للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[٢] بَابُ مَنَاقِبِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

٦٠٠٧ - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ» ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

[٢] بَابُ مَنَاقِبِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الْمَنْقَبَةُ بِمَعْنَى الْفَضِيلَةِ وَهِيَ الْخَصْلَةُ الَّتِي يَحْصُلُ بِسَبَبِهَا شَرَفٌ وَعُلُوٌّ إِمَّا عِنْدَ اللَّهِ وَإِمَّا عِنْدَ الْخَلْقِ، وَالثَّانِي لَا عِبْرَةَ بِهِ إِلَّا أَنْ أُوصِلَ إِلَى الْأَوَّلِ، فَإِذَا قِيلَ: فُلَانٌ فَاضِلٌ ; فَمَعْنَاهُ أَنَّ لَهُ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ، وَلَا يُوصَلُ إِلَيْهِ إِلَّا بِالنَّقْلِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذَا ذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: الصَّحَابِيُّ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَبَعْضِ أَصْحَابِ الْأُصُولِ كُلُّ مَنْ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُسْلِمٌ، ثُمَّ يُعْرَفُ كَوْنُهُ صَحَابِيًّا بِالتَّوَاتُرِ كَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَوْ بِالِاسْتِفَاضَةِ، أَوْ يَقُولُ صَحَابِيٌّ غَيْرُهُ أَنَّهُ صَحَابِيٌّ، أَوْ يَقُولُ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ صَحَابِيٌّ إِذَا كَانَ عَدْلًا، وَالصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ عُدُولٌ مُطْلَقًا لِظَوَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ.

فِي شَرْحِ السُّنَّةِ قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ: أَصْحَابُنَا يُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ أَفْضَلَهُمُ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ، ثُمَّ تَمَامُ الْعَشَرَةِ، ثُمَّ أَهْلُ بَدْرٍ، ثُمَّ أُحُدٌ، ثُمَّ بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ، وَمَنْ لَهُ مَزِيَّةٌ مِنْ أَهْلِ الْعَقَبَتَيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَكَذَلِكَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ، وَهُمْ مَنْ صَلَّى إِلَى الْقِبْلَتَيْنِ، وَقِيلَ: أَهْلُ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ، وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي عَائِشَةَ وَخَدِيجَةَ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟ وَفِي عَائِشَةَ وَفَاطِمَةَ؟ وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ ; فَهُوَ مِنَ الْعُدُولِ الْفُضَلَاءِ، وَالصَّحَابَةِ الْأَخْيَارِ، وَالْحُرُوبُ الَّتِي جَرَتْ بَيْنَهُمْ كَانَتْ لِكُلِّ طَائِفَةٍ شُبْهَةٌ اعْتَقَدَتْ تَصْوِيبَ أَنْفُسِهَا بِسَبَبِهَا، وَكُلُّهُمْ مُتَأَوِّلُونَ فِي حُرُوبِهَا، وَلَمْ يَخْرُجْ بِذَلِكَ أَحَدٌ مِنْهُمْ مِنَ الْعَدَالَةِ ; لِأَنَّهُمْ مُجْتَهِدُونَ اخْتَلَفُوا فِي مَسَائِلَ، كَمَا اخْتَلَفَ الْمُجْتَهِدُونَ بَعْدَهُمْ فِي مَسَائِلَ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ نَقْصُ أَحَدٍ مِنْهُمْ.

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

٦٠٠٧ - (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ) : وَفِي نُسْخَةٍ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي» ) : الْخِطَابُ بِذَلِكَ لِلصَّحَابَةِ لِمَا وَرَدَ: أَنَّ سَبَبَ الْحَدِيثِ أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ شَيْءٌ، فَسَبَّهُ خَالِدٌ، فَالْمُرَادُ بِأَصْحَابِي أَصْحَابٌ مَخْصُوصُونَ، وَهُمُ السَّابِقُونَ عَلَى الْمُخَاطَبِينَ فِي الْإِسْلَامِ، وَقِيلَ: نَزَّلَ السَّابَّ مِنْهُمْ لِتَعَاطِيهِ مَا لَا يَلِيقُ بِهِ مِنَ السَّبِّ مَنْزِلَةَ غَيْرِهِمْ، فَخَاطَبَهُ خِطَابَ غَيْرِ الصَّحَابَةِ ذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْخِطَابُ لِلْأُمَّةِ الْأَعَمِّ مِنَ الصَّحَابَةِ حَيْثُ عُلِمَ بِنُورِ النُّبُوَّةِ أَنَّ مِثْلَ هَذَا يَقَعُ فِي أَهْلِ الْبِدْعَةِ، فَنَهَاهُمْ بِهَذِهِ السُّنَّةِ. وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: اعْلَمْ أَنَّ سَبَّ الصَّحَابَةِ حَرَامٌ مِنْ أَكْبَرِ الْفَوَاحِشِ، وَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يُعَزَّرُ، وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ: يُقْتَلُ. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: سَبُّ أَحَدِهِمْ مِنَ الْكَبَائِرِ انْتَهَى.

وَقَدْ صَرَّحَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا بِأَنَّهُ يُقْتَلُ مَنْ سَبَّ الشَّيْخَيْنِ، فَفِي (كِتَابِ السِّيَرِ) مِنْ كِتَابِ (الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ) لِلزَّيْنِ بْنِ نُجَيْمٍ: كُلُّ كَافِرٍ تَابَ، فَتَوْبَتُهُ مَقْبُولَةٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَّا جَمَاعَةُ الْكَافِرِ بِسَبِّ النَّبِيِّ وَسَبِّ الشَّيْخَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا، أَوْ بِالسِّحْرِ، أَوْ بِالزَّنْدَقَةِ، وَلَوِ امْرَأَةٌ إِذَا أُخِذَ قَبْلَ تَوْبَتِهِ، وَقَالَ: سَبُّ الشَّيْخَيْنِ وَلَعْنُهُمَا كُفْرٌ، وَإِنْ فَضَّلَ عَلِيًّا عَلَيْهِمَا فَمُبْتَدِعٌ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَفِي مَنَاقِبِ الْكُرْدِيِّ: يُكَفَّرُ إِذَا أَنْكَرَ خِلَافَتَهُمَا، أَوْ بَعْضَهُمَا لِمَحَبَّةِ النَّبِيِّ لَهُمَا، وَإِذَا أَحَبَّ عَلِيًّا أَكْثَرُ مِنْهُمَا لَا يُؤَاخَذُ بِهِ انْتَهَى. وَلَعَلَّ وَجْهَ تَخْصِيصِهِمَا لِمَا وَرَدَ فِي فَضِيلَتِهِمَا مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَقِّهِمَا خَاصَّةً عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي بَابٍ عَلَى حِدَةٍ لَهُمَا، أَوْ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَحَقِّيَّتِهِمَا خِلَافًا لِلْخَوَارِجِ فِي حَقِّ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ، وَأَمْثَالِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا) : زَادَ الْبَرْقَانِيُّ كُلَّ يَوْمٍ (مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ) . أَيْ: وَلَا بَلَغَ نِصْفَهُ أَيْ: مِنْ بُرٍّ أَوْ شَعِيرٍ لِحُصُولِ بَرَكَتِهِ وَمُصَادَمَتِهِ لِإِعْلَاءِ الدِّينِ وَكَلِمَتِهِ مَعَ مَا كَانُوا مِنَ الْقِلَّةِ وَكَثْرَةِ الْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ، وَلِذَا وَرَدَ: سَبَقَ دِرْهَمٌ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَذَلِكَ مَعْدُومٌ فِيمَا بَعْدَهُمْ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ طَاعَاتِهِمْ وَعِبَادَاتِهِمْ وَغَزَوَاتِهِمْ وَخِدْمَاتِهِمْ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُدَّ بِضَمِّ الْمِيمِ رُبْعُ الصَّاعِ، وَالنَّصِيفُ بِمَعْنَى النِّصْفِ كَالشَّعِيرِ بِمَعْنَى الْعُشْرِ، وَعَلَى هَذَا الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى الْمُدِّ، وَقِيلَ: النَّصِيفُ مِكْيَالٌ يَسَعُ نِصْفَ مُدٍّ، فَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى الْأَحَدِ. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: النَّصِيفُ النِّصْفُ أَيْ نِصْفُ مُدِّهِ، وَقِيلَ: هُوَ مِكْيَالٌ دُونَ الْمُدِّ، وَالْمَعْنَى لَا يَنَالُ أَحَدُكُمْ بِإِنْفَاقِ مِثْلِ أُحُدٍ ذَهَبًا مِنَ الْأَجْرِ وَالْفَضْلِ مَا يَنَالُ أَحَدُهُمْ بِإِنْفَاقِ مُدِّ طَعَامٍ أَوْ نِصْفٍ، لِمَا يُقَارِنُهُ مِنْ مَزِيدِ الْإِخْلَاصِ وَصِدْقِ النِّيَّةِ، وَكَمَالِ النَّفْسِ.

قَالَ الطِّيبِيُّ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ فَضِيلَتَهُمْ بِحَسَبِ فَضِيلَةِ إِنْفَاقِهِمْ وَعِظَمِ مَوْقِعِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا} [الحديد: ١٠] وَقَوْلُهُ: مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ أَيْ: قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ يَعْنِي: قَبْلَ عِزِّ الْإِسْلَامِ وَقُوَّةِ أَهْلِهِ، وَدُخُولِ النَّاسِ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا، وَقِلَّةِ الْحَاجَةِ إِلَى الْقِتَالِ وَالنَّفَقَةِ فِيهِ، وَهَذَا فِي.

<<  <  ج: ص:  >  >>