(مِنَ الْجُحْرِ) أَيْ: مِنْ أَحَدِ الْجُحْرَيْنِ (وَلَمْ يَتَحَرَّكْ) أَيْ: أَبُو بَكْرٍ (مَخَافَةَ أَنْ يَنْتَبِهَ) : مِنْ بَابِ الِافْتِعَالِ وَفِي نُسْخَةٍ أَنْ يَتَنَبَّهَ مِنْ بَابِ التَّفْعِيلِ أَيْ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَيْقِظَ (رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ، أَيْ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ فَتَصَبَّ عَلَى وَجَعِهِ (فَسَقَطَتْ دُمُوعُهُ عَلَى وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ: فَاسْتَنْبَهَ فَرَأَى بُكَاءَهُ (فَقَالَ: مَا لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ؟) قَالَ: لُدِغْتُ، فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي) ، بِفَتْحِ الْفَاءِ وَيُكْسَرُ فَفِي (الْقَامُوسِ) : فَدَاهُ يَفْدِيهِ فِدَاءً وَفِدًى وَيُفْتَحُ أَعْطَى شَيْئًا فَأَنْقَذَهُ، وَالْفِدَاءُ كَكِسَاءٍ وَكَعَلَى وَإِلَى ذَلِكَ الْمُعْطَى اه. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: الْفِدَاءُ يُمَدُّ وَيُقْتَصَرُ، أَمَّا الْمَصْدَرُ مِنْ فَادَيْتُ فَمَمْدُودٌ لَا غَيْرَ، وَالْفَاءُ فِي كُلِّ ذَلِكَ مَكْسُورٌ. وَحَكَى الْفَرَّاءُ فَذَاللَّهِ مَقْصُورٌ وَمَمْدُودٌ وَمَفْتُوحٌ، وَفِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي فِعْلُ مَاضٍ مَفْتُوحُ الْأَوَّلِ، أَوْ يَكُونُ اسْمًا عَلَى مَا حَكَاهُ الْفَرَّاءُ كَذَا فِي الْمَشَارِقِ (فَتَفَلَ) أَيْ: بَزَقَ (رَسُولُ اللَّهِ) ، أَيْ: عَلَيْهِ كَمَا فِي نُسْخَةٍ أَيْ: عَلَى مَوْضِعِ اللَّدْغِ (فَذَهَبَ مَا يَجِدُهُ) ، أَيْ مَا كَانَ يَحُسُّهُ مِنَ الْأَلَمِ (ثُمَّ انْتَقَضَ) : بِالْقَافِ وَالْمُعْجَمَةِ أَيْ رَجَعَ (أَثَرُ السُّمِّ عَلَيْهِ) ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ، أَيْ: نَكَسَ الْجُرْحُ بَعْدَ أَنِ انْدَمَلَ لِتَفْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَكَانَ) أَيِ: الِانْتِقَاضُ (سَبَبَ مَوْتِهِ) . أَيْ فَحَصَلَ لَهُ شَهَادَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَالَةَ كَوْنِهِ رَفِيقًا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي طَرِيقِهِ (وَأَمَّا يَوْمُهُ) ، أَيْ أَبِي بَكْرٍ (فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ارْتَدَّتِ الْعَرَبُ وَقَالُوا: لَا نُؤَدِّي زَكَاةً) : يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْعَطْفُ تَفْسِيرِيًّا لِمَا قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا: مَنْ قِيلَ لَهُ أَدِّ الزَّكَاةَ، فَقَالَ، لَا أُؤَدِّي كَفَرَ. (فَقَالَ: لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا) : بِكَسْرِ أَوَّلِهِ أَيْ حَبْلًا صَغِيرًا (لَجَاهَدْتُهُمْ عَلَيْهِ) . أَيْ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى أَخْذِهِ أَوْ لِأَجْلِ مَنْعِهِ، فَفِي النِّهَايَةِ: أَرَادَ بِالْعِقَالِ الْحَبْلَ الَّذِي يُعْقَلُ بِهِ الْبَعِيرُ الَّذِي كَانَ يُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ، لِأَنَّ عَلَى صَاحِبِهِ التَّسْلِيمَ، وَإِنَّمَا يَقَعُ الْقَبْضُ بِالرِّبَاطِ. وَقِيلَ: أَرَادَ مَا يُسَاوِي عِقَالًا مِنْ حُقُوقِ الصَّدَقَةِ، وَقِيلَ: إِذَا أَخَذَ الْمُصَدِّقُ أَعْيَانَ الْإِبِلِ، وَقِيلَ: أَخَذَ عِقَالًا إِذَا أَخَذَ أَثْمَانَهَا قِيلَ: أَخَذَ نَقْدًا، وَقِيلَ: أَرَادَ بِالْعِقَالِ صَدَقَةَ الْعَامِ، يُقَالُ: أَخَذَ الْمُصَدِّقُ عِقَالَ هَذَا الْعَامِ إِذَا أَخَذَ مِنْهُمْ صَدَقَةً وَبَعَثَ فُلَانٌ عَلَى عِقَالِ بَنِي فُلَانٍ إِذَا بُعِثَ عَلَى صَدَقَاتِهِمْ، وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَقَالَ: هَذَا أَشْبَهُ عِنْدِي بِالْمَعْنَى. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: إِنَّمَا يُضْرَبُ الْمَثَلُ هَذَا بِالْأَقَلِّ لَا بِالْأَكْثَرِ، وَلَيْسَ بِسَائِرٍ فِي لِسَانِهِمْ أَنَّ الْعِقَالَ صَدَقَةُ عَامٍ، قُلْتُ: وَلِهَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ بِالْمَعْنَى، فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ بِالْمَبْنَى، وَسَبَبُهُ اسْتِبْعَادُ أَنْ يُقَاتِلَ عَلَى الشَّيْءِ الْحَقِيرِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يُعَبَّرُ عَنِ الْكَثِيرِ بِالْقَلِيلِ عَلَى قَصْدِ الْمُبَالَغَةِ كَالنَّقِيرِ وَالْقِطْمِيرِ، وَيُؤَيِّدُ إِيمَاءَ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّهُ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ لَوْ مَنَعُونِي عِنَاقًا، وَفِي أُخْرَى: جِدْيًا.
قَالَ الطِّيبِيُّ: قَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، فَمِنَ الْأَوَّلِ حَدِيثُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ مِنْ كُلِّ فَرِيضَةٍ عِقَالًا، فَإِذَا جَاءَتْ إِلَى الْمَدِينَةِ بَاعَهَا ثُمَّ تَصَدَّقَ بِهَا، وَحَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَّهُ كَانَ يَعْمَلُ الصَّدَقَةَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ يَأْمُرُ الرَّجُلَ إِذَا جَاءَ بِفَرِيضَتَيْنِ أَنْ يَأْتِيَ بِعِقَالِهِمَا وَقِرَانِهِمَا، وَمِنَ الثَّانِي حَدِيثُ عُمَرَ أَنَّهُ أَخَذَ الصَّدَقَةَ عَامَ الرَّمَادَةِ، فَلَمَّا أَحْيَا النَّاسُ بَعَثَ عَامِلَهُ فَقَالَ: اعْقِلْ عَنْهُمْ عِقَالَيْنِ فَاقْسِمْ فِيهِمْ عِقَالًا وَائْتِنِي بِالْآخَرِ يَزِيدُ صَدَقَةَ عَامَيْنِ اه. وَلَا خِلَافَ فِي إِطْلَاقِ الْعِقَالِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْمُرَادِ بِهِ هُنَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَقُلْتُ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَأَلَّفِ النَّاسَ) أَيِ: اطْلُبْ أُلْفَتَهُمْ لَا فُرْقَتَهُمْ (وَارْفُقْ بِهِمْ) : بِضَمِّ الْفَاءِ أَيِ: الْطُفْ بِهِمْ وَلَا تُغْلِظْ عَلَيْهِمْ (فَقَالَ لِي: أَجَبَّارٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ) أَيْ: أَنْتَ شَجِيعٌ مُتَهَوِّرٌ غَضُوبٌ فِي زَمَنِ الْجَاهِلِيَّةِ (وَخَوَّارٌ) : بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ أَيْ: جَبَانٌ وَعَطُوفٌ (فِي الْإِسْلَامِ) ؟ أَيْ فِي أَيَّامِهِ وَأَحْكَامِهِ، مَعَ أَنَّ مَا وَرَدَ: مِنْ أَنَّ مَعَادِنَ الْعَرَبِ خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقِهُوا مُشْعِرٌ بِأَنَّ طِبَاعَهُمُ الْأَصْلِيَّةَ لَمْ تَتَغَيَّرْ عَنْ أَحْوَالِهِمُ الْأَوَّلِيَّةِ، إِنَّمَا يَخْتَلِفُ إِيقَاعُهَا فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ بَعْدَ مَا كَانَ يُصْرَفُ حُصُولُهَا فِي الْحَالَاتِ التَّعَصُّبِيَّةِ مِنَ الْأُمُورِ النَّفْسِيَّةِ وَالْعُرْفِيَّةِ، فَفِي النِّهَايَةِ هُوَ مِنْ خَارَ يَخُورُ إِذَا ضَعُفَتْ قَوَّتُهُ وَوَهَنَتْ شَوْكَتُهُ. قَالَ الطِّيبِيُّ: أَنْكَرَ عَلَيْهِ ضَعْفَهُ وَوَهَنَهُ فِي الدِّينِ، وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَكُونَ جَبَّارًا بَلْ أَرَادَ بِهِ التَّصَلُّبَ وَالشِّدَّةَ فِي الدِّينِ، لَكِنْ لَمَّا ذَكَرَ الْجَاهِلِيَّةَ قَرَنَهُ بِذِكْرِ الْجَبَّارِ. قُلْتُ: هَذَا وَهْمٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute