لِأَنَّهُ قَدْ يَمْتَدُّ سَنَةً وَسَنَتَيْنِ، وَقَدْ لَا تَحِيضُ أَصْلًا، فَلَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُهُ إِلَّا إِذَا اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَاحْتِيجَ إِلَى نَصْبِ الْعَادَةِ إِمَّا بِأَنْ بَلَغَتْ مُسْتَحَاضَةً، وَإِمَّا بِأَنْ بَلَغَتْ بِرُؤْيَةِ عَشَرَةٍ مَثَلًا دَمًا وَسِتَّةٍ طُهْرًا، ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ، أَوْ كَانَتْ صَاحِبَةَ عَادَةٍ فَاسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ وَنَسِيَتْ عَدَدَ أَيَّامِهَا، وَأَوَّلَهَا وَآخِرَهَا وَدَوْرَهَا. أَمَّا الْأُولَى فَيُقَدَّرُ حَيْضُهَا بِعَشَرَةٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَبَاقِيهِ طُهْرٌ، فَشَهْرٌ عِشْرُونَ وَشَهْرٌ تِسْعَةَ عَشَرَ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَقَالَ أَبُو عِصْمَةَ وَالْقَاضِي أَبُو حَازِمٍ: حَيْضُهَا مَا رَأَتْ، وَطَهَارَتُهَا مَا رَأَتْ، فَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِثَلَاثِ سِنِينَ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَأُمًّا الثَّالِثَةُ: فَيَجِبُ أَنْ تَتَحَرَّى وَتَمْضِيَ عَلَى أَكْبَرِ رَأْيِهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا رَأْيٌ فَهِيَ الْمُخَيَّرَةُ لَا يُحْكَمُ لَهَا بِشَيْءٍ مِنَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ عَلَى التَّعْيِينِ، بَلْ تَأْخُذُ فِي الْأَحْوَطِ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ، فَتَجْتَنِبُ مَا تَجْتَنِبُهُ الْحَائِضُ مِنَ الْقِرَاءَةِ وَالْمَسِّ وَقُرْبَانِ الزَّوْجِ، وَتَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ فَتُصَلِّي بِهِ الْفَرْضَ وَالْوِتْرَ، وَتَقْرَأُ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ فَقَطْ، وَقِيلَ: الْفَاتِحَةُ وَالسُّورَةُ ; لِأَنَّهُمَا وَاجِبَتَانِ، وَإِنْ حَجَّتْ تَطُوفُ طَوَافَ الزِّيَارَةِ ; لِأَنَّهُ رُكْنٌ، ثُمَّ تُعِيدُهُ بَعْدَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ، ثُمَّ تَطُوفُ لِلصَّدْرِ ; لِأَنَّهُ وَاجِبٌ، وَتَصُومُ شَهْرَ رَمَضَانَ، ثُمَّ تَقْضِي خَمْسَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا لِاحْتِمَالِ كَوْنِهَا حَاضَتْ مِنْ أَوَّلِهِ عَشَرَةً وَمِنْ آخِرِهِ خَمْسَةً أَوْ بِالْعَكْسِ، ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا حَاضَتْ فِي الْقَضَاءِ عَشَرَةً، فَسَلِمَ خَمْسَةَ عَشَرَ بِيَقِينٍ، وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّ طُهْرَهَا فِي حَقِّ الْعِدَّةِ مُقَدَّرٌ بِشَهْرَيْنِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (ثُمَّ اغْتَسِلِي) : أَيْ: بَعْدَ السِّتَّةِ أَوِ السَّبْعَةِ مِنَ الْحَيْضِ (حَتَّى إِذَا رَأَيْتِ) : أَيْ: عَلِمْتِ (أَنَّكِ قَدْ طَهُرْتِ) : بِأَنْ رَأَيْتِ الْبَيَاضَ (وَاسْتَنْقَأْتِ) : قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: الْاسْتِنْقَاءُ مُبَالَغَةٌ فِي تَنْقِيَةِ الْبَدَنِ قِيَاسٌ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: إِذَا رَأَيْتِ أَنَّكِ طَهُرْتِ وَاسْتَنْقَيْتِ، وَالْهَمْزَةُ فِيهِ خَطَأٌ اهـ. وَهُوَ فِي النُّسَخِ كُلِّهَا بِالْهَمْزِ مَضْبُوطٌ، فَيَكُونُ جَرَاءَةً عَظِيمَةً مِنْ صَاحِبِ الْمُغْرِبِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعُدُولِ الضَّابِطِينَ الْحَافِظِينَ مَعَ إِمْكَانِ حَمْلِهِ عَلَى الشُّذُوذِ، إِذِ الْيَاءُ مِنَ الْأَحْرُفِ الْأَبْدَالِ، وَقَدْ جَاءَ: شِئْمَةٌ مَهْمُوزًا بَدَلًا مِنْ شِيمَةٍ شَاذًّا عَلَى مَا فِي الشَّافِيَةِ، هَذَا وَمِنَ الْغَرِيبِ الْعَجِيبِ أَنَّهُ لَوْ نَقَلَ الزَّوْزَنِيُّ عَنِ الْأَصْمَعِيِّ عَنِ الْبَدَوِيِّ الَّذِي يَبُولُ عَلَى عَقِبَيْهِ مِثْلَ هَذَا النَّقْلِ الْمُعْتَمَدِ الْمُسْتَنَدِ بِالسَّنَدِ يُخْطِئُونَ وَيُخَطِّئُونَ، وَاللَّهُ وَلِيُّ دِينِهِ، (فَصَلِّي ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً) : يَعْنِي: وَأَيَّامَهَا، إِنْ كَانَتْ مُدَّةُ الْحَيْضَةِ سَبْعَةً (أَوْ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَأَيَّامَهَا) : إِنْ كَانَتْ مُدَّةُ الْحَيْضَةِ سِتَّةً (وَصُومِي) : أَيْ: رَمَضَانَ وَغَيْرَهُ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ كَذَلِكَ (فَإِنَّ ذَلِكَ) : أَيْ: مَا قُدِّرَ لَكِ مِنَ الْأَيَّامِ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ (يُجْزِئُكِ) : أَيْ: يَكْفِيكِ. يُقَالُ: أَجْزَأَنِي الشَّيْءُ أَيْ كَفَانِي، وَيُرْوَى بِالْبَاءِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ. (وَكَذَلِكَ) : أَيْ: مِثْلُ مَا ذَكَرْتُ لَكِ فِي هَذَا الشَّهْرِ الَّذِي أَنْتِ فِيهِ يَعْنِي السَّائِلَةَ (فَافْعَلِي كُلَّ شَهْرٍ كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ) : أَيِ: اللَّوَاتِي مَثْلُكِ فِي نِسْيَانِ عَادَتِهِنَّ (وَكَمَا يَطْهُرْنَ) وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: اجْعَلِي حَيْضَكِ بِقَدْرِ مَا يَكُونُ عَادَةُ النِّسَاءِ مِنْ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ، وَكَذَلِكَ طُهْرُكِ بِقَدْرِ مَا يَكُونُ عَادَةُ النِّسَاءِ مِنْ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ أَوْ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ (مِيقَاتَ حَيْضِهِنَّ وَطُهْرِهِنَّ) : نُصِبَ عَلَى الظَّرْفِ يَعْنِي: إِنْ كَانَ وَقْتُ حَيْضِهِنَّ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ، فَلْيَكُنْ حَيْضُكِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. اهـ.
وَأَنْتَ عَرِفْتَ مِمَّا ذَكَرْنَا لَكَ أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ مِنَ اعْتِبَارِ الْمُمَاثَلَةِ بِالنِّسَاءِ (وَإِنْ قَوِيتِ) : هَذَا هُوَ الْأَمْرُ الثَّانِي ; بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: هَذَا أَعْجَبُ الْأَمْرَيْنِ إِلَيَّ، وَتَعْلِيقُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ هَذَا بِقُوَّتِهَا لَا يُنَافِي قَوْلَهُ السَّابِقَ، وَإِنْ قَوِيتِ عَلَيْهِمَا ; لِأَنَّ ذَلِكَ لِبَيَانِ أَنَّهَا إِذَا قَوِيَتْ عَلَيْهِمَا تَخْتَارُ مَا شَاءَتْ، وَهَذَا لِبَيَانِ أَنَّهَا إِذَا قَوِيَتْ عَلَيْهِمَا تَخْتَارُ الْأَحَبَّ إِلَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَقِيلَ: لَمَّا خَيَّرَهَا بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ. بِمَعْنَى إِنْ قَوِيتِ عَلَى الْأَمْرَيْنِ. بِمَا تَعْلَمِينَ مِنْ حَالِكِ وَقُوَّتِكِ، فَاخْتَارِي أَيَّهُمَا شِئْتِ. وَوَصَفَ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ، وَرَأَى عَجْزَهَا عَنِ الِاغْتِسَالِ لِكُلِّ صَلَاةٍ قَالَ لَهَا: دَعِي ذَلِكَ إِنْ لَمْ تَقْوِي عَلَيْهِ، وَإِنْ قَوِيتِ إِلَخْ. وَيُفْهَمُ مِنْ هَذَا أَنَّهَا إِنْ عَجَزَتْ عَنْهُ أَيْضًا نَزَلَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَيْسَرَ وَأَسْهَلَ عَلَى قَدْرِ الِاسْتِطَاعَةِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْخَطَّابِيِّ: لَمَّا رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ طَالَ عَلَيْهَا، وَقَدْ جَهَدَهَا الِاغْتِسَالُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، رَخَّصَ لَهَا فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ، كَالْمُسَافِرِ رُخِّصَ لَهُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، وَذَهَبَ إِلَى إِيجَابِ الْغُسْلِ عَلَيْهَا عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ عَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute