلُهُ: لَأُمَّةُ مُبْتَدَأٌ. وَأَنْتَ شَرُّهَا صِفَتُهَا أَيْ: وَلَأُمَّةٌ أَنْتَ أَكْثَرُ مَنْ وَصَلَ إِلَيْهِ شَرُّ النَّاسِ لَأُمَّةُ سَوْءٍ، فَالْحُكْمُ فَرْضِيُّ وَتَقْدِيرِيُّ، أَوَزَعْمِيٌّ وَادِّعَائِيٌّ عَلَى طَرِيقِ الْإِنْكَارِيِّ.
(وَفِي رِوَايَةٍ: لَأُمَّةُ خَيْرٍ) . فَهُوَ سَبِيلٌ تَهَكُّمِيٌّ وَاسْتِهْزَائِيٌّ وَهُوَ نَظِيرُ مَا قَالَ بَعْضُهُمْ حِينَ إِخْرَاجِ أَبِي يَزِيدَ الْبَسْطَامِيِّ مِنْ بَلَدِهِ بَلَدُ أَبُو يَزِيدَ شَرُّ أَهْلِهَا نِعْمَ الْبَلَدُ. وَفِي (شَرْحِ مُسْلِمٍ) لِلنَّوَوِيِّ: هَكَذَا هُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مَشْيَخَتِنَا، وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ جُمْهُورِ رُوَاةِ (صَحِيحِ مُسْلِمٍ) ، وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ رُوَاةِ السَّمَرْقَنْدِيِّ: لَأُمَّةُ سَوْءٍ. قَالَ: وَهُوَ خَطَأٌ وَتَصْحِيفٌ أَيْ: سَهْوٌ وَتَحْرِيفٌ، لَكِنْ حَيْثُ صَحَّتِ الرِّوَايَةُ وَطَابَقَتِ الدِّرَايَةَ فَلَا مَعْنَى لِلتَّخْطِيَةِ. (ثُمَّ نَفَذَ) : بِفَتْحِ النُّونِ وَالْفَاءِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ: ذَهَبَ (وَمَضَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، فَبَلَغَ الْحَجَّاجَ) أَيِ: الظَّالِمَ (مَوْقِفُ عَبْدِ اللَّهِ، وَقَوْلُهُ) أَيْ: خَبَرُ وُقُوفِهِ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ فِي حَقِّهِ لَدَيْهِ (فَأَرْسَلَ) أَيِ: الْحَجَّاجُ (إِلَى) أَيْ: إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ (فَأُنْزِلَ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (عَنْ جِذْعِهِ) أَيِ: الْمَصْلُوبِ عَلَيْهِ (فَأُلْقِيَ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ: فَطُرِحَ (فِي قُبُورِ الْيَهُودِ) أَيْ: فِي مَوْضِعِ قُبُورِهِمْ مِنْ سُكَّانِ مَكَّةَ، أَوْ مِنْ وَادِيهَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا، وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا سَبَقَ مِنْ أَنَّهُ مَدْفُونٌ فِي أَعْلَى الْمُعَلَّى ; لِأَنَّهُ حُمِلَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ ذَلِكَ الْمَحَلِّ الْأَدْنَى وَدُفِنَ فِي الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ. (ثُمَّ أَرْسَلَ أَيِ: الْحَجَّاجُ (إِلَى أُمِّهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ) أَيْ: يَطْلُبُهَا (فَأَبَتْ أَنْ تَأْتِيَهُ) أَيْ: فَامْتَنَعَتْ مِنَ الْإِتْيَانِ إِلَيْهِ، وَالْوُقُوفِ لَدَيْهِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ، (فَأَعَادَ عَلَيْهَا الرَّسُولَ) أَيْ: قَائِدًا عَلَى لِسَانِهِ (لَتَأْتِيَنِّي) : بِتَشْدِيدِ النُّونِ عَلَى صِيغَةِ الْخِطَابِ لِقَوْلِهِ: (أَوْ لَأَبْعَثَنَّ إِلَيْكِ) ، أَيْ: لَأُرْسِلَنَّ إِلَى إِتْيَانِكِ إِلَيَّ (مَنْ يَسْحَبُكِ) : بِفَتْحِ الْحَاءِ أَيْ: يَجُرُّكِ (بِقُرُونِكِ) أَيْ: بِضَفَائِرِ شَعْرِكِ.
(قَالَ) أَيْ: أَبُو نَوْفَلٍ (فَأَبَتْ، وَقَالَتْ: وَاللَّهِ لَا آتِيكَ) :. بِمَدِّ الْهَمْزَةِ أَيْ: لَا أَجِيئُكَ (حَتَّى تَبْعَثَ إِلَيَّ مَنْ يَسْحَبُنِي بِقُرُونِي. قَالَ) ، أَيْ: أَبُو نَوْفَلٍ (فَقَالَ) أَيِ: الْحَجَّاجُ (أَرُونِي سِبْتَيَّ) : بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute