للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالَ الطِّيبِيُّ، قَوْلُهُ: اللَّهُ أَكْبَرُ بَعْدَمَا عَدَّ مِنَ الْأُمُورِ بِمَنْزِلَةِ: اللَّهُ أَكْبَرُ مِنَ الْحَدِيثِ السَّابِقِ، فَإِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُلْزِمَ ابْنَ عُمَرَ، وَيَحُطَّ مِنْ مَنْزِلَةِ عُثْمَانَ عَلَى الطَّرِيقِ الْمَذْكُورِ، فَلَمَّا قَالَ ابْنُ عُمَرَ: نَعَمْ، قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ تَعَجُّبًا وَتَعْجِيبًا وَإِظْهَارًا لِإِفْحَامِهِ إِيَّاهُ. (قَالَ ابْنُ عُمَرَ: تَعَالَ) أَيْ: ارْتَفِعْ عَنْ حَضِيضِ مَقَامِكَ مِنَ الْجَهْلِ إِلَى عُلُوِّ فَهْمِ الْقَضَايَا الْمُبْهَمَةِ الْمُبَيَّنَةِ عِنْدَ أَرْبَابِ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ. (أُبَيِّنْ لَكَ) : بِالْجَزْمِ عَلَى جَوَابِ الْأَمْرِ وَفِي نُسْخَةٍ بِالرَّفْعِ أَيْ أَنَا أُبَيِّنُ لَكَ (أَمَّا فِرَارُهُ يَوْمَ أُحُدٍ فَأَشْهَدْ أَنَّ اللَّهَ عَفَا عَنْهُ) ، وَفِي رِوَايَةٍ: وَغَفَرَ لَهُ يَعْنِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [آل عمران: ١٥٥] وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْمَعْفُوَّ خَارِجٌ عَنْ مَعْتَبَةِ الْمَعِيبَةِ بِالْمَغِيبَةِ. (وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَدْرٍ فَإِنَّهُ كَانَتْ تَحْتَهُ) أَيْ: تَحْتَ عَقْدِهِ (رُقَيَّةُ) : بِالتَّصْغِيرِ (بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ: وَهَذَا عَلَامَةُ كَمَالِ رِضَا النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ زَوَّجَهُ بِنْتَهُ ثُمَّ الْأُخْرَى وَهِيَ أُمُّ كُلْثُومٍ، وَبِهِ سُمِّيَ ذَا النُّورَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: (لَوْ كَانَتْ لِي بِنْتٌ أُخْرَى لَزَوَّجْتُهَا إِيَّاهُ) .

وَفِي " الرِّيَاضِ " عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( «إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ أُزَوِّجَ كَرِيمَتَيَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ» ) . أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَأَخْرَجَهُ خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ: كَرِيمَتَيَّ يَعْنِي رُقَيَّةَ وَأُمَّ كُلْثُومٍ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «لَقِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُثْمَانَ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ: (يَا عُثْمَانُ هَذَا جِبْرِيلُ أَخْبَرَنِي أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَرَنِي أَنْ أُزَوِّجَكَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِمِثْلِ صَدَاقِ رُقَيَّةَ وَعَلَى مِثْلِ صُحْبَتِهَا) » . أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ الْقَزْوِينِيُّ وَالْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَعَنْهُ قَالَ: «قَالَ عُثْمَانُ لَمَّا مَاتَتِ امْرَأَتُهُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: بَكَيْتُ بُكَاءً شَدِيدًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (مَا يُبْكِيكَ) فَقُلْتُ: أَبْكِي عَلَى انْقِطَاعِ صِهْرِي مِنْكَ، فَقَالَ: (هَذَا جِبْرِيلُ بِأَمْرِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - أَنْ أُزَوِّجَكَ أُخْتَهَا) » . وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَعْنَاهُ، وَزَادَ فِيهِ: ( «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مِائَةَ بِنْتٍ تَمُوتُ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ زَوَّجْتُكَ أُخْرَى حَتَّى لَا يَبْقَى مِنَ الْمِائَةِ شَيْءٌ. هَذَا جِبْرِيلُ أَخْبَرَنِي أَنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - يَأْمُرُنِي أَنْ أُزَوِّجَكَ أُخْتَهَا، وَأَنْ أَجْعَلَ صَدَاقَهَا مِثْلَ صَدَاقِ أُخْتِهَا» ) . أَخْرَجَهُ الْفَضَائِلِيُّ.

وَفِي " الذَّخَائِرِ "، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: «آمَ عُثْمَانُ مِنْ رُقَيَّةَ، وَآمَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ مِنْ زَوْجِهَا، فَمَرَّ عُمَرُ بِعُثْمَانَ فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي حَفْصَةَ، وَكَانَ عُثْمَانُ قَدْ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَذْكُرُهَا، فَلَمْ يُجِبْهُ، فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: (هَلْ لَكَ فِي خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ أَتَزَوَّجُ أَنَا حَفْصَةَ وَأُزَوِّجُ عُثْمَانَ خَيْرًا مِنْهَا أُمَّ كُلْثُومٍ) » .

أَخْرَجَهُ أَبُو عُمَرَ وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( «أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَمَرَنِي أَنْ أُزَوِّجَ عُثْمَانَ ابْنَتِي» ) وَقَالَتْ عَائِشَةُ: كُنْ لِمَا لَا تَرْجُوهُ أَرْجَى مِنْكَ لِمَا تَرْجُوهُ، فَإِنَّ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خَرَجَ يَلْتَمِسُ نَارًا فَرَجَعَ بِالنُّبُوَّةِ. أَخْرَجَهُ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ الْبَصْرِيُّ.

(وَكَانَتْ) أَيْ: رُقَيَّةُ (مَرِيضَةً) ، أَيْ فِي الْمَدِينَةِ. وَفِي " الذَّخَائِرِ " عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهَا كَانَتْ أَصَابَتْهَا الْحَصْبَةُ، فَمَرِضَتْ وَتَخَلَّفَ عَلَيْهَا عُثْمَانُ وَمَاتَتْ بِالْمَدِينَةِ، وَجَاءَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ بَشِيرًا بِفَتْحِ بَدْرٍ وَعُثْمَانُ قَائِمٌ عَلَى قَبْرِ رُقَيَّةَ. أَخْرَجَهُ أَبُو عُمَرَ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «لَمَّا عُزِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِابْنَتِهِ رُقَيَّةَ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، دَفْنُ الْبَنَاتِ مِنَ الْمَكْرُمَاتِ» . أَخْرَجَهُ الدُّولَابِيُّ. (فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( «إِنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ يَشْهَدُ بَدْرًا وَسَهْمَهُ» ) . أَيْ جَمَعَ لَهُ بَيْنَ أَجْرِ الْعُقْبَى وَغَنِيمَةِ الدُّنْيَا، فَلَا نُقْصَانَ فِي حَقِّهِ أَصْلًا فَيَكُونُ نَظِيرَ تَغَيُّبِ عَلِيٍّ عَنْ تَبُوكَ حَيْثُ جَعَلَهُ خَلِيفَةً عَلَى أَهْلِهِ وَأَمَرَهُ بِالْإِقَامَةِ فِيهِمْ، لَكِنْ لَمْ يُعْرَفْ أَنَّهُ جَعَلَ لِعَلِيٍّ سَهْمًا مِنَ الْغَنِيمَةِ أَيْضًا أَمْ لَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ثُمَّ رَأَيْتُهُ فِي " الرِّيَاضِ " أَنَّهُ كَذَلِكَ (وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ فَلَوْ كَانَ أَحَدٌ أَعَزَّ) أَيْ: أَكْثَرَ عِزَّةٍ مِنْ جِهَةِ الْعَشَرَةِ مِنْ بَقِيَّةِ الصَّحَابَةِ (بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ عُثْمَانَ لَبَعَثَهُ) ، أَيْ مَكَانَهُ كَمَا فِي رِوَايَةٍ، لَكِنْ لَمَّا فُقِدَ الْأَعَزُّ مِنْهُ حَتَّى امْتَنَعَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِ مُعَلِّلًا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لِي قَوْمٌ بِمَكَّةَ يُعِينُونَنِي وَيَحْفَظُونَنِي وَرَاءَ ظَهْرِي. (فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُثْمَانَ) ، أَيْ إِلَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>