الشَّمْسِ إِلَى زَوَالِهَا، فَالْمُرَادُ بِالنَّهَارِ الْعُرْفِيِّ لِأَنَّهُ عَرِفَ عَمَلَ الْعُمَّالِ (" عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ ") ، أَيْ: نِصْفِ دَانِقٍ عَلَى مَا فِي الصِّحَاحِ، وَقِيلَ: الْقِيرَاطُ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الدِّينَارِ وَهُوَ نِصْفُ عَشَرَةٍ فِي أَكْثَرِ الْبِلَادِ، وَالْيَاءُ فِيهِ بَدَلٌ مِنَ الرَّاءِ كَمَا أَنَّهَا بَدَلٌ مِنَ النُّونِ فِي الدِّينَارِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ جَمَعُهُمَا عَلَى دَنَانِيرَ وَقَرَارِيطَ، وَكَرَّرَ قِيرَاطَ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الْأَجْرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قِيرَاطٌ، لَا أَنَّ مَجْمُوعَ الطَّائِفَةِ قِيرَاطٌ (" فَعَمِلَتِ الْيَهُودُ ") ، أَيْ: أَتْبَاعُ مُوسَى السَّابِقِ فِي الزَّمَانِ (" إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ، ثُمَّ قَالَ ") ، أَيِ: الرَّجُلُ الْمُسْتَعْمِلُ لِلْعُمَّالِ (" مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إِلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتِ النَّصَارَى ") ، أَيْ: أَتْبَاعُ عِيسَى بَعْدَ الْيَهُودِ (" مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إِلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ. ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ عَلَى قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ: أَلَا ") : لِلتَّنْبِيهِ (" فَأَنْتُمُ الَّذِينَ تَعْمَلُونَ ") : بِالْخِطَابِ وَيُلَائِمُهُ مَا فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: فَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ، وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ بِالْغَيْبَةِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ إِيرَادِ الْمَوْصُولِ أَيْ: فَأَنْتُمْ مَثَلُ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ، أَوْ فَأَنْتُمْ هُمُ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ مَثَلًا (" مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ أَلَا ") : لِلتَّنْبِيهِ (" لَكُمُ الْأَجْرُ مَرَّتَيْنِ ") ، أَيْ: مِثْلَيْ مَا لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَكَأَنَّهُ مُقْتَبَسٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ} [الحديد: ٢٨] (فَإِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ صَدَّقُوا بِنَبِيِّهِمْ وَالْأَنْبِيَاءِ الْمَاضِيَةِ أَيْضًا (" فَغَضِبَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالُوا: نَحْنُ أَكْثَرُ أَعْمَالًا وَأَقَلُّ عَطَاءً ") ، أَيْ: قَالَ أَهْلُ الْكِتَابِ: رَبَّنَا أَعْطَيْتَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ثَوَابًا كَثِيرًا مَعَ قِلَّةِ أَعْمَالِهِمْ، وَأَعْطَيْتَنَا ثَوَابًا قَلِيلًا مَعَ كَثْرَةِ أَعْمَالِنَا، وَلَعَلَّهُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَقَدْ حَكَى عَنْهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصِيغَةِ الْمَاضِي لِتَحَقُّقِ ذَلِكَ، أَوْ صَدَرَ عَنْهُمْ مِثْلَ ذَلِكَ لَمَّا اطَّلَعُوا عَلَى فَضَائِلِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي كُتُبِهِمْ، أَوْ عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِمْ وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ، فَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الثَّوَابَ لِلْأَعْمَالِ لَيْسَ عَلَى قَدْرِ التَّعَبِ، وَلَا عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْقَارِ، لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَى مَوْلَاهُ لِخِدْمَتِهِ أُجْرَةً، بَلِ الْمَوْلَى يُعْطِيهِ مِنْ فَضْلِهِ، وَلَهُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنَ الْعَبِيدِ عَلَى وَجْهِ الْمَزِيدِ، فَإِنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ. قَالَ الطِّيبِيُّ: لَعَلَّ هَذَا تَخْيِيلٌ وَتَصْوِيرٌ لَا أَنْ ثَمَّةَ مُقَاوَلَةٌ وَمُكَالَمَةٌ حَقِيقَةً، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُحْمَلَ ذَلِكَ عَلَى حُصُولِهَا عِنْدَ إِخْرَاجِ الذَّرِّ فَيَكُونُ حَقِيقَةً اهـ.
وَاسْتَدَلَّ بِهِ عُلَمَاؤُنَا تَقْوِيَةً لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ: إِنَّ أَوَّلَ الْعَصْرِ بِصَيْرُورَةِ ظِلِّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ، إِذْ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ النَّصَارَى أَكْثَرَ عَمَلًا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا بِاعْتِبَارِ هَذِهِ الْمُدَّةِ، فَإِنْ قِيلَ: مِنَ الزَّوَالِ إِلَى صَيْرُورَةِ ظِلِّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلِهِ أَكْثَرُ مِنْهُ إِلَى آخِرِ النَّهَارِ، فَيَتَحَقَّقُ كَوْنُ النَّصَارَى أَكْثَرَ عَمَلًا عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ. أُجِيبَ: بِأَنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ لَا يَعْرِفُهُ إِلَّا الْحُسَّابُ، وَالْمُرَادُ مِنَ الْحَدِيثِ تَفَاوُتٌ يَظْهَرُ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنَ الْأُمَّةِ أَوْ لِأَكْثَرِهِمْ، فَإِنَّ الْأَحْكَامَ الْفِقْهِيَّةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الِاعْتِبَارَاتِ الْغَالِبِيَّةِ، فَالنَّادِرُ لَا حُكْمَ لَهُ. وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِمْ أَكْثَرَ عَمَلًا أَكْثَرُ زَمَانًا لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْعَمَلِ أَكْثَرَ فِي الزَّمَانِ الْأَقَلِّ، فَأَقُولُ: هَذَا احْتِمَالٌ بَعِيدٌ مَعَارَضٌ بِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْعَمَلِ أَقَلَّ فِي الزَّمَانِ الْأَكْثَرِ، فَإِذَا تَعَارَضَ الِاحْتِمَالَانِ الْعَقْلِيَّانِ تَسَاقَطَا، وَالْعُرْفُ حَاكِمٌ بِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ أَنَّ الزَّمَانَ مِعْيَارٌ لِلْعَمَلِ، فَيَكُونُ الْعَمَلُ الْأَكْثَرُ فِي الزَّمَنِ الْأَزْيَدِ، وَكَذَا عَكْسُهُ مَعَ أَنَّ فِي نَفْسِ الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ دَلَالَةً عَلَى اعْتِبَارِ هَذَا الْمِعْيَارِ. (" قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَهَلْ ظَلَمْتُكُمْ) ، أَيْ: هَلْ نَقَصْتُكُمْ (" مِنْ حَقِّكُمْ شَيْئًا ") ؟ مَفْعُولٌ بِهِ أَوْ مُطْلَقٌ (" قَالُوا ") ، أَيْ: أَهْلُ الْكِتَابِ (" لَا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَإِنَّهُ ") ، أَيِ: الشَّأْنُ (فَضْلِي) ، أَيْ: عَطَائِي الزَّائِدُ (أَعْطِيهِ مَنْ شِئْتُ ") :
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute