عَلَى تِلْكَ الْبِشَارَةِ، فَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: اللَّهُمَّ حَمْدًا، وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ. (ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ فَاسْتَفْتَحَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (افْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ) فَفَتَحْتُ لَهُ، فَإِذَا عُمَرُ، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحَمِدَ اللَّهَ، ثُمَّ اسْتَفْتَحَ رَجُلٌ فَقَالَ لِي) : زَادَ هُنَا لِكَمَالِ الِاهْتِمَامِ بِمَعْرِفَةِ الْقَضِيَّةِ (افْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى) أَيْ: مَعَ بَلِيَّةٍ عَظِيمَةٍ (تُصِيبُهُ) : عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْأَشْرَفُ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: إِذَا جُعِلَ عَلَى مُتَعَلِّقَةً بِقَوْلِهِ بِالْجَنَّةِ يَكُونُ الْمُبَشَّرُ بِهِ مُرَكَّبًا، وَإِذَا جُعِلَ حَالًا مِنْ ضَمِيرِ الْمَفْعُولِ كَانَتِ الْبِشَارَةُ مُقَارَنَةً بِالْإِنْذَارِ، وَلَا يَكُونُ الْمُبَشَّرُ بِهِ مُرَكَّبًا وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَعَلَى بِمَعْنَاهُ انْتَهَى، وَالْأَظْهَرُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْبَلَاءَ نِعْمَةً عِنْدَ أَرْبَابِ الْوَلَاءِ. (فَإِذَا عُثْمَانُ) ، وَإِنَّمَا خَصَّ عُثْمَانَ بِهِ مَعَ أَنَّ عُمَرَ أَيْضًا ابْتُلِيَ بِهِ لِعِظَمِ ابْتِلَاءِ عُثْمَانَ، وَلَا سِيَّمَا مَعَ امْتِدَادِ الزَّمَانِ وَقِلَّةِ الْأَعْوَانِ مِنَ الْأَعْيَانِ. (فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحَمِدَ اللَّهَ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ) . أَيِ الْمَطْلُوبُ مِنْهُ الْمَعُونَةُ عَلَى جَمِيعِ الْمُؤْنَةِ، وَمِنْهُ الصَّبْرُ عَلَى مَرَارَةِ تِلْكَ الْبَلِيَّةِ، ثُمَّ فِي تَرْتِيبِ مَأْتَاهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ الَّتِي فِيهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِيمَاءٌ إِلَى مَرَاتِبِهِمُ الْعَلِيَّةِ فِي الْجَنَّةِ الْعَالِيَةِ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ، وَمِنَ الْقُرْبِ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ الْبَشِيرِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
ذَكَرَ فِي " الرِّيَاضِ " «عَنْ أَبِي مُوسَى، أَنَّهُ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَسَأَلَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: وَجَّهَ هَاهُنَا، فَخَرَجْتُ فِي أَثَرِهِ حَتَّى دَخَلَ بِئْرَ أَرِيسٍ، فَجَلَسْتُ عِنْدَ الْبَابِ. وَبَابُهَا مِنْ جَرِيدٍ، حَتَّى قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَاجَتَهُ، فَتَوَضَّأَ فَقُمْتُ إِلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ جَالَسٌ عَلَى بِئْرِ أَرِيسٍ وَتَوَسَّطَ قُفَّهَا وَهُوَ بِالضَّمِّ مَا ارْتَفَعَ مِنَ الْأَرْضِ، فَجَلَسْتُ عِنْدَ الْبَابِ فَقُلْتُ: لَأَكُونَنَّ بَوَّابًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَدَفَعَ الْبَابَ فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: أَبُو بَكْرٍ. فَقُلْتُ: عَلَى رِسْلِكَ، ثُمَّ ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْتُ: هَذَا أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ فَقَالَ: (ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ) . فَأَقْبَلْتُ حَتَّى قُلْتُ لَأَبِي بَكْرٍ ادْخُلْ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُبَشِّرُكَ بِالْجَنَّةِ، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَهُ فِي الْقُفِّ، وَدَلَّى رِجْلَيْهِ فِي الْبِئْرِ كَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ، ثُمَّ رَجَعْتُ فَجَلَسْتُ وَقَدْ تَرَكْتُ أَخِي يَتَوَضَّأُ وَيَلْحَقُنِي، فَقُلْتُ: إِنْ يُرِدِ اللَّهُ بِفُلَانٍ خَيْرًا يُرِيدُ أَخَاهُ يَأْتِ بِهِ، فَإِذَا بِإِنْسَانٍ يُحَرِّكُ الْبَابَ فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. فَقُلْتُ: عَلَى رِسْلِكَ، ثُمَّ جِئْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْتُ: هَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَسْتَأْذِنُكَ، فَقَالَ: (ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ) فَجِئْتُ فَقُلْتُ: ادْخُلْ وَيُبَشِّرُكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْجَنَّةِ، فَجَلَسَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقُفِّ عَنْ يَسَارِهِ، وَدَلَّى رِجْلَيْهِ فِي الْبِئْرِ، فَرَجَعْتُ وَجَلَسْتُ وَقُلْتُ: إِنْ يُرِدِ اللَّهُ بِفُلَانٍ خَيْرًا يَأْتِ بِهِ، فَجَاءَ إِنْسَانٌ فَحَرَّكَ الْبَابَ فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ. فَقُلْتُ: عَلَى رِسْلِكَ ثُمَّ جِئْتُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: (ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ) ، فَجِئْتُ فَقُلْتُ: ادْخُلْ وَرَسُولُ اللَّهِ يُبَشِّرُكَ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُكَ، فَدَخَلَ فَوَجَدَ الْقُفَّ قَدْ مُلِئَ فَجَلَسَ وُجَاهَهُ مِنَ الشِّقِّ الْآخَرِ» . قَالَ شَرِيكٌ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: فَأَوَّلْتُهَا قُبُورَهُمْ، أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ: فَأَوَّلْتُهَا قُبُورُهُمُ اجْتَمَعَتْ، وَانْفَرَدَ عُثْمَانُ.
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى «عَنْ أَبِي مُوسَى وَلَفْظُهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَّكِئًا فِي حَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ يَقُولُ، بِعُودٍ فِي الْمَاءِ وَالطِّينِ يَنْكُتُ بِهِ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَاسْتَفْتَحَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " افْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ " فَإِذَا هُوَ أَبُو بَكْرٍ، فَفَتَحْتُ لَهُ وَبَشَّرْتُهُ بِالْجَنَّةِ، ثُمَّ اسْتَفْتَحَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ لَهُ: " افْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ " فَإِذَا هُوَ عُمَرُ، فَفَتَحْتُ لَهُ وَبَشَّرْتُهُ بِالْجَنَّةِ، ثُمَّ اسْتَفْتَحَ آخَرُ فَجَلَسَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: " افْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ " قَالَ،: فَفَتَحْتُ لَهُ فَإِذَا هُوَ عُثْمَانُ فَبَشَّرْتُهُ بِالْجَنَّةِ وَقُلْتُ لَهُ الَّذِي قَالَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ صَبْرًا» وَخَرَّجَ التِّرْمِذِيُّ مَعْنَاهُ عَنْهُ وَلَفْظُهُ: «انْطَلَقْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَخَلَ حَائِطًا لِلْأَنْصَارِ، فَقَضَى حَاجَتَهُ فَقَالَ لِي: يَا أَبَا مُوسَى، أَمْلِكْ عَلَيَّ الْبَابِ وَلَا يَدْخُلَنَّ أَحَدٌ عَلَيَّ إِلَّا بِإِذْنٍ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَضَرَبَ الْبَابَ فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ. قَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ قَالَ: (ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ) ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ فِي عُمَرَ وَعُثْمَانَ» ، وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى تَكْرَارِ الْقَضِيَّةِ، فَإِنَّ أَبَا مُوسَى ذَكَرَ فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ الْأَوَّلِ أَنَّهُ سَأَلَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقِيلَ: وَجَّهَ هَاهُنَا فَاتَّبِعْ أَثَرَهُ، وَهَذَا الْحَدِيثُ يَنْطِقُ انْطَلَقَ مَعَهُ حَتَّى دَخَلَ فَقَالَ لَهُ تِلْكَ الْمَقَالَةَ، وَيَكُونُ أَبُو مُوسَى ذَكَرَ سَبَبَ جُلُوسِهِ بَوَّابًا فِي رِوَايَةٍ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي رِوَايَةٍ، وَاسْتَوْفَى الْقِصَّةَ فِي رِوَايَةٍ، وَاخْتَصَرَهَا فِي رِوَايَةٍ وَالْقِصَّةُ وَاحِدَةٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute