قَوْلُهُ: أَنْعَتُ إِشَارَةٌ إِلَى حُسْنِ أَثَرِ الْقُطْنِ وَصَلَاحِيَّتِهِ لِذَلِكَ ; لِأَنَّ النَّعْتَ أَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي وَصْفِ الشَّيْءِ، بِمَا هُوَ فِيهِ مِنْ حُسْنٍ (فَإِنَّهُ يُذْهِبُ الدَّمَ) : أَيْ: يَمْنَعُ خُرُوجَهُ إِلَى ظَاهِرِ الْفَرْجِ، أَوْ مَعْنَاهُ فَاسْتَعْمِلِيهِ لَعَلَّ دَمَكِ يَنْقَطِعُ (قَالَتْ) : هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ) : أَيْ: هُوَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يَنْقَطِعَ بِالْكُرْسُفِ (قَالَ: فَتَلَجَّمِي) : أَيْ: شُدِّي اللِّجَامَ يَعْنِي خِرْقَةً عَلَى هَيْئَةِ اللِّجَامِ كَالِاسْتِثْفَارِ. (قَالَتْ: هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: " فَاتَّخِذِي ثَوْبًا ") : أَيْ: مُطْلَقًا (قَالَتْ: هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ) : أَيْ: مِنْ أَنْ يَمْنَعَهُ (إِنَّمَا أَثُجُّ) : بِضَمِّ الْمُثَلَّثَهَ (ثَجًّا) : مِنْ ثُجَّ الْمَاءُ وَالدَّمُ لَازِمٌ وَمُتَعَدٍّ، أَيْ: انْصَبَّ أَيْ: أَوْ أَصُبُّهُ، فَعَلَى الثَّانِي تَقْدِيرُهُ أَثُجُّ الدَّمَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ إِسْنَادُ الثَّجِّ إِلَى نَفْسِهَا لِلْمُبَالَغَةِ بِسَيْلِ دَمِي سَيَلَانًا فَاحِشًا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَاءً ثَجَّاجًا} [النبأ: ١٤] أَيْ: كَثِيرًا مُنْهَمِرًا (فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سَآمُرُكِ) : السِّينُ لِلتَّأْكِيدِ (بِأَمْرَيْنِ) : أَيْ: حُكْمَيْنِ أَوْ صُنْعَيْنِ (أَيَّهُمَا) : بِالْفَتْحِ وَقِيلَ: بِالضَّمِّ (صَنَعْتِ أَجْزَأَ عَنْكِ مِنَ الْآخَرِ) : يُقَالُ: أَجْزَأْتُ عَنْكَ أَغْنَيْتُ عَنْكَ، فَمِنْ بِمَعْنَى الْبَدَلِ كَمَا قِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} [آل عمران: ١٠] وَفِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: " «وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ» ". فَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: الظَّاهِرُ أَنَّهَا بِمَعْنَى " عَنْ " وَعَدَلَ عَنْهَا لِثِقَلِ التَّوَالِي بَيْنَ عَنْكِ وَعَنْ غَيْرُ ظَاهِرٍ نَشَأَ عَنْ غَفْلَةٍ (وَإِنْ قَوِيتِ) : أَيْ: قَدَرْتِ (عَلَيْهِمَا فَأَنْتِ أَعْلَمُ) : أَيْ: بِحَالِكِ إِشَارَةٌ إِلَى التَّخْيِيرِ (قَالَ لَهَا: " إِنَّمَا هَذِهِ ") : أَيِ: الثَّجَّةُ أَوِ الْعِلَّةُ، وَفِي الْمَصَابِيحِ: إِنَّمَا هِيَ (رَكْضَةٌ) : أَيْ: دَفْعَةُ وَضَرْبَةُ، وَالرَّكْضَةُ ضَرْبُ الْأَرْضِ بِالرِّجْلِ فِي حَالِ الْعَدْوِ أَوْ غَيْرِهِ، وَمِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ} [ص: ٤٢] (مِنْ رَكَضَاتِ الشَّيْطَانِ: يُرِيدُ بِهِ الْإِضْرَارَ وَالْإِفْسَادَ، وَإِضَافَتُهَا إِلَى الشَّيْطَانِ ; لِأَنَّهُ وَجَدَ بِذَلِكَ طَرِيقًا إِلَى التَّلْبِيسِ عَلَيْهَا فِي أَمْرِ دِينِهَا وَقْتَ طُهْرِهَا وَصَلَاتِهَا وَصِيَامِهَا حَتَّى أَنْسَاهَا ذَلِكَ، فَكَأَنَّهَا رَكْضَةٌ نَالَتْهَا مِنْ رَكَضَاتِهِ، أَوِ الْحَالَةُ الَّتِي ابْتُلِيَتْ بِهَا مِنَ الْخَبْطِ وَالتَّحَيُّرِ رَكْضَةٌ مِنْ رَكَضَاتِ الشَّيْطَانِ (فَتَحَيَّضِي: أَيْ: اقْعُدِي أَيَّامَ حَيْضَتِكِ عَنِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَنَحْوِهِمَا، وَاجْعَلِي نَفْسَكِ حَائِضَةً سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ قِيلَ: أَوْ لِلشَّكِّ مِنَ الرَّاوِي، وَقَدْ ذُكِرَ أَحَدُ الْعَدَدَيْنِ اعْتِبَارًا بِالْغَالِبِ مِنْ حَالِ نِسَاءِ قَوْمِهَا، وَقِيلَ: لِلتَّخْيِيرِ بَيْنَ كُلٍّ وَاحِدٍ مَنَ الْعَدَدَيْنِ ; لِأَنَّهُ الْعُرْفُ الظَّاهِرُ، وَالْغَالِبُ مِنْ أَحْوَالِ النِّسَاءِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: أَوْ لِلتَّقْسِيمِ أَيْ: سِتَّةٌ إِنِ اعْتَادَتْهَا، أَوْ سَبْعَةٌ إِنِ اعْتَادَتْهَا إِنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً لَا مُبْتَدِأَةً، أَوْ لَعَلَّهَا شَكَّتْ هَلْ عَادَتُهَا سِتَّةً أَوْ سَبْعَةً فَقَالَ لَهَا: سِتَّةً إِنْ لَمْ تَذْكُرِي عَادَتَكِ، أَوْ سَبْعَةً إِنْ ذَكَرْتِ أَنَّهَا عَادَتُكِ، أَوْ لَعَلَّ عَادَتَهَا كَانَتْ مُخْتَلِفَةً فِيهِمَا، فَقَالَ: سِتَّةً فِي شَهْرِ السِّتَّةِ، وَسَبْعَةً فِي شَهْرِ السَّبْعَةِ اهـ.
وَقِيلَ: لِلتَّنْوِيعِ عَلَى اعْتِبَارِ حَالِهَا بِحَالِ مَنْ هِيَ مِثْلُهَا مِنَ النِّسَاءِ الْمُمَاثِلَةِ لَهَا فِي السِّنِّ، الْمُشَارِكَةِ لَهَا فِي الْمِزَاجِ بِسَبَبِ الْقَرَابَةِ أَوِ الْمَسْكَنِ، فَإِنْ كَانَ عَادَةُ مِثْلِهَا سِتًّا فَسِتًّا، وَإِنْ سَبْعًا فَسَبْعًا، وَلَعَلَّ هَذَا مِنَ الْمُبْتَدِأَةِ أَوِ الْمُتَحَيِّرَةِ، وَقِيلَ: وَهُوَ الظَّاهِرُ أَنَّهَا كَانَتْ مُعْتَادَةً، وَنَسِيَتْ أَنَّ عَادَتَهَا كَانَتْ سِتًّا أَوْ سَبْعًا، فَأَمَرَهَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنْ تَتَحَرَّى وَتَجْتَهِدَ وَتَبْنِيَ عَلَى مَا تَيَقَّنَتْ مِنْ أَحَدِ الْعَدَدَيْنِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: (فِي عِلْمِ اللَّهِ) : أَيْ: فِيمَا حَكَمَ اللَّهُ مِنْ أَمْرِكِ، وَمَعْنَاهُ عَلَى قَوْلِ الشَّكِّ فِي عِلْمِهِ الَّذِي بَيَّنَهُ وَشَرَعَهُ لَنَا كَمَا يُقَالُ: فِي حُكْمِ اللَّهِ، وَفِي كِتَابِ اللَّهِ، وَلَكِ: فِيمَا أَعْلَمَكِ اللَّهُ مِنْ عَادَاتِ النِّسَاءِ مِنَ السِّتِّ أَوِ السَّبْعِ، وَفِي قَوْلِ التَّخْيِيرِ فِيمَا عَلِمَ اللهُ مِنْ أَمْرِكِ مِنْ سِتَّةٍ أَوْ سَبْعَةٍ. هَذَا خُلَاصَةُ كَلَامِ الشُّرَّاحِ، وَقَالَ ابْنُ الْهُمَامِ مِنْ أَئِمَّتِنَا فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ: أَقَلُّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute