مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَكَبَّرَ أَهْلُ الدَّارِ تَكْبِيرَةً سَمِعَهَا أَهْلُ الْمَسْجِدِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ إِنْ مِتْنَا وَإِنْ حَيِينَا؟ قَالَ: (بَلَى، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّكُمْ عَلَى الْحَقِّ إِنْ مِتُّمْ وَإِنْ حَيِيتُمْ) . فَقُلْتُ: فَفِيمَ الِاخْتِفَاءُ؟ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَتَخْرُجَنَّ، فَأَخْرَجْنَاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَفَّيْنِ، حَمْزَةُ فِي أَحَدِهِمَا وَأَنَا فِي الْآخَرِ وَلِي كَدِيدٌ كَكَدِيدِ الطَّحِينِ، حَتَّى دَخَلْنَا الْمَسْجِدَ، فَنَظَرَتْ إِلَيَّ قُرَيْشٌ وَإِلَى حَمْزَةَ فَأَصَابَهُمْ كَآبَةٌ لَمْ تُصِبْهُمْ مِثْلُهَا، فَسَمَّانِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَئِذٍ الْفَارُوقَ، فَرَّقَ اللَّهُ بِي بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ اهـ.
وَذَكَرَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا أَنَّ مُنَافِقًا خَاصَمَ يَهُودِيًّا، وَدَعَاهُ الْيَهُودِيُّ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدَعَاهُ الْمُنَافِقُ إِلَى كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ، ثُمَّ إِنَّهُمَا احْتَكَمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحَكَمَ لِلْيَهُودِيِّ فَلَمْ يَرْضَ الْمُنَافِقُ وَقَالَ: نَتَحَاكَمُ إِلَى عُمَرَ، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ لِعُمَرَ: قَضَى لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحَكَمَ فَلَمْ يَرْضَ بِقَضَائِهِ وَخَاصَمَ إِلَيْكَ، فَقَالَ عُمَرُ لِلْمُنَافِقِ أَكَذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: مَكَانَكُمَا حَتَّى أَخْرُجَ إِلَيْكُمَا، فَدَخَلَ فَأَخَذَ سَيْفَهُ ثُمَّ خَرَجَ، فَضَرَبَ بِهِ عُنُقَ الْمُنَافِقِ حَتَّى بَرَدَ وَقَالَ: هَكَذَا أَقْضِي لِمَنْ لَمْ يَرْضَ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَنَزَلَتْ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ} [النساء: ٦٠] قِيلَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( «مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنْ يَجْتَرِئَ عُمَرُ عَلَى قَتْلِ مُؤْمِنٍ» ) فَأَنْزَلَ اللَّهُ تِلْكَ الْآيَةَ، فَهُدِرَ دَمُ ذَلِكَ الرَّجُلِ وَبَرِئَ عُمَرُ عَنْ قَتْلِهِ ظُلْمًا، فَقَالَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: إِنَّ عُمَرَ فَرَّقَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ فَسُمِّيَ الْفَارُوقُ وَقَدْ قَالَ السُّيُوطِيُّ: وَرَدَ أَيْضًا بِلَفْظِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ نَفْسِهِ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي (الدَّلَائِلِ) ، وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ، وَمِنْ حَدِيثِ رَبِيعَةَ السَّعْدِيِّ أَخْرَجَهُ الْبَغَوِيُّ فِي (مُعْجَمِهِ) ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَخَبَّابٍ أَخْرَجَهُمَا ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَارِيخِهِ، وَمِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ الْأَرْقَمِ وَمُرْسَلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَمَرَاسِيلِ الزُّهْرِيِّ، أَخْرَجَهُمَا ابْنُ سَعْدٍ فِي (الطَّبَقَاتِ) ، وَوَرَدَ بِلَفْظِ عَائِشَةَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَخْرَجَهُ ابْنُ سَعْدٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي (الْأَوْسَطِ) ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَخْرَجَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ، وَمِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَمِنْ مُرْسَلِ الْحَسَنِ أَخْرَجَهُ ابْنُ سَعْدٍ. وَقَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ: إِنَّهُ دَعَا بِالْأَوَّلِ أَوَّلًا، فَلَمَّا أُوحِيَ إِلَيْهِ أَنَّ أَبَا جَهْلٍ لَنْ يُسْلِمَ خَصَّ عُمَرَ بِدُعَائِهِ، فَأُجِيبَ فِيهِ، وَقَدِ اشْتُهِرَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى الْأَلْسِنَةِ بِلَفْظِ: بِأَحَبِّ الْعُمَرَيْنِ، وَلَا أَصَلَ لَهُ مِنْ طُرُقِ الْحَدِيثِ بَعْدَ الْفَحْصِ الْبَالِغِ اهـ كَلَامُ السُّيُوطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute