للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

سَلِيمِ صِحَّةِ مَنْعِهِ كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يُقَدَّرَ بِمِقْدَارٍ مَعْلُومٍ كَمَا قَدَّرَهُ بَعْضُ أَئِمَّتِنَا بِثَلَاثِ أَصَابِعَ ; لِأَنَّهَا أَقَلُّ مَا اكْتَفَى بِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ مَعَ اسْتِيعَابِ الْمَسْحِ بِالْمُوَاظَبَةِ فِي سَائِرِ الْحَالَاتِ، فَلَوْ كَانَ أَقَلُّ مِنْهُ جَائِزًا لَفَعَلَهُ وَلَوْ مَرَّةً، فَالتَّقْدِيرُ بِمُسَمَّى - مَسَحَ وَإِنْ قَلَّ قَدْرُهُ - مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ النُّصُوصِ، وَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: إِنَّ ادِّعَاءَ الْقَائِلِ بِاسْتِيعَابِ الْكُلِّ أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْعِمَامَةِ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ لِعُذْرٍ، يُرَدُّ بِأَنَّ الْعُذْرَ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ مَدْفُوعٌ بِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمَّا كَانَ مُوَاظِبًا عَلَى الِاسْتِيعَابِ، وَهُنَا جَمَعَ بَيْنَ مَسْحِ الْبَعْضِ مِنَ الرَّأْسِ وَبَيْنَ مَسْحِهِ عَلَى الْعِمَامَةِ تَكْمِيلًا لِلِاسْتِيعَابِ كَانَ قَرِينَةً دَالَّةً عَلَى الْعُذْرِ، لَكِنَّهُ إِنَّمَا يَتِمُّ لَوْ لَمْ يَقَعْ لَهُ مَسْحٌ عَلَى بَعْضِ الرَّأْسِ بِدُونِ مَسْحِ الْعِمَامَةِ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي رِوَايَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. هَذَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي مُوَطَّئِهِ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْعِمَامَةِ فَقَالَ: لَا، حَتَّى يَمَسَّ الشَّعَرَ الْمَاءُ، ثُمَّ قَالَ: وَأَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: رَأَيْتُ صَفِيَّةَ ابْنَةَ أَبِي عُبَيْدٍ تَوَضَّأَتْ وَنَزَعَتْ خِمَارَهَا، ثُمَّ تَمْسَحُ بِرَأْسِهَا. قَالَ نَافِعٌ: وَأَنَا يَوْمَئِذٍ صَغِيرٌ. قَالَ مُحَمَّدٌ: بَلَغَنَا أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْعِمَامَةِ كَانَ فَتُرِكَ، (ثُمَّ أَهْوَيْتُ) أَيْ: قَصَدْتُ الْهُوِيَّ مِنَ الْقِيَامِ إِلَى الْقُعُودِ، وَقِيلَ: الْإِهْوَاءُ إِمَالَةُ الْيَدِ إِلَى شَيْءٍ لِيَأْخُذَهُ، أَيِ: انْحَنَيْتُ (لِأَنْزِعَ خُفَّيْهِ) ظَنًّا أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ فِي مُطْلَقِ الْأَحْوَالِ (فَقَالَ: " دَعْهُمَا ") أَيِ: اتْرُكْهُمَا وَلَا تَنْزِعْهُمَا عَنْ رِجْلِي (فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا) أَيْ: لَبِسْتُهُمَا حَالَ كَوْنِ قَدَمِي (طَاهِرَتَيْنِ) وَفِي رِوَايَةٍ: فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا وَهُمَا طَاهِرَتَانِ.

قَالَ الشَّمَنِّيُّ: لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ مِنِ اشْتِرَاطِ الطُّهْرِ بِكَوْنِهِ تَامًّا وَقْتَ اللُّبْسِ، إِذْ مَعْنَاهُ: أَدْخَلْتُ كُلًّا مِنْهُمَا وَهِيَ طَاهِرَةٌ، عَلَى حَدِّ: دَخَلْنَا الْبَلَدَ رُكْبَانًا ; أَيْ: دَخَلَ كُلٌّ مِنَّا وَهُوَ رَاكِبٌ، لَا أَنَّ جَمِيعَنَا رَاكِبٌ عِنْدَ دُخُولِ كُلٍّ مِنَّا اهـ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ يُشْتَرَطُ أَنْ تُوجَدَ الطَّهَارَةُ كَامِلَةً عِنْدَ اللُّبْسِ، وَفِي مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ عِنْدَ الْحَدَثِ، وَلِهَذَا الِاخْتِلَافِ فُرُوعٌ مَحَلُّهَا كُتُبُ الْفِقْهِ. (فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا) وَفِي نُسْخَةِ ابْنِ حَجَرٍ: فَمَسَحَ بِهِمَا، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلنُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي قَدْرِ الْإِجْزَاءِ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُجْزِئُهُ قَدْرُ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَسْحِ، وَقَالَ أَحْمَدُ: مَسْحُ الْأَكْثَرِ، وَقَالَ مَالِكٌ بِالِاسْتِيعَابِ (ثُمَّ رَكِبَ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَرَكِبْتُ) يَعْنِي: فَسِرْنَا (فَانْتَهَيْنَا) أَيْ: وَصَلْنَا (إِلَى الْقَوْمِ، وَقَدْ قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ) أَيْ: صَلَاةِ الصُّبْحِ، جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (وَيُصَلِّي بِهِمْ) أَيْ: وَالْحَالُ أَنَّهُ يُصَلِّي بِهِمْ إِمَامًا لَهُمْ (عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَقَدْ رَكَعَ) أَيْ: صَلَّى بِهِمْ (رَكْعَةً، فَلَمَّا أَحَسَّ) أَيْ: عَلِمَ (بِالنَّبِيِّ) أَيْ: بِمَجِيئِهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَهَبَ) شَرَعَ (يَتَأَخَّرُ) مِنْ مَوْضِعِهِ ; لِيَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَأَوْمَأَ) بِالْهَمْزِ (إِلَيْهِ) أَيْ: أَشَارَ إِلَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَالِهِ (فَأَدْرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ مَعَهُ) أَيْ: مُقْتَدِيًا بِهِ يَعْنِي: اقْتَدَى بِهِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ اقْتِدَاءِ الْأَفْضَلِ بِالْمَفْضُولِ إِذَا عَلِمَ أَرْكَانَ الصَّلَاةِ، وَعَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْعِصْمَةِ لِلْإِمَامِ خِلَافًا لِلْإِمَامِيَّةِ، (فَلَمَّا سَلَّمَ) أَيِ: الْإِمَامُ (قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لِأَدَاءِ مَا سَبَقَ (وَقُمْتُ مَعَهُ) أَيْ: لِأَنِّي كُنْتُ مَسْبُوقًا أَيْضًا. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ مَا قَالَهُ أَئِمَّتُنَا أَنَّ الْمَسْبُوقَ لَا يَجُوزُ لَهُ الْقِيَامُ إِلَّا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ، فَإِنْ قَامَ قَبْلَهُ بِلَا نِيَّةِ مُفَارَقَةٍ عَمْدًا عَالِمًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، أَوْ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا يَجِبُ جَمِيعُ مَا أَتَى بِهِ اهـ.

وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا: يُكْرَهُ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ أَنْ يَقُومَ إِلَى قَضَاءِ مَا سَبَقَ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْقِيَامُ لِضَرُورَةِ صَوْنِ صَلَاتِهِ عَنِ الْفَسَادِ كَمَا إِذَا خَشِيَ إِنِ انْتَظَرَهُ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ قَبْلَ تَمَامِ صَلَاتِهِ فِي الْفَجْرِ، فَإِنْ قَامَ قَبْلَ أَنْ يَقْعُدَ الْإِمَامُ قَدْرَ التَّشَهُّدِ ; فَإِنْ كَانَ مَسْبُوقًا بِرَكْعَةٍ إِنْ وَقَعَ مِنْ قِرَاءَتِهِ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنَ التَّشَهُّدِ مِقْدَارُ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ جَازَتْ صَلَاتُهُ، وَإِلَّا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ ; لِأَنَّ قِيَامَهُ وَقِرَاءَتَهُ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنَ التَّشَهُّدِ لَا يُعْتَبَرُ، وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ يَفْعَلُهَا الْجَاهِلُونَ، وَالنَّاسُ عَنْهَا غَافِلُونَ. (فَرَكَعْنَا) أَيْ: صَلَّى كُلٌّ مِنَّا (الرَّكْعَةَ الَّتِي سَبَقَتْنَا) أَيْ: فَاتَتْنَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>