طَرِيقِ رِضَاهُ (ثُمَّ حَضَّ) : بِتَشْدِيدِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ: حَثَّ وَحَرَّضَ (عَلَى الْجَيْشِ) ، أَيْ: فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ أَوْ فِي غَيْرِهِ مِنَ الزَّمَانِ (فَقَامَ عُثْمَانُ، فَقَالَ: عَلَيَّ مِائَتَا بَعِيرٍ) ، أَيْ: غَيْرُ تِلْكَ الْمِائَةِ لَا بِانْضِمَامِهَا كَمَا يُتَوَهَّمُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (بِأَحْلَاسِهَا وَأَقْتَابِهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ حَضَّ) ، أَيْ: ثَالِثًا. وَفِي رِوَايَةٍ: ثُمَّ حَضَّ عَلَى الْجَيْشِ (فَقَامَ عُثْمَانُ، فَقَالَ: عَلَيَّ ثَلَاثُمِائَةِ بَعِيرٍ بِأَحْلَاسِهَا وَأَقْتَابِهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) ، فَالْتَزَمَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي كُلِّ مَرْتَبَةٍ بِحُكْمِ رُتْبَةِ الْمَقَامِ، فَفِي الْمَقَامِ الْأَوَّلِ ضَمِنَ مِائَةً وَاحِدَةً، وَفِي الثَّانِي مِائَتَيْنِ، وَفِي الثَّالِثِ ثَلَاثَمِائَةٍ فَالْمَجْمُوعُ سِتُّمِائَةٍ، وَسَيَأْتِي لَهُ مِنَ الزِّيَادَةِ.
(قَالَ طَلْحَةُ: فَأَنَا) ، أَيْ: بِنَفْسِي مِنْ غَيْرِ أَنْ أَسْمَعَ مِنْ غَيْرِي (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْزِلُ عَنِ الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَقُولُ: (مَا عَلَى عُثْمَانَ) : مَا هَذِهِ نَافِيَةٌ بِمَعْنَى لَيْسَ، وَفِي قَوْلِهِ: (مَا عَمِلَ بَعْدَ هَذِهِ) ، مَوْصُولَةٌ اسْمُ لَيْسَ أَيْ: لَيْسَ عَلَيْهِ وَلَا يَضُرُّهُ الَّذِي يَعْمَلُ فِي جَمِيعِ عُمْرِهِ بَعْدَ هَذِهِ الْحَسَنَةِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهَا مُكَفِّرَةٌ لِذُنُوبِهِ الْمَاضِيَةِ مَعَ زِيَادَةِ سَيِّئَاتِهِ الْآتِيَةِ كَمَا وَرَدَ فِي ثَوَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى بِشَارَةٍ لَهُ بِحُسْنِ الْخَاتِمَةِ وَقَالَ شَارِحٌ: (مَا) فِيهِ إِمَّا مَوْصُولَةٌ أَيْ: مَا بَأْسٌ عَلَيْهِ الَّذِي عَمِلَهُ مِنَ الذُّنُوبِ بَعْدَ هَذِهِ الْعَطَايَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ: مَا عَلَى عُثْمَانَ عَمَلٌ مِنَ النَّوَافِلِ بَعْدَ هَذِهِ الْعَطَايَا ; لِأَنَّ تِلْكَ الْحَسَنَةَ تَنُوبُ عَنْ جَمِيعِ النَّوَافِلِ. قَالَ الْمُظْهِرُ، أَيْ: مَا عَلَيْهِ أَنْ لَا يَعْمَلَ بَعْدَ هَذِهِ مِنَ النَّوَافِلِ دُونَ الْفَرَائِضِ، لِأَنَّ تِلْكَ الْحَسَنَةَ تَكْفِيهِ عَنْ جَمِيعِ النَّوَافِلِ اهـ. وَهُوَ حَاصِلُ الْمَعْنَى، وَإِلَّا فَلَا يُطَابِقُ الْمَبْنَى (مَا عَلَى عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ هَذِهِ) . كَرَّرَهُ تَأْكِيدًا لِمَا قَرَّرَهُ. قَالَ الطِّيبِيُّ وَنَحْوُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ: ( «لَعَلَّ اللَّهَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ» ) اهـ. وَلَا يَخْفَى مَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْفَرْقِ عِنْدَ ذَوِي النُّهَى، وَإِذِ الْأَوَّلُ مَجْزُومٌ بِهِ قَطْعًا وَالثَّانِي مَبْنِيٌّ عَلَى الرَّجَاءِ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) . وَكَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَقَالَ فِي آخِرِهِ قَالَ: فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ بِيَدِهِ هَكَذَا يُحَرِّكُهَا، وَأَخْرَجَ عَبْدُ الصَّمَدِ: يُحَرِّكُ يَدَهُ كَالْمُتَعَجِّبِ: مَا عَلَى عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَهَا. وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو: جَهَّزَ عُثْمَانُ جَيْشَ الْعُسْرَةِ بِتِسْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ بَعِيرًا وَأَتَمَّ لِلْأَلْفِ بِخَمْسِينَ فَرَسًا. وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَمَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ عَلَى تِسْعِمِائَةٍ وَأَرْبَعِينَ بَعِيرًا وَسِتِّينَ فَرَسًا أَتَمَّ الْأَلْفَ بِهَا أَخْرَجَهُ الْقَزْوِينِيُّ وَالْحَاكِمِيُّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute