للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ فِي قَوْلِهِ: مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ سَالِكًا، تَنْبِيهٌ عَلَى صَلَابَتِهِ فِي الدِّينِ وَاسْتِمْرَارِ حَالِهِ عَلَى الْجِدِّ الصِّرْفِ، وَالْحَقِّ الْمَحْضِ، حَتَّى كَانَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَالسَّيْفِ الصَّارِمِ وَالْحُسَامِ الْقَاطِعِ، إِنْ أَمْضَاهُ مَضَى، وَإِنْ كَفَّهُ كَفَّ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الشَّيْطَانِ سُلْطَانٌ إِلَّا مِنْ قِبَلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ هُوَ كَالْوَازِعِ بَيْنَ يَدَيِ الْمَلِكِ، فَلِهَذَا كَانَ الشَّيْطَانُ يَنْحَرِفُ عَنِ الْفَجِّ الَّذِي سَلَكَهُ. وَلَمَّا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَحْمَةً مُهْدَاةً إِلَى الْعَالَمِينَ، مَأْمُورًا بِالْعَفْوِ عَنِ الْمُذْنِبِينَ، مَعْنِيًّا بِالصَّفْحِ عَنِ الْجَاهِلِينَ لَمْ يَكُنْ لِيُوَاجِهَهُمْ فِيمَا لَا يُحْمَدُ مِنْ فِعْلٍ مَكْرُوهٍ أَوْ سُوءِ أَدَبٍ بِالْفَظَاظَةِ وَالْغَلَاظَةِ وَالزَّجْرِ الْبَلِيغِ، إِذْ لَا يُتَصَوَّرُ الصَّفْحُ وَالْعَفْوُ مَعَ تِلْكَ الْخِلَالِ. فَلِهَذَا تَسَامَحَ هُوَ فِيهَا وَاسْتَحْسَنَ إِشْعَارَهُنَّ الْهَيْبَةَ مِنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَأَنَّ الشَّيْطَانَ مَتَى رَآهُ سَالِكًا فَجًّا هَرَبَ لِرَهْبَتِهِ مِنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَفَارَقَ ذَلِكَ الْفَجَّ لِشِدَّةِ بِأْسِهِ. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ ضَرَبَ مَثَلًا بِالشَّيْطَانِ وَإِغْوَائِهِ وَأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَارَقَ سَبِيلَ الشَّيْطَانِ، وَسَلَكَ طَرِيقَ السَّدَادِ، وَخَالَفَ مَا يَأْمُرُهُ بِهِ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) . وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَأَبُو حَاتِمٍ وَلَفْظُهُمَا: فَلَمَّا سَمِعْنَ صَوْتَ عُمَرَ انْقَمَعْنَ وَسَكَنَّ أَيْ: ذَلَلْنَ وَارْتَدَعْنَ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا عَدُوَّاتِ أَنْفُسِهِنَّ، الْحَدِيثَ. مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ جَوَابِهِنَّ. (وَقَالَ الْحُمَيْدِيُّ) أَيْ: فِي جَامِعِهِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ (زَادَ الْبَرْقَانِيُّ) : بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَقَدْ تُكْسَرُ مَنْسُوبٌ إِلَى بَرْقَانَ قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى خُوَارِزْمَ (بَعْدَ قَوْلِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا أَضْحَكَكَ) . اهـ. فَكَأَنَّهُ حَذَفَهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ نِسْيَانًا أَوِ اخْتِصَارًا لِظُهُورِهِ، أَوْ هَذَا مِنْ زِيَادَةِ بَعْضِ الثِّقَاتِ أَوْ مِنْ إِدْرَاجِ بَعْضِ الرُّوَاةِ، وَالْمَعْنَى عَلَيْهِ كَمَا أَشَرْنَا فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ إِلَيْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>