الزِّيَادَةِ، وَهُوَ بَعْدَ الزَّوَالِ مِثْلُ الشِّرَاكِ أَيْ: مِثْلُ شِرَاكِ النَّعْلِ، وَهُوَ أَحَدُ سُيُورِ النَّعْلِ الَّذِي عَلَى وَجْهِهَا، وَهَذَا عَلَى وَجْهِ التَّقْرِيرِ ; لِأَنَّ زَوَالَ الشَّمْسِ لَا يُتَبَيَّنُ إِلَّا بِأَقَلِّ مِمَّا يُرَى مِنَ الظِّلِّ فِي جَانِبِ الْمَشْرِقِ، وَكَانَ حِينَئِذٍ بِمَكَّةَ هَذَا الْقَدْرُ، وَالظِّلُّ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ، فَكُلُّ بَلَدٍ هُوَ أَقْرَبُ إِلَى خَطِّ الِاسْتِوَاءِ وَمُعَدَّلِ النَّهَارِ كَانَ الظِّلُّ فِيهِ أَقْصَرَ، وَكُلُّ بَلَدٍ كَانَ أَبْعَدَ عَنْهُمَا إِلَى جَانِبِ الشَّمَالِ كَانَ فِيهِ أَطْوَلَ، كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: إِنَّمَا يَتَبَيَّنُ ذَلِكَ فِي مِثْلِ مَكَّةَ مِنَ الْبِلَادِ الَّتِي يَقِلُّ فِيهَا الظِّلُّ، فَإِذَا كَانَ أَطْوَلُ النَّهَارِ وَاسْتَوَتِ الشَّمْسُ فَوْقَ الْكَعْبَةِ لَمْ يُرَ لِشَيْءٍ مِنْ جَوَانِبِهَا الظِّلُّ. اهـ.
وَالْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّ وَقْتَ الظُّهْرِ حِينَ يَأْخُذُ الظِّلُّ فِي الزِّيَادَةِ بَعْدَ الزَّوَالِ (وَصَلَّى بِيَ الْعَصْرَ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ) : أَيْ: بَعْدَ ظِلِّ الزَّوَالِ قَالَهُ الطِّيبِيُّ، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: مَعْنَاهُ زَادَ ظَلُّ كُلِّ شَيْءٍ عَنْ مَثَلِهِ أَدْنَى زِيَادَةً وَفِيهِ بَحْثٌ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالظِّلِّ الْحَادِثُ (وَصَلَّى الْمَغْرِبَ حِينَ أَفْطَرَ الصَّائِمُ) : أَيْ: دَخَلَ وَقْتُ إِفْطَارِهِ بِأَنْ غَابَتِ الشَّمْسُ وَدَخَلَ اللَّيْلُ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: ١٨٧] وَفِي رِوَايَةٍ: " حِينَ وَجَبَتِ الشَّمْسُ وَأَفْطَرَ الصَّائِمُ " وَهُوَ عَطْفُ تَفْسِيرٍ، إِذْ بِوُجُوبِهَا يَعْنِي سُقُوطَهَا وَغَيْبُوبَتَهَا يَدْخُلُ وَقْتُ إِفْطَارِ الصَّائِمِ مَعَ الْإِيمَاءِ بِأَنَّ (إِفْطَارَ الصَّائِمِ يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ (وَصَلَّى بِيَ الْعَشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ) : أَيِ: الْأَحْمَرُ عَلَى الْأَشْهَرِ (وَصَلَّى بِيَ الْفَجْرَ حِينَ حَرُمَ الطَّعَامُّ وَالشَّرَابُ عَلَى الصَّائِمِ) : يَعْنِي: أَوَّلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: ١٨٧] (فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ) : أَيْ: فِي الْيَوْمِ الثَّانِي (صَلَّى بِيَ الظُّهْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ) : أَيْ: ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ (مِثْلَهُ) : أَيْ: قَرِيبًا مِنْهُ أَيْ: مِنْ غَيْرِ الْفَيْءِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: لَيْسَ الْمُرَادُ بَعْدَ ظِلِّ الزَّوَالِ، فَلَا يَلْزَمُ كَوْنُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَوَافَقَ هَذَا قَوْلَ الْمُظْهِرِ عَلَى سَبِيلِ تَوَارُدِ الْخَاطِرِ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ أَوْلَى مِمَّا ذَكَرَهُ الْقَاضِي مِنْ تَأْوِيلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ مِنَ الْبَابِ. اهـ.
وَفِي رِوَايَةٍ: حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ، كَوَقْتِ الْعَصْرِ بِالْأَمْسِ. أَيْ: فَرَغَ مِنَ الظُّهْرِ حِينَئِذٍ كَمَا شَرَعَ فِي الْعَصْرِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، حِينَئِذٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبِهِ يَنْدَفِعُ اشْتِرَاكُهُمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ عَلَى مَا زَعَمَهُ جَمَاعَةٌ، وَيَدُلُّ لَهُ خَبَرُ مُسْلِمٍ السَّابِقُ: وَقْتُ الظُّهْرِ مَا لَمْ يَحْضُرِ الْعَصْرُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ عَدَمُ إِمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَجَبَ تَقْدِيمُ خَبَرِ مُسْلِمٍ ; لِأَنَّهُ أَصَحُّ مَعَ كَوْنِهِ مُتَأَخِّرًا (وَصَلَّى بِيَ الْعَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ) : أَيْ ظِلُّ الشَّيْءِ (مِثْلَيْهِ) : أَيْ: غَيْرُ ظِلِّ الِاسْتِوَاءِ (وَصَلَّى بِيَ الْمَغْرِبَ حِينَ أَفْطَرَ الصَّائِمُ، وَصَلَّى بِيَ الْعِشَاءَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ) : أَيْ: مَائِلًا أَوْ مُنْتَهِيًا إِلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إِلَى بِمَعْنَى " مَعَ " وَيُؤَيِّدُهُ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى، ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ الْأَخِيرَةَ حِينَ ذَهَبَ ثُلْثُ اللَّيْلِ اهـ. أَوْ إِلَى بِمَعْنَى " فِي " نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [النساء: ٨٧] (وَصَلَّى بِيَ الْفَجْرَ فَأَسْفَرَ) : أَيْ: أَضَاءَ بِهِ، أَوْ دَخَلَ فِي وَقْتِ الْإِسْفَارِ (ثُمَّ الْتَفَتَ) : أَيْ: نَظَرَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (إِلَيَّ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، هَذَا) أَيْ: مَا ذُكِرَ مِنَ الْأَوْقَاتِ الْخَمْسَةِ، أَوِ الْإِشَارَةُ إِلَى الْإِسْفَارِ فَقَطْ (وَقْتُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِكَ) : إِذِ الْمُحَافَظَةُ عَلَيْهِ شَاقَّةٌ عَلَى النَّفْسِ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا إِلَّا الْمُرَاعُونَ لِلظِّلَالِ، الْمُنْتَظِرُونَ لِلصَّلَوَاتِ قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: هَذَا وَقْتُ الْأَنْبِيَاءِ بِاعْتِبَارِ التَّوْزِيعِ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الْعِشَاءِ، إِذْ مَجْمُوعُ هَذِهِ الْخَمْسِ مِنْ خُصُوصِيَّاتِنَا، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمْ فَكَانَ مَا عَدَا الْعِشَاءُ مُفَرَّقًا فِيهِمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute