إِلَى أَنْ قَامَتِ الْأُخْتُ وَزَوْجُهَا يَقْرَآنِ: {طه - مَا أَنْزَلْنَا} [طه: ١ - ٢] فَلَمَّا سَمِعَ قَالَ: نَاوِلْنِي الْكِتَابَ حَتَّى أَنْظُرَ فِيهِ، فَلَمَّا قَرَأَهُ إِلَى قَوْلِهِ: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [طه: ٨] ، قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا أَهْلٌ أَنْ لَا يُعْبَدَ سِوَاهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَبَاتَ سَاهِرَ الْعَيْنِ يُنَادِي فِي كُلِّ سَاعَةٍ: وَاشَوْقَاهُ إِلَى مُحَمَّدٍ حَتَّى أَصْبَحَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ خَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ فَقَالَ: يَا عُمَرُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَاتَ اللَّيْلَةَ سَاهِرًا يُنَاجِي اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - أَنْ يُعِزَّ الْإِسْلَامَ بِكَ أَوْ بِأَبِي جَهْلٍ، وَأَنَا أَرْجُو أَنْ تَكُونَ دَعْوَتُهُ قَدْ سَبَقَتْ فِيكَ، فَخَرَجَ مُقَلِّدًا سَيْفَهُ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى مَنْزِلٍ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: ( «يَا عُمَرُ أَسْلِمْ أَوْ لَيُنْزِلَنَّ اللَّهُ بِكَ مَا أَنْزَلَ بِوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ» ) فَارْتَعَدَتْ فَرَائِصُ عُمَرَ وَوَقَعَ السَّيْفُ مِنْ يَدِهِ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ: اللَّاتُ وَالْعُزَّى تُعْبَدُ عَلَى رُءُوسِ الْجِبَالِ وَفِي بُطُونِ الْأَوْدِيَةِ، وَاللَّهُ يُعْبَدُ سِرًّا، وَاللَّهِ لَا يُعْبَدُ اللَّهُ سِرًّا بَعْدَ يَوْمِنَا هَذَا. (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ) . وَانْتَهَتْ رِوَايَتُهُ إِلَى قَوْلِهِ: فَأَسْلَمَ وَلَمْ يَذْكُرْ ثُمَّ صَلَّى إِلَخْ وَقَالَ: غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَفِي سَنَدِهِ أَبُو عَمْرِو بْنِ النَّضْرِ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُهُمْ وَقَالَ: يَرْوِي الْمَنَاكِيرَ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ اهـ. وَزِيَادَةُ ثُمَّ صَلَّى إِلَخْ رَوَاهَا مُحْيِي السُّنَّةِ فِي (شَرْحِ السُّنَّةِ) : مِنْ جُمْلَةِ الْحَدِيثِ فِي هَذَا السَّنَدِ ذَكَرَهُ مَيْرَكُ. وَقَالَ ابْنُ الرَّبِيعِ فِي (مُخْتَصَرِ الْمَقَاصِدِ الْحَسَنَةِ) لِلسَّخَاوِيِّ: حَدِيثُ: ( «اللَّهُمَّ أَيِّدِ الْإِسْلَامَ بِأَحَبِّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ بِأَبِي جَهْلٍ أَوْ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ» ) . رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي (جَامِعِهِ) وَغَيْرُهُمَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِهِ مَرْفُوعًا. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ فِي (مُسْتَدْرَكِهِ) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ( «اللَّهُمَّ أَيِّدِ الدِّينَ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ» ) وَفِي لَفْظٍ: أَعِزَّ الْإِسْلَامَ بِعُمَرَ، وَقَالَ: إِنَّهُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَفِيهِ عَنْ عَائِشَةَ: «اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ خَاصَّةً» . وَقَالَ: إِنَّهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. قُلْتُ: وَأَمَّا مَا يَدُورُ عَلَى الْأَلْسِنَةِ مِنْ قَوْلِهِمْ: اللَّهُمَّ أَيِّدِ الْإِسْلَامَ بِأَحَدِ الْعُمَرَيْنِ فَلَا أَعْلَمُ لَهُ أَصْلًا. اهـ كَلَامُهُ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، حَدِيثُ: (اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ) إِلَخْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَرَوَى الْحَاكِمُ عَنْ عَائِشَةَ: ( «اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ خَاصَّةً» ) . وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ النَّارَنْجِيُّ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ حَدِيثِ: اللَّهُمَّ أَيِّدِ الْإِسْلَامَ؟ فَقَالَ: مَعَاذَ اللَّهِ دِينُ الْإِسْلَامِ أَعَزُّ مِنْ ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: اللَّهُمَّ أَعِزَّ عُمَرَ بِالدِّينِ أَوْ أَبَا جَهْلٍ. أَقُولُ: لَيْسَ فِيمَا وَرَدَ مِنَ الْحَدِيثِ مَحْذُورٌ، بَلْ هُوَ مِنْ قَبِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} [يس: ١٤] أَيْ قَوَّيْنَا الرَّسُولَيْنِ وَمَا أَتَيَا مِنَ الدِّينِ بِهِ، أَوْ مِنْ بَابِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( «زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ» ) عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ نَوْعِ الْقَلْبِ فِي الْكَلَامِ كَمَا فِي: عَرَضْتُ النَّاقَةَ عَلَى الْحَوْضِ. وَلِذَا وَرَدَ أَيْضًا: «زَيِّنُوا أَصْوَاتَكُمْ بِالْقُرْآنِ» . وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إِنْ صَحَّتِ الرِّوَايَةُ وَطَابَقَتِ الدِّرَايَةَ، فَلَا وَجْهَ لِلتَّخْطِئَةِ، ثُمَّ لَا شَكَّ فِي حُصُولِ إِعْزَازِ الدِّينِ بِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَوَّلًا: مِنْ إِخْفَائِهِ إِلَى إِعْلَانِهِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: ٦٤] وَهُوَ كَمَالُ الْأَرْبَعِينَ إِيمَاءً إِلَى ذَلِكَ. وَآخِرًا مِنْ فُتُوحَاتِ الْبِلَادِ وَكَثْرَةِ إِيمَانِ الْعِبَادِ وَفِيمَا بَيْنَهُمَا مِنْ غِلْظَتِهِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ وَالْمُشْرِكِينَ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ} [الفتح: ٢٩] إِشْعَارًا إِلَيْهِ، بَلْ وَمَا تَمَّ أَمْرُ خِلَافَةِ الصِّدِّيقِ وَجِهَادِهِ مَعَ الْمُرْتَدِّينَ إِلَّا بِمَعُونَتِهِ، وَمَا فُتِحَ بَابُ النِّزَاعِ وَالْمُخَالَفَةِ الْبَاعِثَةِ عَلَى الْمُقَاتَلَةِ فِيمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ وَبَعْدَ غَيْبَتِهِ، وَلَعَلَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَشَارَ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: (لَوْ كَانَ بَعْدِي نَبِيٌّ لَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ) . وَقَالَ دَاوُدُ بْنُ الْحُصَيْنِ وَالزُّهْرِيُّ: لَمَّا أَسْلَمَ عُمَرُ نَزَلَ جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ اسْتَبْشَرَ أَهْلُ السَّمَاءِ بِإِسْلَامِ عُمَرَ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى مَا رَوَاهُ أَبُو حَاتِمٍ وَالدَّارَقُطْنِيُّ.
وَقَالَ الْمُؤَلِّفُ: هُوَ عَدَوِيٌّ قُرَشِيٌّ يُكَنَّى أَبَا حَفْصٍ، أَسْلَمَ سَنَةَ سِتٍّ مِنَ النُّبُوَّةِ، وَقَبْلَ سَنَةِ خَمْسٍ بَعْدَ أَرْبَعِينَ رَجُلًا وَإِحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةً، وَيُقَالُ: بِهِ تَمَّتِ الْأَرْبَعُونَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَأَلْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لِأَيِّ شَيْءٍ سُمِّيتَ الْفَارُوقَ؟ فَقَالَ: أَسْلَمَ حَمْزَةُ قَبْلِي بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، ثُمَّ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِلْإِسْلَامِ فَقُلْتُ: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى، فَمَا فِي الْأَرْضِ نَسَمَةٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَسَمَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقُلْتُ أَيْنَ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ أُخْتِي: هُوَ فِي دَارِ الْأَرْقَمِ عِنْدَ بَنِي الْأَرْقَمِ عِنْدَ الصَّفَا، فَأَتَيْتُ الدَّارَ فَإِذَا حَمْزَةُ فِي أَصْحَابِهِ جُلُوسٌ فِي الدَّارِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْبَيْتِ فَضَرَبْتُ الْبَابَ فَاسْتَجْمَعَ الْقَوْمُ فَقَالَ لَهُمْ حَمْزَةُ: مَا لَكُمْ؟ قَالُوا: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. قَالَ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخَذَ بِمَجَامِعِ ثِيَابِي ثُمَّ نَثَرَنِي نَثْرَةً فَمَا مَلَكْتُ أَنْ وَقَعْتُ عَلَى رُكْبَتَيَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (مَا أَنْتَ بِمُنْتَهٍ يَا عُمَرُ) فَقُلْتُ: أَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute