(فَقُلْنَا: لَتُخْرِجِنَّ) : بِفَتْحِ لَامٍ فَضَمٍّ فَسُكُونٍ فَكَسْرَتَيْنِ وَتَشْدِيدِ نُونٍ أَيْ: لَتُظْهِرِنَّ (الْكِتَابَ أَوْ لَتُلْقِيَنَّ) : بِفَتْحٍ فَضَمٍّ فَسُكُونٍ فَكَسْرٍ فَفَتْحٍ فَتَشْدِيدٍ وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ بِكَسْرِ التَّحْتِيَّةِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِحَذْفِهَا وَهُوَ ظَاهِرٌ أَيْ: لَتَرْمِيِنَّ (الثِّيَابَ) : وَتَتَجَرَّدِنَّ عَنْهَا لِيَتَبَيَّنَ لَنَا الْأَمْرُ، وَفِي نُسْخَةٍ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ، وَرَفْعِ الثِّيَابِ وَهُوَ ظَاهِرٌ أَيْضًا. قَالَ مِيرَكُ: كَذَا جَاءَتِ الرِّوَايَةُ بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ مَكْسُورَةً وَمَفْتُوحَةً. فَإِنْ قُلْتَ: الْقَوَاعِدُ الْعَرَبِيَّةُ تَقْتَضِي أَنْ تُحْذَفَ تِلْكَ الْيَاءُ، وَيُقَالَ: لَتُلْقِنَّ. قُلْتُ: الْقِيَاسُ ذَلِكَ، وَإِذَا صَحَّتِ الرِّوَايَةُ بِالْيَاءِ فَتَأْوِيلُ الْكَسْرِ أَنَّهَا لِمُشَاكَلَةِ لَتُخْرِجِنَّ، وَالْفَتْحُ بِالْحَمْلِ عَلَى الْمُؤَنَّثِ الْغَائِبِ عَلَى طَرِيقِ الِالْتِفَاتِ مِنَ الْخِطَابِ إِلَى الْغَيْبَةِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِفَتْحِ الْقَافِ وَرَفْعِ الثِّيَابِ، كَذَا قَالَهُ الْكِرْمَانِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ، وَقَالَ الشَّيْخُ ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيُّ، فِي شَرْحِهِ: كَذَا فِيهِ بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ وَالْوَجْهُ حَذْفُهَا. وَقِيلَ: إِنَّمَا ثَبَتَتْ لِمُشَاكَلَةِ لَتُخْرِجِنَّ. قَالَ: وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ صَوَابَ الرِّوَايَةِ لَتُلْقِينَ الثِّيَابَ بِالنُّونِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ جِدًّا لَا شَكَّ فِيهِ الْبَتَّةَ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى تَخْرِيجِ تَكَلُّفٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: وَيُرِيدُهُ مَا وَقَعَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي بَابِ فَضْلِ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا بِلَفْظِ: لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لِنُجَرِّدَنَّكِ. انْتَهَى.
(فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا) ، وَهُوَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ جَمْعُ عَقِيصَةٍ وَهِيَ الشَّعْرُ الْمَضْفُورُ. قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: وَالْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رِوَايَةِ (أَخْرَجَتْهُ مِنْ حُجْزَتِهَا) بِضَمِّ الْحَاءِ وَسُكُونِ الْجِيمِ وَبِالزَّايِ أَيْ: مَعْقِدَ الْإِزَارِ لِأَنَّ عَقِيصَتَهَا طَوِيلَةٌ بِحَيْثُ تَصِلُ إِلَى حُجْزَتِهَا، فَرَبَطَتُهُ فِي عَقِيصَتِهَا وَغَرَزَتْهُ بِحُجْزَتِهَا (فَأَتَيْنَا بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا فِيهِ) ، أَيْ: فِي الْكِتَابِ (مِنْ حَاطِبِ) : بِكَسْرِ الطَّاءِ (ابْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى نَاسٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: لَيْسَ هَذَا حِكَايَةَ الْمَكْتُوبِ، بَلْ هُوَ مِنْ كَلَامِ الرَّاوِي، وُضِعَ مَوْضِعَ قَوْلِهِ: إِلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ وَفُلَانٍ (مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، يُخْبِرُهُمْ) ، أَيْ: حَاطِبٌ أَوْ مَكْتُوبُهُ مَجَازًا (بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) . أَيْ: بِبَعْضِ شَأْنِهِ وَحَالِهِ، وَهُوَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُرِيدُكُمْ فَخُذُوا حِذْرَكُمْ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَهُ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ) ، أَيْ: لِحَاطِبٍ (" مَا هَذَا ") ؟ أَيِ: الْفِعْلُ الشَّنِيعُ (فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ) ، أَيْ: فِي الْحُكْمِ بِالْكُفْرِ وَنَحْوِهِ، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ يُبَيِّنُ عُذْرَهُ فِي فِعْلِهِ بِقَوْلِهِ: (إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ حَلِيفًا (فِي قُرَيْشٍ) ، أَيْ: فِيمَا بَيْنَهُمْ (وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) : قَالَ النَّوَوِيُّ: وَكَانَ حَلِيفَ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ (وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَةٌ) ، أَيْ: ذَوُو قَرَابَةٍ أَيْ: أَقَارِبُ أَوْ قَرَابَةٌ مَعَ نَاسٍ (يَحْمُونَ) ، أَيِ: الْأَقَارِبَ أَوِ النَّاسَ الَّذِينَ أُقَارِبُهُمْ يَحْفَظُونَ وَيُرَاعُونَ (بِهَا) ، أَيْ: بِتِلْكَ الْقَرَابَةِ (أَمْوَالَهُمْ) ، أَيْ: أَمْوَالَ الْمُهَاجِرِينَ (وَأَهْلَهُمْ بِمَكَّةَ) ، يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِيَحْمُونِ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّ التَّقْدِيرَ أَمْوَالُهُمْ وَأَهْلِيهِمُ الْكَائِنِينَ بِمَكَّةَ (فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ) ، أَيِ: الْقُرْبُ (مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ) ، أَيْ: فِي قُرَيْشٍ. قَالَ الطِّيبِيُّ: إِذْ فَاتَنِي تَعْلِيلٌ وَقَعَ بَيْنَ الْفِعْلِ وَمَفْعُولِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ: (أَنْ أَتَّخِذَ فِيهِمْ يَدًا) ، أَيْ: صَنِيعَةً (يَحْمُونَ) ، أَيْ: قُرَيْشٌ (بِهَا) ، أَيْ: بِتِلْكَ الْيَدِ (قَرَابَتِي) أَيِ: الْكَائِنَةَ بِمَكَّةَ. قَالَ الطِّيبِيُّ، قَوْلُهُ: يَحْمُونَ صِفَةُ (يَدًا) ، وَأَرَادَ بِالْيَدِ يَدَ إِنْعَامٍ أَوْ قُدْرَةٍ (وَمَا فَعَلْتُ) ، أَيْ: ذَلِكَ (كُفْرًا) ، أَيْ: أَصْلِيًّا (وَلَا ارْتِدَادًا عَنْ دِينِي) أَيْ: حَادِثًا (وَلَا رِضًا بِالْكُفْرِ) ، أَيْ: بِوُجُودِهِ (بَعْدَ الْإِسْلَامِ) . أَيْ: بَعْدَ حُصُولِهِ وَهُوَ تَأْكِيدٌ لِمَا قَبْلَهُ أَوْ تَعْمِيمٌ لِأَنْوَاعِ حُدُوثِ الْكُفْرِ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ: خِطَابًا لِلْأَصْحَابِ (إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكُمْ ") بِتَخْفِيفِ الدَّالِ أَيْ: قَالَ الصِّدْقَ (فَقَالَ عُمَرُ: دَعْنِي) ، أَيْ: اتْرُكْنِي (يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَضْرِبْ) : بِالْجَزْمِ أَيْ أَقْطَعْ (عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ) . وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ مَعَ تَصْدِيقِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِحَاطِبٍ فِي مَعْذِرَتِهِ لِمَا كَانَ عِنْدَ عُمَرَ مِنْ قُوَّةٍ فِي الدِّينِ وَبُغْضِ مَنْ يَنْتَسِبُ إِلَى النِّفَاقِ، وَظَنَّ أَنَّ مَنْ خَالَفَ مَا أَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute