الْفَصْلُ الثَّالِثُ
٦٠٠٢ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطِيعٍ، عَنْ أَبِيهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: ( «لَا يُقْتَلُ قُرَشِيٌّ صَبْرًا بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
٦٠٠٢ - (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطِيعٍ عَنْ أَبِيهِ) : قَالَ الْمُؤَلِّفُ: قُرَشِيٌّ عَدَوِيٌّ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يُقَالُ: وُلِدَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَهَبَ بِهِ أَبُوهُ إِلَيْهِ، وَكَانَ اسْمُ أَبِيهِ الْعَاصَ، فَسَمَّاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُطِيعًا، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ مِنْ سَادَاتِ قُرَيْشٍ، وَهُوَ الَّذِي أَمَّرَهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ عَلَيْهِمْ حِينَ خَلَعُوا يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ، سَمِعَ أَبَاهُ، وَرَوَى عَنْهُ الشَّعْبِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقُتِلَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ، وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى الْكُوفَةِ، فَأَخْرَجَهُ مِنْهَا الْمُخْتَارُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ. (قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: (لَا يُقْتَلُ) : بِصِيغَةِ النَّفْيِ مَجْهُولًا (قُرَشِيٌّ) ، أَيْ: مَنْسُوبٌ إِلَى قُرَيْشٍ بِحَذْفِ الزَّائِدِ، وَفِي (الْقَامُوسِ) : النِّسْبَةُ قُرَشِيٌّ وَقُرَيْشِيٌّ (صَبْرًا) أَيْ: لَا فِي الْمَعْرَكَةِ كَمَا فِي (الْأَزْهَارِ) (بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ) أَيْ: يَوْمِ الْفَتْحِ (إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) . قَالَ الْحُمَيْدِيُّ: وَقَدْ تَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ: مَعْنَاهُ لَا يُقْتَلُ قُرَشِيٌّ بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ صَبْرًا، وَهُوَ مُرْتَدٌّ عَنِ الْإِسْلَامِ ثَابِتٌ عَلَى الْكُفْرِ، إِذْ قَدْ وُجِدَ مِنْ قُرَيْشٍ مَنْ قُتِلَ صَبْرًا فِيمَا سَبَقَ وَمَضَى مِنَ الزَّمَانِ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُمْ مَنْ قُتِلَ صَبْرًا وَهُوَ ثَابِتٌ عَلَى الْكُفْرِ انْتَهَى. وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُوجَدُ قُرَشِيٌّ مُرْتَدًّا فَيُقْتَلُ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَرَدَ مِنْ أَنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ.
وَقَالَ الطِّيبِيُّ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّفْيُ بِمَعْنَى النَّهْيِ، وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ صَرِيحِ النَّهْيِ، كَمَا أَنَّ رَحِمَكَ اللَّهُ وَيَرْحَمُكَ أَبْلَغُ. وَنَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً} [النور: ٣] فِي وَجْهٍ. قُلْتُ: هَذَا وَجْهٌ غَيْرُ وَجِيهٍ، كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى كُلِّ نَبِيهٍ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا الْوَجْهُ أَقْرَبُ إِلَى مَدْحِ قُرَيْشٍ وَتَعْظِيمِهِمْ، وَيَبْقَى الْكَلَامُ عَلَى إِطْلَاقِهِ. قُلْتُ: لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ هَذَا النَّهْيُ عَلَى إِطْلَاقِهِ لِأَنَّهُ قَدْ يَجِبُ الْقَتْلُ عَلَى قُرَشِيٍّ قِصَاصًا أَوْحَدًّا، وَهُوَ لَا يَكُونُ إِلَّا صَبْرًا، فَيَكُونُ حُكْمُهُ كَحُكْمِ غَيْرِهِ، فَلَا يَحْصُلُ لِقُرَيْشٍ مَزِيَّةٌ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ أَقْرَبَ إِلَى مَدْحِهِمْ وَتَعْظِيمِهِمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute