للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لَا رَبَّ لَنَا غَيْرُكَ، وَلَا إِلَهَ لَنَا غَيْرُكَ، وَرُفِعَ لَهُمْ أَبُوهُمْ آدَمُ، فَنَظَرَ إِلَيْهِم … » الحديث (١).

العبادة القلبية: هي الأمانة التي أنزلها الله -عز وجل- في جذر القلوب في الدنيا كما جاء ذلك في الحديث الآنف الذكر؛ «أَنَّ الأَمَانَةَ نَزَلَتْ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ القُرْآنِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ».

وعلى هذا فجميع قلوب بني آدم مولودة على الفطرة، وهي التوحيد؛ لكن هذه البذرة تحتاج إلى ما يوقظها وينبتها ثم يرعاها، ويتعاهدها بالعناية حتى الممات، وذلك عن طريق اتباع الوحي كما جاء في حديث أبي بن كعب الآنف الذكر؛ «فَإِنِّي أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ رُسُلِي يُذَكِّرُونَكُمْ عَهْدِي وَمِيثَاقِي، وَأُنْزِلُ عَلَيْكُمْ كُتُبِي».

كما أن القلوب والأروح متفاوتة ومختلفة في اليقظة وقبول الحق؛ فمنها سريع الانقياد فهو قلب رقيق، ومنها دون ذلك، إلى القلب القاسي الذي لا يقبل -والعياذ بالله- الحق. انظر إلى قول الله تعالى في وصف نشوء العبادة القلبية، وتقبل القلوب للحق، وأثر الشهوات والشبهات على القلوب في قوله تعالى: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ} [الرعد: ١٧].

قال الشيخ السعدي في تفسير الآية (٢): شبّه تعالى الهدى الذي أنزله على رسوله لحياة القلوب والأرواح بالماء الذي أنزله لحياة الأشباح، وشبّه ما في الهدى من النفع العام الكثير الذي يضطر إليه العباد بما في المطر من النفع العام الضروري،


(١) أخرجه الحاكم في المستدرك (٢/ ٣٥٣ رقم ٣٢٥٥)، وقال هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، ووافقه الذهبي، والبيهقي في القضاء والقدر (١/ ١٤١ رقم ٦٦).
(٢) تيسير الكريم المنان في تفسير كلام المنان (٤١٥).

<<  <   >  >>