أَيِ السُّكُونِ وَالْوَقَارِ وَالْحُضُورِ (فَقَالُوا) ، أَيْ: بَعْضُ الْحَاضِرِينَ (هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ) ، أَيْ: تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ أَوْ غَيْرَهَا (تَجَوَّزَ) : بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ أَيِ: اخْتَصَرَ (فِيهِمَا) ، عَلَى مَا لَا بُدَّ مِنْهُ وَخَفَّفَهُمَا، فَفِي النِّهَايَةِ: فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلَاتِي أَيْ: أُخَفِّفُهَا وَأُقَلِّلُهَا. (ثُمَّ خَرَجَ وَتَبِعْتُهُ، فَقُلْتُ) ، أَيْ: لَهُ (إِنَّكَ حِينَ دَخَلْتَ الْمَسْجِدَ قَالُوا: هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. قَالَ: " وَاللَّهِ مَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ مَا لَا يَعْلَمُ) قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا إِنْكَارٌ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ عَلَيْهِمْ حَيْثُ قَطَعُوا لَهُ بِالْجَنَّةِ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّ هَؤُلَاءِ بَلَغَهُمْ خَبَرُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ ابْنَ سَلَامٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَلَمْ يَسْمَعْ هُوَ ذَلِكَ، وَيُحْتَمَلْ أَنَّهُ كَرِهَ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ تَوَاضُعًا وَإِيثَارًا لِلْخُمُولِ وَكَرَاهَةً لِلشُّهْرَةِ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: فَعَلَى هَذَا الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: (فَسَأُحَدِّثُكَ لِمَ ذَاكَ) ؟ وَهُوَ بِلَا لَامٍ إِلَى إِنْكَارِهِ إِيَّاهُمْ يَعْنِي أَنِّي أُحَدِّثُكَ سَبَبَ إِنْكَارِي عَلَيْهِمْ، وَهُوَ هَذَا (إِنِّي رَأَيْتُ رُؤْيَا) : إِلَخْ وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى النَّصِّ بِقَطْعِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنِّي مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ كَمَا نَصَّ عَلَى غَيْرِي، وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الْإِشَارَةُ بِذَلِكَ إِلَى قَوْلِهِمْ: هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَعْنِي لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِمَّنْ أَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَحِبَهُ أَنْ يَقُولَ بِمَا لَا يَعْلَمُ، فَإِنَّهُمْ عَلِمُوا ذَلِكَ وَقَالُوا: وَأَنَا أَيْضًا أَقُولُ: رَأَيْتُ رُؤْيَا (عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ، أَيْ: فِي زَمَانِهِ (فَقَصَصْتُهَا عَلَيْهِ، وَرَأَيْتُ) : بَيَانٌ لِمَا قَبْلَهُ (كَأَنِّي فِي رَوْضَةٍ، ذَكَرَ) ، أَيْ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ (مِنْ سَعَتِهَا) : بِفَتْحِ أَوَّلَيْهَا (وَخُضْرَتِهَا، وَسَطَهَا) بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ " ظَرْفٌ وَقَعَ خَبَرًا مُقَدَّمًا لِمُبْتَدَأٍ مُؤَخَّرٍ هُوَ قَوْلُهُ: (عَمُودٌ مِنْ حَدِيدٍ، أَسْفَلُهُ) ، أَيْ: أَسْفَلَ الْعَمُودِ (فِي الْأَرْضِ، وَأَعْلَاهُ فِي السَّمَاءِ) : وَالْجُمْلَتَانِ صِفَتَانِ لِعَمُودٍ (فِي أَعْلَاهُ) ، أَيِ: الْعَمُودِ (عُرْوَةٌ) : بِضَمِّ الْعَيْنِ أَيْ: حَلْقَةٌ، فَفِي الْقَامُوسِ: الْعُرْوَةُ مِنَ الدَّلْوِ وَالْكُوزِ الْمَقْبَضُ فَاسْتُعِيرَتْ لِمَا يُوَثَّقُ وَيُعَوَّلُ عَلَيْهِ (فَقِيلَ لِي: ارْقَهْ) ، بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الْهَاءِ لِلسَّكْتِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِضَمِّ الْهَاءِ عَلَى أَنَّهُ ضَمِيرٌ، فَفِي الْقَامُوسِ: رَقِيَ كَرَضِيَ وَصَعِدَ، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: مِنْ رَقِيَ يَرْقَى إِذَا صَعِدَ وَالْهَاءُ لِلسَّكْتِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَعُودَ إِلَى الْعَمُودِ (فَقُلْتُ: لَا أَسْتَطِيعُ) ، أَيِ: الرُّقِيَّ وَالصُّعُودَ (فَأَتَانِي مِنْصَفٌ) : بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الصَّادِ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ وَعَلَيْهِ النُّسَخُ الْمُعْتَمَدَةُ. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَيُقَالُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَهُوَ الْخَادِمُ مِنْ نَصَفَ نِصَافَةً إِذَا خَدَمَ، وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالُوا: هُوَ الْوَصِيفُ الصَّغِيرُ الْمُدْرِكُ لِلْخِدْمَةِ (فَرَفَعَ) ، أَيِ: الْمُصَنِّفُ (ثِيَابِي مِنْ خَلْفِي، فَرَقِيتُ) : بِكَسْرِ الْقَافِ. وَقَالَ مِيرَكُ: وَحُكِيَ بِفَتْحِهَا. أَقُولُ: وَفِيهِ نَظَرٌ إِذْ رَقَى يَرْقِي كَرَمَى يَرْمِي مِنَ الرُّقْيَةِ، وَلَا مَعْنَى لَهَا هَا هُنَا بَلِ الْمُرَادُ فَصَعِدْتُ (حَتَّى كُنْتُ فِي أَعْلَاهُ) أَيْ: أَعْلَى الْعَمُودِ، وَفِي نُسْخَةٍ فِي أَعْلَاهَا أَيْ: أَعْلَى الْعُرْوَةِ (فَأَخَذْتُ) : وَفِي نُسْخَةٍ أَخَذْتُ (بِالْعُرْوَةِ، فَقِيلَ) ، أَيْ: لِيَ (اسْتَمْسِكْ) ، أَيْ: بَالِغْ فِي الْمَسْكِ بِمَعْنَى الْأَخْذِ (فَاسْتَيْقَظْتُ وَإِنَّهَا لَفِي يَدِي) ، أَيْ: أَنَّ الِاسْتِيقَاظَ كَانَ حَالَ الْأَخْذِ مِنْ غَيْرِ فَاصِلٍ، فَلَمْ يُرِدْ أَنَّهَا بَقِيَتْ فِي يَدِهِ حَالَ يَقَظَتِهِ، وَلَوْ حُمِلَ عَلَى ظَاهِرِهِ مَا امْتَنَعَ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى، لَكِنْ يَظْهَرُ خِلَافُهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ أَثَرَهَا بَقِيَ فِي يَدِي بَعْدَ الِاسْتِيقَاظِ كَأَنْ يُصْبِحَ فَيَرَى يَدَهُ مَقْبُوضَةً، (فَقَصَصْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: " تِلْكَ الرَّوْضَةُ الْإِسْلَامُ، وَذَلِكَ الْعَمُودُ عَمُودُ الْإِسْلَامِ، وَتِلْكَ الْعُرْوَةُ ") ، مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ (" الْوُثْقَى ") ، وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ الْعُرْوَةُ الْوُثْقَى. قَالَ الطِّيبِيُّ: الْوُثْقَى مِنَ الْحَبْلِ الْوَثِيقُ الْمُحْكَمُ الْمَأْمُونُ انْقِطَاعُهَا (" فَأَنْتَ عَلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى تَمُوتَ ") . اهـ. كَلَامُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فَقَالَ قَيْسُ: وَذَلِكَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ) . وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ بِأَنْ يُخْبِرَ عَنْ نَفْسِهِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute