[٣]- بَابُ مَنَاقِبِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
٦٠١٩ - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ( «إِنَّ مِنْ أَمَنِّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ - وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ أَبَا بَكْرٍ - وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَا تَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ وَمَوَدَّتُهُ، لَا تُبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ خَوْخَةٌ إِلَّا خَوْخَةَ أَبِي بَكْرٍ» ) .
وَفِي رِوَايَةٍ: ( «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا غَيْرَ رَبِّي لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا» ) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
٦٠١٩ - (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (إِنَّ مِنْ أَمَنِّ النَّاسِ) : بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَمِيمٍ وَتَشْدِيدِ نُونٍ أَيْ: أَنْعَمِهِمْ (عَلَيَّ) : أَوْ أَبْذَلِهِمْ لِأَجْلِي (فِي صُحْبَتِهِ) أَيْ: دَوَامِ مُلَازَمَتِهِ بِبَذْلِ نَفْسِهِ فِي خِدْمَتِي (وَمَالِهِ) أَيْ: وَبَذْلِ مَالِهِ بَلْ وَجَمِيعُ مَالِهِ فِي طَرِيقِي (أَبُو بَكْرٍ) : كَذَا فِي صَحِيحٍ مُسْلِمٍ (وَفِي الْبُخَارِيِّ: (أَبَا بَكْرٍ) أَيْ: بِالنَّصْبِ وَهُوَ الظَّاهِرُ ; لِأَنَّ اسْمَ (إِنَّ) وَالرَّفْعُ مُشْكِلٌ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ قَالَ الْمُظْهِرُ: وَفِيهِ أَوْجُهٌ الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ مِنْ زَائِدَةً عَلَى مَذْهَبِ الْأَخْفَشِ، وَقِيلَ: إِنَّ هَاهُنَا بِمَعْنَى (نَعَمْ) كَمَا فِي جَوَابِ قَوْلِهِ: لَعَنَ اللَّهُ نَاقَةً حَمَلَتْنِي إِلَيْكَ إِنَّ وَصَاحِبَهَا فَقَوْلُهُ: أَبُو بَكْرٍ مُبْتَدَأٌ، وَمِنْ أَمَنِّ النَّاسِ خَبَرُهُ، وَقِيلَ: اسْمُ إِنَّ ضَمِيرُ الشَّأْنِ اه. فَالتَّقْدِيرُ أَنَّهُ مِنْ أَمَنِّ النَّاسِ أَوْ هُوَ مِنْ بَابِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَمَّا مَا تَوَهَّمَ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ: أَبُو بَكْرٍ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، هُوَ هُوَ عَلَى أَنَّهُ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ كَأَنَّهُ قِيلَ مَنْ أَمَنُّ النَّاسِ، فَقِيلَ أَبُو بَكْرٍ فَغَيْرُ صَحِيحٍ لِبَقَاءِ إِنَّ حِينَئِذٍ بِلَا خَبَرٍ قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: يُرِيدُ أَنَّ مِنْ أَبْذَلِهِمْ وَأَسْمَعِهُمْ مَنْ مَنَّ عَلَيْهِ مَنًّا لَا مَنْ مَنَّ عَلَيْهِ مِنَّةً إِذْ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَمْتَنَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ أَنَّهُ وَرَدَ مُوَرِدَ الْإِحْمَادِ، وَإِذَا حُمِلَ عَلَى مَعْنَى الِامْتِنَانِ عَادَ ذَمًّا عَلَى صَاحِبِهِ ; لِأَنَّ الْمِنَّةَ تَهْدِمُ الصَّنِيعَةَ (وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا) .
قَالَ الْقَاضِي: الْخَلِيلُ الصَّاحِبُ الْوَادُّ الَّذِي يُفْتَقَرُ إِلَيْهِ، وَيُعْتَمَدُ فِي الْأُمُورِ عَلَيْهِ، فَإِنَّ أَصْلَ التَّرْكِيبِ مِنَ الْخَلَّةِ بِالْفَتْحِ وَهِيَ الْحَاجَةُ، وَالْمَعْنَى لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنَ الْخَلْقِ خَلِيلًا أَرْجِعُ إِلَيْهِ فِي الْحَاجَاتِ وَأَعْتَمِدُ إِلَيْهِ فِي الْمُهِمَّاتِ (لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا) ، وَلَكِنَّ الَّذِي أَلْجَأُ إِلَيْهِ وَأَعْتَمِدُ عَلَيْهِ فِي جُمْلَةِ الْأُمُورِ وَمَجَامِعِ الْأَحْوَالِ، هُوَ اللَّهُ، تَعَالَى، وَإِنَّمَا سُمِّيَ إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خَلِيلًا مِنَ الْخَلَّةِ بِالْفَتْحِ الَّتِي هِيَ الْخَصْلَةُ، فَإِنَّهُ تَخَلَّقَ بِخِلَالٍ حَسَنَةٍ اخْتَصَّتْ بِهِ أَوْ مِنَ التَّخَلُّلِ، فَإِنَّ الْحُبَّ تَخَلَّلَ شِغَافَ قَلْبِهِ، وَاسْتَوْلَى عَلَيْهِ، أَوْ مِنَ الْخَلَّةِ مِنْ حَيْثُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَا كَانَ يَفْتَقِرُ حَالَ الِافْتِقَارِ إِلَّا إِلَيْهِ، وَمَا كَانَ يَتَوَكَّلُ إِلَّا عَلَيْهِ، فَيَكُونُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ. وَفِي الْحَدِيثِ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ (وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ) : اسْتِدْرَاكٌ عَنْ مَضْمُونِ الْجُمْلَةِ - الشَّرْطِيَّةِ وَفَحْوَاهَا، كَأَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ خَلَّةٌ، وَلَكِنْ بَيْنَنَا فِي الْإِسْلَامِ أُخُوَّةٌ، فَنَفَى الْخَلَّةَ الْمُنْبِئَةَ عَنِ الْحَاجَةِ وَأَثْبَتَ الْإِخَاءَ الْمُقْتَضِي لِلْمُسَاوَاةِ فِي الْمَحَبَّةِ وَالْأُلْفَةِ وَلِذَا قَالَ: (وَمَوَدَّتُهُ) ، أَيْ: وَمَوَدَّةُ الْإِسْلَامِ النَّاشِئَةُ عَنِ الْمَحَبَّةِ الدِّينِيَّةِ لَا لِغَرَضٍ مِنَ الْأَغْرَاضِ (الدُّنْيَوِيَّةِ أَوِ النَّفْسِيَّةِ الدَّنِيَّةِ. قَالَ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ، أَيْ: لَكِنْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ، أَوْ لَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ حَاصِلَةٌ، أَوْ لَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ، كَمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ، فَإِنْ أُرِيدَ أَفْضَلِيَّةُ أُخُوَّةِ الْإِسْلَامِ وَمَوَدَّتُهُ عَنِ الْخَلَّةِ، كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنَ السَّوْقِ يُشْكِلُ، فَيَجِبُ أَنْ يُرَادَ أَفْضَلِيَّتُهَا مِنْ غَيْرِ الْخَلَّةِ، أَوْ يُقَالُ: أَفْضَلُ بِمَعْنَى فَاضِلٍ، أَوْ يُقَالُ: أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ الَّتِي بَيْنِي وَبَيْنَ أَبُو بَكْرٍ أَفْضَلُ مِنْ أُخُوَّةِ الْإِسْلَامِ الَّتِي بَيْنِي وَبَيْنَ غَيْرِهِ، أَوْ مِنْ أُخُوَّةِ الْإِسْلَامِ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِي، وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ تَأَمَّلْ.
أَقُولُ: وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ مَحْمُولًا عَلَى مَا كَانَ تَعَاهَدَ الْعَرَبُ مِنْ عُهْدَةِ الْأُخُوَّةِ وَعَقْدِ الْخَلَّةِ وَالْمَحَبَّةِ فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَقَالَ: (لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا مِنَ الْخَلْقِ لِفَقْدِ الْخَلَّةِ وَعَهْدِ الْمُحِبَّةِ لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِي، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ وَمَوَدَّتُهُ الشَّامِلَةُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ كَافِيَةٌ، أَوْ أَفْضَلُ حَيْثُ إِنَّهُ خَالِصٌ لِلَّهِ وَعَلَى وَفْقِ رِضَاهُ وَمِنْ غَيْرِ مُلَاحَظَةٍ مِنْ سِوَاهُ. وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: اللَّامُ فِي قَوْلِهِ: وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ لِلْعَهْدِ أَيْ: وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ الَّذِي سَبَقَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَفْضَلُ ; لِأَنَّ اتِّخَاذَهُ خَلِيلًا بِفِعْلِهِ وَأُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ بِفِعْلِ اللَّهِ، تَعَالَى، فَمَا اخْتَارَهُ اللَّهُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَكُونُ أَفْضَلَ مِمَّا اخْتَارَهُ لِنَفْسِهِ (لَا تُبْقَيَنَّ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ نَهْيًا مُؤَكَّدًا مُشَدَّدًا وَفِي نُسْخَةٍ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ، وَالْمَعْنَى لَا تُتْرَكَنَّ بَاقِيَةً (فِي الْمَسْجِدِ) أَيْ: مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ (خَوْخَةٌ إِلَّا خَوْخَةَ أَبِي بَكْرٍ) . الْخَوْخَةُ بِفَتْحِ الْخَاءَيْنِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَسُكُونِ الْوَاوِ كُوَّةٌ فِي الْجِدَارِ تُؤَدِّي الضَّوْءَ إِلَى الْبَيْتِ، وَقِيلَ: بَابٌ صَغِيرٌ يُنْصَبُ بَيْنَ بَيْتَيْنِ أَوْ دَارَيْنِ، لِيَدْخُلَ مِنْ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute