٦٠٤٨ - وَعَنْ بُرَيْدَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ فَلَمَّا انْصَرَفَ جَاءَتْ جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ. فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي كُنْتُ نَذَرْتُ إِنْ رَدَّكَ اللَّهُ صَالِحًا أَنْ أَضْرِبَ بَيْنَ يَدَيْكَ بِالدُّفِّ وَأَتَغَنَّى فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إِنْ كُنْتِ نَذَرْتِ فَاضْرِبِي، وَإِلَّا فَلَا) فَجَعَلَتْ تَضْرِبُ، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَهِيَ تَضْرِبُ، ثُمَّ دَخَلَ عَلِيٌّ وَهِيَ تَضْرِبُ، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ وَهِيَ تَضْرِبُ، ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ فَأَلْقَتِ الدُّفَّ تَحْتَ اسْتِهَا ثُمَّ قَعَدَتْ عَلَيْهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَيَخَافُ مِنْكَ يَا عُمَرُ! إِنِّي كُنْتُ جَالِسًا وَهِيَ تَضْرِبُ، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَهِيَ تَضْرِبُ، ثُمَّ دَخَلَ عَلِيٌّ وَهِيَ تَضْرِبُ، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ وَهِيَ تَضْرِبُ، فَلَمَّا دَخَلْتَ أَنْتَ يَا عُمَرُ أَلْقَتِ الدُّفَّ) » . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
ــ
٦٠٤٨ - (وَعَنْ بُرَيْدَةَ) : بِالتَّصْغِيرِ (قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ) أَيْ: أَزْمِنَةِ غَزَوَاتِهِ (فَلَمَّا انْصَرَفَ جَاءَتْهُ) أَيِ: النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي نُسْخَةٍ جَاءَتْ (جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ نَذَرْتُ إِنْ رَدَّكَ اللَّهُ صَالِحًا) أَيْ: مَنْصُورًا وَفِي رِوَايَةٍ: سَالِمًا (أَنْ أَضْرِبَ بَيْنَ يَدَيْكَ) أَيْ: قُدَّامَكَ وَفِي حُضُورِكَ (بِالدُّفِّ) : بِضَمِّ الدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ وَهُوَ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ، وَرُوِيَ الْفَتْحُ أَيْضًا هُوَ مَا يُطَبَّلُ بِهِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الدُّفُّ الَّذِي كَانَ فِي زَمَنِ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَأَمَّا مَا فِيهِ الْجَلَاجِلُ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَكْرُوهًا اتِّفَاقًا، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوَفَاءَ بِالنَّذْرِ الَّذِي فِيهِ قُرْبَةٌ وَاجِبٌ وَالسُّرُورُ بِمَقْدِمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُرْبَةٌ، سِيَّمَا مِنَ الْغَزْوِ الَّذِي فِيهِ تَهْلِكُ الْأَنْفُسُ، وَعَلَى أَنَّ الضَّرْبَ بِالدُّفِّ مُبَاحٌ وَفِي قَوْلِهِ: (وَأَتَغَنَّى) : دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ سَمَاعَ صَوْتِ الْمَرْأَةِ بِالْغِنَاءِ مُبَاحٌ إِذَا خَلَا عَنِ الْفِتْنَةِ. (فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إِنْ كُنْتِ نَذَرْتِ فَاضْرِبِي وَإِلَّا فَلَا) . فِيهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى أَنَّ ضَرْبَ الدُّفِّ لَا يَجُوزُ إِلَّا بِالنَّذْرِ وَنَحْوِهِ مِمَّا وَرَدَ فِيهِ الْإِذْنُ مِنَ الشَّارِعِ كَضَرْبِهِ فِي إِعْلَانِ النِّكَاحِ، فَمَا اسْتَعْمَلَهُ بَعْضُ مَشَايِخِ الْيَمَنِ مِنْ ضَرْبِ الدُّفِّ حَالَ الذِّكْرِ، فَمِنْ أَقْبَحِ الْقَبِيحِ، وَاللَّهُ وَلِيُّ دِينِهِ وَنَاصِرُ نَبِيِّهِ. (فَجَعَلَتْ تَضْرِبُ، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَهِيَ تَضْرِبُ) ، جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (ثُمَّ دَخَلَ عَلِيٌّ وَهِيَ تَضْرِبُ، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ وَهِيَ تَضْرِبُ، ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ فَأَلْقَتِ الدُّفَّ تَحْتَ اسْتِهَا) : بِهَمْزِ وَصْلٍ مَكْسُورٍ وَسُكُونِ سِينٍ أَيْ أَلْيَتِهَا بِأَنْ رَفَعَتْهَا وَوَضَعَتْهُ تَحْتَهَا. (ثُمَّ قَعَدَتْ عَلَيْهَا) ، أَيْ عَلَى اسْتِهَا لِتَسْتُرَهُ عَنْ عُمَرَ هَيْبَةً، وَفِي رِوَايَةٍ: ثُمَّ قَعَدَتْ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الدُّفِّ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَيَخَافُ مِنْكَ يَا عُمَرُ) يُرِيدُ بِهِ تِلْكَ الْمَرْأَةَ السَّوْدَاءَ لِأَنَّهَا شَيْطَانُ الْإِنْسِ وَتَفْعَلُ فِعْلَ الشَّيْطَانِ، أَوِ الْمُرَادُ شَيْطَانُهَا الَّذِي يَحْمِلُهَا عَلَى فِعْلِهَا الْمَكْرُوهِ، وَهُوَ زِيَادَةُ الضَّرْبِ الَّتِي هِيَ مِنْ جِنْسِ اللَّهْوِ عَلَى مَا حَصَلَ بِهِ إِظْهَارُ الْفَرَحِ، (إِنِّي كُنْتُ جَالِسًا) : اسْتِئْنَافُ تَعْلِيلٍ (وَهِيَ تَضْرِبُ) : حَالٌ (فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَهِيَ تَضْرِبُ، ثُمَّ دَخَلَ عَلِيٌّ وَهِيَ تَضْرِبُ، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ وَهِيَ تَضْرِبُ، فَلَمَّا دَخَلْتَ أَنْتَ يَا عُمَرُ أَلْقَتِ الدُّفَّ) . أَيْ تَحْتَ اسْتِهَا، ثُمَّ قَعَدَتْ عَلَيْهَا. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: وَإِنَّمَا مَكَّنَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ضَرْبِ الدُّفِّ بَيْنَ يَدَيْهِ لِأَنَّهَا نَذَرَتْ فَدَلَّ نَذْرُهَا عَلَى أَنَّهَا عَدَّتِ انْصِرَافَهُ عَلَى حَالِ السَّلَامَةِ نِعْمَةً مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهَا، فَانْقَلَبَ الْأَمْرُ فِيهِ مِنْ صَنْعَةِ اللَّهْوِ إِلَى صَنْعَةِ الْحَقِّ، وَمِنَ الْمَكْرُوهِ إِلَى الْمُسْتَحَبِّ، ثُمَّ إِنَّهُ لَمْ يَكْرَهْ مِنْ ذَلِكَ مَا يَقَعُ بِهِ الْوَفَاءُ بِالنَّذْرِ، وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ بِأَدْنَى ضَرْبٍ، ثُمَّ عَادَ الْأَمْرُ فِي الزِّيَادَةِ إِلَى حَدِّ الْمَكْرُوهِ، وَلَمْ يَرَ أَنْ يَمْنَعَهَا لِأَنَّهُ لَوْ مَنَعَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَرْجِعُ إِلَى حَدِّ التَّحْرِيمِ، فَلِذَا سَكَتَ عَنْهَا وَحَمِدَ انْتِهَاءَهَا عَمَّا كَانَتْ فِيهِ بِمَجِيءِ عُمَرَ اهـ. وَفِيهِ أَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يَمْنَعَهَا مَنْعًا لَا يَرْجِعُ إِلَى حَدِّ التَّحْرِيمِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute