للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بِهَا مَاءٌ يُسْتَعْذَبُ) ، أَيْ: يُعَدُّ عَذْبًا أَيْ: حُلْوًا (غَيْرُ بِئْرِ رُومَةَ) ؟ بِرَفْعِ " غَيْرُ " وَجُوِّزَ نَصْبُهُ وَالْبِئْرُ مَهْمُوزٌ وَيُبْدَلُ، وَرُومَةَ بِضَمِّ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْوَاوِ فَمِيمٌ، اسْمُ بِئْرٍ فِي الْعَقِيقِ الْأَصْفَرِ اشْتَرَاهَا عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَفِي الْمَدِينَةِ عَقِيقَانِ سُمِّيَا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمَا عَقَّا عَنْ حَرَّةِ الْمَدِينَةِ أَيْ: قَطَعَا (فَقَالَ) ، أَيِ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ( «مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ يَجْعَلُ دَلْوَهُ مَعَ دِلَاءِ الْمُسْلِمِينَ» ) : بِكَسْرِ الدَّالِ جَمَعُ دَلْوٍ وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الْوَقْفِ الْعَامِّ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ وَقْفِ السِّقَايَاتِ، وَعَلَى خُرُوجِ الْمَوْقُوفِ عَنْ مِلْكِ الْوَاقِفِ حَيْثُ جَعَلَهُ مَعَ غَيْرِهِ سَوَاءً، ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ، وَجُمْلَةُ يَجْعَلُ مَفْعُولٌ لَهُ أَوْ حَالٌ أَيْ: إِرَادَةَ أَنْ يَجْعَلَ أَوْ قَاصِدًا أَنْ يَجْعَلَ دَلْوَهُ مُسَاوِيًا أَوْ مُصَاحِبًا مَعَ دِلَائِهِمْ فِي الِاسْتِقَاءِ، وَلَا يَخُصُّهَا مِنْ بَيْنِهِمْ بِالْمِلْكِيَّةِ فَقَوْلُهُ: مَعَ دِلَاءِ الْمُسْلِمِينَ هُوَ الْمَفْعُولُ الثَّانِي لِجَعَلَ أَيْ: يَجْعَلُ دَلْوَهُ. رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ الْمُهَاجِرِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ وَاسْتَنْكَرُوا مَاءَهَا، وَكَانَ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي غِفَارٍ عَيْنٌ يُقَالُ لَهَا رُومَةُ، وَكَانَ يَبِيعُ الْقِرْبَةَ مِنْهَا بِمُدٍّ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (هَلْ تَبِيعُهَا بِعَيْنٍ فِي الْجَنَّةِ) قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ لِي وَلَا لِعِيَالِي سِوَاهَا فَلَا أَسْتَطِيعُ ذَلِكَ، فَقَالَ: (مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ يَجْعَلُ دَلْوَهُ مَعَ دِلَاءِ الْمُسْلِمِينَ) » (بِخَيْرٍ) : مُتَعَلِّقٌ بِيَشْتَرِي وَالْبَاءُ لِلْبَدَلِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَلَيْسَتْ مِثْلُهَا فِي قَوْلِهِمُ اشْتَرَيْتُ هَذَا بَدِرْهَمٍ وَلَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى} [البقرة: ١٦] فَالْمَعْنَى مَنْ يَشْتَرِيهَا بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ ثُمَّ يُبْدِلُهَا بِخَيْرٍ مِنْهَا أَيْ: بِأَفْضَلَ وَأَكْمَلَ أَوْ بِخَيْرٍ حَاصِلٍ (لَهُ) ، أَيْ: لِأَجْلِهِ (مِنْهَا) ، أَيْ: مِنْ تِلْكَ الْبِئْرِ أَوْ مِنْ جِهَتِهَا (فِي الْجَنَّةِ) فَاشْتَرَيْتُهَا مِنْ صُلْبِ مَالِي) ، بِضَمِّ الصَّادِ أَيْ: مِنْ أَصْلِهِ أَوْ خَالِصِهِ. فِي " الرِّيَاضِ "، قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ عُثْمَانَ فَاشْتَرَاهَا بِخَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: اجْعَلْ لِي مِثْلَ الَّذِي جَعَلْتَهُ لَهُ عَيْنًا فِي الْجَنَّةِ. قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: قَدِ اشْتَرَيْتُهَا وَجَعَلْتُهَا لِلْمُسْلِمِينَ، أَخْرَجَهُ الْفَضَائِلِيُّ. (وَأَنْتُمُ الْيَوْمَ تَمْنَعُونَنِي أَنْ أَشْرَبَ مِنْهَا حَتَّى أَشْرَبَ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ) ؟ أَيْ: مِمَّا فِيهِ مُلُوحَةٌ كَمَاءِ الْبَحْرِ، وَالْإِضَافَةُ فِيهِ لِلْبَيَانِ أَيْ: مَا يُشْبِهُ الْبَحْرَ (فَقَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ) . قَالَ الْمُطَرِّزِيُّ: قَدْ يُؤْتَى بِاللَّهُمَّ مَا قَبْلَ إِلَّا إِذَا كَانَ الْمُسْتَثْنَى عَزِيزًا نَادِرًا وَكَانَ قَصْدُهُمْ بِذَلِكَ الِاسْتِظْهَارَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي إِثْبَاتِ كَوْنِهِ وَوُجُودِهِ إِيمَاءً إِلَى أَنَّهُ بَلَغَ مِنَ النُّدُورِ. حَدَّ الشُّذُوذِ وَقِيلَ كَلِمَتَيِ الْجَحْدِ وَالتَّصْدِيقِ فِي جَوَابِ الْمُسْتَفْهِمِ كَقَوْلِهِ: اللَّهُمَّ لَا وَنَعَمْ (فَقَالَ: أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ وَالْإِسْلَامَ، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الْمَسْجِدَ) ، أَيْ: مَسْجِدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَدِينَةِ (ضَاقَ بِأَهْلِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( «مَنْ يَشْتَرِي بُقْعَةَ آلِ فُلَانٍ فَيَزِيدُهَا» ) : بِالرَّفْعِ وَفِي نُسْخَةٍ بِالنَّصْبِ أَيْ: فَتَزِيدَ تِلْكَ الْبُقْعَةُ (فِي الْمَسْجِدِ بِخَيْرٍ لَهُ مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ) . فَاشْتَرَيْتُهَا مِنْ صُلْبِ مَالِي) ، أَيْ: بِعِشْرِينَ أَلْفًا أَوْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ أَلْفًا عَلَى مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ الْمَسْجِدَ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَبْنِيًّا بِاللَّبِنِ وَسَقْفُهُ بِالْجَرِيدِ وَعُمُدُهُ خَشَبُ النَّخْلِ، فَلَمْ يَزِدْ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ شَيْئًا، وَزَادَ فِيهِ عُمَرُ، وَبَنَاهُ عَلَى بِنَائِهِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاللَّبِنِ وَالْجَرِيدِ وَأَعَادَ عُمُدَهُ خَشَبًا، ثُمَّ عَمَّرَهُ عُثْمَانُ فَزَادَ فِيهِ زِيَادَةً كَثِيرَةً وَبَنَى جِدَارَهُ بِالْحِجَارَةِ الْمَنْقُوشَةِ، وَجَعَلَ عُمُدَهُ مِنْ حِجَارَةٍ مَنْقُوشَةٍ وَسَقْفَهُ بِالسَّاجِ. وَأَخْرَجَ أَبُو الْخَيْرِ الْقَزْوِينِيُّ الْحَاكِمِيُّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ «كَانَ مِنْ شَأْنِ عُثْمَانَ أَنْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ: (يَا فُلَانُ أَلَا تَبِيعُنِي دَارَكَ أَزِيدُهَا فِي مَسْجِدِ الْكَعْبَةِ بِبَيْتٍ أَضْمَنُهُ فِي الْجَنَّةِ) فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لِي بَيْتٌ غَيْرُهُ فَإِنْ أَنَا بِعْتُكَ دَارِي لَا يُؤْوِينِي وَوَلَدِي بِمَكَّةَ شَيْءٌ قَالَ: (أَلَا بَلْ بِعْنِي دَارَكَ أَزِيدُهَا فِي مَسْجِدِ الْكَعْبَةِ بِبَيْتٍ أَضْمَنُهُ لَكَ فِي الْجَنَّةِ) . فَقَالَ الرَّجُلُ وَاللَّهِ مَا لِي إِلَى ذَلِكَ حَاجَةٌ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُثْمَانَ، وَكَانَ الرَّجُلُ صَدِيقًا لَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَتَاهُ فَلَمْ يَزَلْ بِهِ عُثْمَانُ حَتَّى اشْتَرَى مِنْهُ دَارَهُ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِينَارٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بَلَغَنِي أَنَّكَ أَرَدْتَ مِنْ فُلَانٍ دَارَهُ لِتَزِيدَهَا فِي مَسْجِدِ الْكَعْبَةِ بِبَيْتٍ تَضْمَنُهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ، وَإِنَّمَا هِيَ دَارِي فَهَلْ أَنْتَ آخِذُهَا بِبَيْتٍ تَضْمَنُهُ لِي فِي الْجَنَّةِ؟ فَأَخَذَهَا مِنْهُ وَضَمِنَ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ، وَأَشْهَدَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ الْمُؤْمِنِينَ» كَذَا فِي الرِّيَاضِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>