للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٦٠٩٤ - وَعَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «كَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَيْرٌ، فَقَالَ: " اللَّهُمَّ ائْتِنِي بِأَحَبِّ خَلْقِكَ إِلَيْكَ يَأْكُلُ مَعِي هَذَا الطَّيْرَ " فَجَاءَهُ عَلِيٌّ، فَأَكَلَ مَعَهُ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.

ــ

٦٠٩٤ - (وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَيْرٌ) ، أَيْ مَشْوِيٌّ أَوْ مَطْبُوخٌ أُهْدِيَ إِلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي رِوَايَةٍ أَهْدَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَيْرَيْنِ بَيْنَ رَغِيفَيْنِ فَقَدَّمَتْ إِلَيْهِ (فَقَالَ: " «اللَّهُمَّ ائْتِنِي بِأَحَبِّ خَلْقِكَ إِلَيْكَ» ") وَفِي رِوَايَةٍ: وَإِلَى رَسُولِكَ (" يَأْكُلُ ") : بِالرَّفْعِ وَفِي نُسْخَةٍ بِالْجَزْمِ (" مَعِي هَذَا الطَّيْرَ " فَجَاءَهُ عَلِيٌّ فَأَكَلَ مَعَهُ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) . أَيْ إِسْنَادًا أَوْ مَتْنًا وَلَا مَنْعَ مِنَ الْجَمْعِ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: مَوْضُوعٌ. وَقَالَ الْحَاكِمُ: لَيْسَ بِمَوْضُوعٍ، وَفِي الْمُخْتَصَرِ قَالَ: لَهُ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ. وَفِي الرِّيَاضِ: رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي الْمَنَاقِبِ " تو ": نَحْنُ وَإِنْ كُنَّا بِحَمْدِ اللَّهِ لَا نَجْهَلُ فَضْلَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَدَمَهُ وَسَوَابِقَهُ فِي الْإِسْلَامِ، وَاخْتِصَاصَهُ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَرَابَتِهِ الْقَرِيبَةِ، وَمُؤَاخَاتَهُ إِيَّاهُ فِي الدِّينِ وَنَتَمَسَّكُ بِحُبِّهِ بِأَقْوَى وَأَوْلَى مِمَّا يَدَّعِيهِ الْغَالُونَ فِيهِ، فَلَسْنَا نَرَى أَنْ نَضْرِبَ عَنْ تَقْرِيرِ أَمْثَالِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فِي نِصَابِهَا صَفْحًا لِمَا يُخْشَى فِيهَا مِنْ تَحْرِيفِ الْغَالِينَ، وَتَأْوِيلِ الْجَاهِلِينَ، وَانْتِحَالِ الْمُبْطِلِينَ.

وَهَذَا بَابٌ أُمِرْنَا بِمُحَافَظَتِهِ وَجِيءَ أَمْرُنَا بِالذَّبِّ عَنْهُ، فَحَقِيقٌ عَلَيْنَا أَنْ نَنْصُرَ فِيهِ الْحَقَّ وَنُقَدِّمَ فِيهِ الصِّدْقَ، وَهَذَا حَدِيثٌ يَرِيشُ بِهِ الْمُبْتَدِعُ سِهَامَهُ، وَيُوَصِّلُ بِهِ فِي الْمُبْتَدِعِ جَنَاحَهُ فَيَتَّخِذَهُ ذَرِيعَةً إِلَى الطَّعْنِ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الَّتِي هِيَ أَوَّلُ حُكْمٍ أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَأَقْوَمُ عِمَادٍ أُقِيمَ بِهِ الدِّينُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَقُولُ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ: هَذَا الْحَدِيثُ لَا يُقَاوِمُ مَا أَوْجَبَ تَقْدِيمَ أَبِي بَكْرٍ وَالْقَوْلَ بِخَيْرِيَّتِهِ مِنَ الْأَخْبَارِ الصِّحَاحِ مُنْضَمًّا إِلَيْهَا إِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ لِمَكَانِ سَنَدِهِ، فَإِنَّ فِيهِ لِأَهْلِ النَّقْلِ مَقَالًا، وَلَا يَجُوزُ حَمْلُ أَمْثَالِهِ عَلَى مَا يُخَالِفُ الْإِجْمَاعَ، وَلَا سِيَّمَا وَالصَّحَابِيُّ الَّذِي يَرْوِيهِ مِمَّنْ دَخَلَ فِي هَذَا الْإِجْمَاعِ وَاسْتَقَامَ عَلَيْهِ مُدَّةَ عُمْرِهِ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ خِلَافُهُ، فَلَوْ ثَبَتَ عَنْهُ هَذَا الْحَدِيثُ. فَالسَّبِيلُ أَنْ يُؤَوَّلَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَنْتَقِضُ عَلَيْهِ مَا اعْتَقَدَهُ، وَلَا يُخَالِفُ مَا هُوَ أَصَحُّ مِنْهُ مَتْنًا وَإِسْنَادًا، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ يُحْمَلُ قَوْلُهُ بِأَحَبِّ خَلْقِكَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ ائْتِنِي بِمَنْ هُوَ أَحَبُّ خَلْقِكَ إِلَيْكَ، فَيُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ، وَهُمُ الْمُفَضَّلُونَ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِمْ: فُلَانٌ أَعْقَلُ النَّاسِ وَأَفْضَلُهُمْ أَيْ: مِنْ أَعْقَلِهِمْ وَأَفْضَلِهِمْ، وَمِمَّا يُبَيِّنُ لَكَ أَنَّ حَمْلَهُ عَلَى الْعُمُومِ غَيْرُ جَائِزٍ هُوَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ جُمْلَةِ خَلْقِ اللَّهِ، وَلَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ عَلِيٌّ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْهُ فَإِنْ قِيلَ: ذَلِكَ شَيْءٌ غَرِيبٌ لِأَصْلِ الشَّرْعِ. قُلْنَا: وَالَّذِي نَحْنُ فِيهِ فَرْعٌ أَيْضًا بِالنُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، فَيُؤَوَّلُ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ أَحَبَّ خَلْقِهِ إِلَيْهِ مَنْ بَنِي عَمِّهِ وَذَوِيهِ؟ ، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُطْلِقُ الْقَوْلَ، وَهُوَ يُرِيدُ تَقْيِيدَهُ وَيَعُمُّ بِهِ، وَيُرِيدُ تَخْصِيصَهُ فَيَعْرِفُهُ ذَوُو الْفَهْمِ بِالنَّظَرِ إِلَى الْحَالِ أَوِ الْوَقْتِ أَوِ الْأَمْرِ الَّذِي هُوَ فِيهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>