الْأَمْرَ إِنَّمَا يَكُونُ بِيَدِهِ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ، ثُمَّ يَنْتَقِلُ إِلَى عُمَرَ، وَكَانَ مُدَّةُ خِلَافَتِهِ سَنَتَيْنِ وَثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، وَضَعْفُهُ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى مَا كَانَ فِي أَيَّامِهِ مِنَ الْإِضْرَابِ وَالِارْتِدَادِ وَاخْتِلَافِ الْكَلِمَةِ، أَوْ إِلَى مَا كَانَ لَهُ مِنْ لِينِ الْجَانِبِ وَقِلَّةِ السِّيَاسَةِ وَالْمُدَارَاةِ مَعَ النَّاسِ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ: وَغَفَرَ اللَّهُ لَهُ ضَعْفَهُ، وَهُوَ اعْتِرَاضٌ ذَكَرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُعْلِمَ أَنَّ ذَلِكَ مَوْضُوعٌ وَمَغْفُورٌ عَنْهُ غَيْرُ قَادِحٍ فِي مَنْصِبِهِ، وَمَصِيرُ الدَّلْوِ فِي نَوْبَةِ عُمَرَ غَرْبًا، وَهُوَ الدَّلْوُ الْكَبِيرُ الَّذِي يَسْتَقِي بِهِ الْبَعِيرُ إِشَارَةً إِلَى مَا كَانَ فِي أَيَّامِهِ مِنْ تَعْظِيمِ الدِّينِ، وَإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ، وَتَوَسُّعِ خِطَطِهِ وَقُوَّتِهِ، وَجِدُّهُ فِي النَّزْعِ إِشَارَةٌ إِلَى مَا اجْتَهَدَ فِي إِعْلَاءِ أَمْرِ الدِّينِ، وَإِفْشَائِهِ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا اجْتِهَادًا بِمَا لَمْ يَتَّفِقْ لِأَحَدٍ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ، وَالْعَبْقَرِيُّ: الْقَوِيُّ، وَقِيلَ: الْعَبْقَرُ اسْمُ وَادٍ يَزْعُمُ الْعَرَبُ أَنَّ الْجِنَّ تَسْكُنُهُ فَنَسَبُوا إِلَيْهِ كُلَّ مَنْ تَعَجَّبُوا مِنْهُ أَمْرًا كَقُوَّةٍ وَغَيْرِهَا، فَكَأَنَّهُمْ وَجَدُوا مَا وَجَدُوا مِنْهُ خَارِجًا عَنْ وُسْعِ الْإِنْسَانِ، فَحَسِبُوا أَنَّهُ جِيءَ مِنَ الْعَبْقَرِ، ثُمَّ قَالُوهُ لِكُلِّ شَيْءٍ نَفِيسٍ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: قَوْلُهُ: فِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ لَيْسَ بِهِ حَطٌّ لِمَنْزِلَتِهِ، وَلَا إِثْبَاتُ فَضِيلَةٍ لِعُمَرَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا هُوَ إِخْبَارٌ عَنْ مُدَّةِ وِلَايَتِهِمَا، وَكَثْرَةِ انْتِفَاعِ النَّاسِ فِي وِلَايَةِ عُمَرَ لِطُولِهَا وَلِاتِّسَاعِ الْإِسْلَامِ وَفَتْحِ الْبِلَادِ وَحُصُولِ الْأَمْوَالِ وَالْغَنَائِمِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ ضَعْفَهُ، فَلَيْسَ فِيهِ نَقْصٌ وَلَا إِشَارَةٌ إِلَى ذَنْبٍ، وَإِنَّمَا هِيَ كَلِمَةٌ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يُزَيِّنُونَ بِهَا كَلَامَهُمْ. وَقَدْ جَاءَ فِي (صَحِيحِ مُسْلِمٍ) أَنَّهَا كَلِمَةٌ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَقُولُونَهَا افْعَلْ كَذَا وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَكَ. وَفِي قَوْلِهِ: فَنَزَعْتُ مِنْهَا مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ إِشَارَةٌ إِلَى نِيَابَةِ أَبِي بَكْرٍ وَخِلَافَتِهِ بَعْدَهُ، وَرَاحَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِوَفَاتِهِ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَمَشَاقِّهَا. وَفِي قَوْلِهِ: ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ الْخَطَّابِ مِنْ يَدِ أَبِي بَكْرٍ إِلَى قَوْلِهِ: وَضَرَبُوا بِعَطَنٍ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَمَعَ أَهْلَ الرِّدَّةِ وَجَمَعَ شَمْلَ الْمُسْلِمِينَ وَابْتَدَأَ الْفُتُوحَ وَمَهَّدَ الْأُمُورَ، وَتَمَّتْ ثَمَرَاتُ ذَلِكَ وَتَكَامَلَتْ فِي زَمَنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute